بين الحب والحق.. كيف أنصح صديق عمري العاصي؟

<p>لي صديق عمري، نحيا معًا منذ الطفولة، تربطنا محبة قلّ نظيرها، لكني ابتُليتُ برؤيته يقع في معصية ظاهرة لا يكاد ينفك عنها. قلبي يتألم، وضميري يئن.. أريد أن أنصحه، أن أُذكّره بالله، لكني أخشى من ردة فعله.. أخشى أن يُعرض، أو يجرحني برد قاسٍ، أو يخسـرني إن ضايقته.. فماذا أفعل؟ هل أنصحه؟ أم أُمسك لساني وأدعوه في قلبي؟ أرشدوني.. كيف أجمع بين الحب والحق؟ كيف أحافظ على صداقتي دون أن أفرّط في النصيحة؟</p>

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وبعد:

 

فما أجمل قلبك!!.. حين يحب لصاحبه الخير كما يحبه لنفسه.. وما أرقّ مشاعرك، وأصدقها، حين يتألم قلبك لأجل معصية يرتكبها من تحب. لقد جمعتَ بين الوفاء والغيرة على الدين، فكنت في موضعٍ شريف، تحفّه الملائكة وتغشاه الرحمة.

 

فاصغِ إليّ أيها المحب الناصح، وتأمل حديث الحبيب ﷺ حين قال: "الدين النصيحة". فالنصيحة ليست خيانة للمحبة؛ بل هي وجهها الآخر النقيّ.. بل هي دليل الحب، وعنوان المروءة.

 

وإنّك مأجور على نيتك قبل أن تنطق؛ فالله يعلم صدقك، لكن.. لا بد من فقهٍ في النصيحة، ورحمةٍ في الأسلوب، وذكاءٍ في التوقيت، كما كان هدي النبي ﷺ.

 

فالمؤمن يَستر وينصح، والفاجر يهتك ويُعيّر، فاجعل نصيحتك سرًّا، لا جَهرًا.. لِينًا، لا شِدة.. دعوةً، لا فضيحة.

 

قال الله لنبيه موسى عليه السلام وهو يذهب إلى فرعون الطاغية: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَـى}، فكيف بمن تحب وتأنس؟ أولى أن تُلين له القول، وتخاطبه بلطف.

 

ابدأ أولًا بالدعاء له في ظهر الغيب.. سل الله أن يفتح قلبه.. أن يريه الحق حقًّا.. أن يحبب إليه التوبة. ثم افتح باب الحديث بأمر قريب لقلبه، ثم ادخل إليه مدخل التذكير بلطف، كأن تقول: (أحبك.. ولأني أحبك، لا أحتمل أن أراك تُعرض عن الله، وهو يناديك.. أعلم أنك طيب، لكن الشيطان يتسلل أحيانًا.. وأنا أخاف عليك، لأنك غالٍ على قلبي).. ولا تنتظر أن يتغير من أول مرة.. فالزرع يحتاج وقتًا، والماء يُسقى بالتدرج، ولا تتعجل قطف الثمار.. ولا تتراجع إن قسا في رده، فالله يرى نيتك ويثيبك.

 

واسمح لي أن أنقل إليك هذه الوصايا العملية:

 

1) أخلص نيتك: وادع له كثيرًا، فالدعاء سهم لا يخطئ.

 

2) اختر وقتًا مناسبًا للنصيحة، حين يكون هادئًا، مطمئنًّا.

 

3) ابدأ بالثناء عليه وذكّره بجميل صفاته، قبل أن تشير إلى الخطأ.

 

4) استخدم أسلوب القصة أو السؤال، بدلًا من المواجهة المباشرة.

 

5) كرّر النصيحة عند اللزوم، بأساليب متجددة، ولا تيأس.

 

6) ابق قريبًا منه، ولا تهجره ما دام لا يؤثر عليك سلبًا؛ فالصحبة الطيبة باب للرجوع.

 

7) إن أصرّ على المعصية وكان لها ضرر عليك، فوازن بين الحفاظ على قلبك، وبين واجب النصيحة، واستعن بمَن يثق به ليشارِكك النصح.

 

أسأل الله تعالى أن يكتب لك التوفيق والسداد، وأن يجعلك سببًا في هداية الخلق من حولك.