<p>يا دكتورة، أنا مرعوبة ومش عارفة أتصرف! فجأة لقيت ابني لسه صغير عمره 9 سنوات، بيلمس أعضائه، ومرة تانية حاول يلمس جسمي وأنا مكنتش فاهمة هو بيعمل كده ليه! اتجمدت مكاني، مشيت ساعتها الموقف بهزار، بس جوايا فيه نار، مش عارفة أصرخ عليه ولا أطنّش<span dir="LTR">!</span></p> <p>هل ده طبيعي؟ أتكلم معاه إزاي؟ أخاف أقول له فيتوتر أكتر؟ وخايفة يكون شاف حاجة أو حد لمسه وأنا مش عارفة! أرجوكِ طمنيني، أعمل إيه؟ أبدأ منين؟</p>
ابنتي العزيزة،
أشعر بكل ما تحملينه من قلق وارتباك، بل وأقدّر رعبك المفاجئ، وأحييك على شجاعتك في طلب الاستشارة وعدم كتمان مشاعرك. هذا هو أول طريق التربية السليمة: الوعي، والبحث، لا القمع أو التجاهل.
أولًا: أطمئنك، ما حدث ليس مؤشرًا حتميًّا على وجود مشكلة كبيرة، لكنه علامة تستحق أن ننتبه إليها.
ما قام به ابنك – في إطار لم يتجاوز حدود التجربة أو الفضول – يدخل تحت ما نطلق عليه في علم النفس التربوي: "Natural Sexual Curiosity" أو الفضول الجنسي الطبيعي، وهي مرحلة عادية يمر بها الأطفال بدايةً من عمر 3 سنوات تقريبًا وحتى بداية المراهقة، حيث يبدأ الطفل في استكشاف جسده، ويتساءل عن الفروقات بين الجنسين، ويتأثر بما يسمعه أو يراه، سواء في المنزل أو المدرسة أو وسائل الإعلام والتواصل.
ثانيًا: الطفل لا يمتلك المفهوم الأخلاقي الكامل لسلوكياته بعد..
فهو لا يرى لمس الجسد أو الاقتراب الجسدي بطريقة معينة كما نراها نحن البالغون. هو يتحرك بدافع "الفضول الحسي" وليس من منطلق نية سيئة. لكن دورنا كأمهات وآباء أن نرسم له حدوده بلغة تربوية واعية، لا توبيخية ولا مربِكة.
ثالثًا: ما يجب عليكِ فعله فورًا، وبدون صراخ أو تجهيل أو صمت:
1- تهدئة مشاعرك أولًا: فالطفل يلتقط ذبذبات انفعالك أسرع مما تتخيّلين، فلا تظهري له الفزع ولا الاشمئزاز، بل تعاملي بنضج ووعي.
2- اجلسي معه في لحظة هادئة، وابدئي حوارًا بسيطًا بلغة مفهومة لعمره، مثل: "أنا لاحظت أنك لمست جسمك بطريقة معينة، وعايزة أقولك إن ربنا خلق لنا جسم جميل، بس لازم نحافظ عليه، ونعرف إن فيه أماكن اسمها (الأماكن الخاصة)، محدش ينفع يلمسها ولا يشوفها غيرك، حتى ماما وبابا مش بيقربوا منها، إلا في حالة مساعدة في الاستحمام أو العلاج".
3- كرري في حديثك معه مصطلح "الخصوصية" – Body Privacy و"الأمان الجسدي" – Body Safety، وابدئي تعليمه مفهوم: "لمسات آمنة ولمسات غير آمنة" – Safe Touch & Unsafe Touch.
4- اسأليه بهدوء وحنان: "حد قبلك لمسك؟ حد قالك تعمل كده؟ شفت حاجة مش مفهومة؟"، وإذا قال "لا"، فكرري الأسئلة بعد عدة أيام، في جوّ من اللعب والهدوء والاحتواء والطمأنينة؛ لأن الأطفال لا يبوحون فورًا إذا كانوا تعرضوا لشيء مؤذٍ.
5- ابدئي في دمج مفهوم "الحرمات" و"الستر" بلغة دينية محببة.. قولي له مثلًا: "النبي صلى الله عليه وسلم قال: "استحيوا من الله حق الحياء"، وربنا بيحب الولد اللي بيحافظ على جسمه ويكون شجاع في حماية نفسه"، وبهذا تربطين بين الدين والحماية، لا بين الدين والشعور بالذنب أو العيب.
رابعًا: هناك علامات للخطر التي يجب متابعتها بدقة، ولكن بدون وسواس:
- التكرار المفرط للمس دون مناسبة.
- محاولة لمس الآخرين أو الحديث عن الأمور الجنسية بشكل غريب.
- تغير في سلوكياته.. مثل: الانعزال، العدوانية، التبول اللاإرادي لا قدر الله.
- حديث مفاجئ عن "ألعاب غير مألوفة" أو ألفاظ غير معتادة.
في هذه الحالات التي ذكرتها لك أعلاه، يُنصح باللجوء لمختص نفسي تربوي للأطفال لإجراء تقييم دقيق.
خامسًا: اجعلي التوعية الجنسية التربوية جزءًا من الحوار الأسري
وهذا ما يسمى بـ: Proactive Parenting أو "التربية الاستباقية"، أي أن نعلّم الطفل قبل أن يتعرض، لا بعد أن يصطدم بأمر ما في الواقع.
وأخيرًا، اعلمي حبيبتي أن خوفك وارتباكك دليل حبك، لكنه لا يكفي وحده؛ فقد قال تعالى: {وقِفُوهُم إنهم مسؤولون} فسوف نُسأل عن التربية، لكننا لن نُحاسب على ما لا نملك من أقدار، بل على ما قدمنا من وعي واحتواء.
* همسة أخيرة لك عزيزتي الأم:
خذي نفسًا عميقًا، وابدئي بخطوات صغيرة من التوعية، مع الدعاء، والاحتضان، وفتح قنوات الثقة بينك وبين ابنك حفظه الله وبارك لك فيه.