<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أود أن أشارككم معاناتي في تطوير شخصيتي وتعزيز ثقتي بنفسي.</p> <p>أنا شاب ١٧ عاما، في الفترة الأخيرة قرأت كتابًا عن كيفية تقوية الشخصية وبناء الثقة بالنفس، وعرفت من خلاله بعض المبادئ التي قد تساعدني في ذلك.</p> <p>رغم أنني على دراية بأهمية هذه المبادئ، إلا أنني لا أستطيع تطبيقها بالشكل الذي أريده في حياتي اليومية. أشعر أحيانًا بأنني لا أتمتع بالقوة الداخلية الكافية لاتخاذ قرارات حاسمة أو التأثير بشكل إيجابي على الآخرين.</p> <p>أفقد أحيانًا السيطرة على عواطفي في المواقف الصعبة، مثل الغضب أو القلق، ولا أستطيع السيطرة عليها بما يتناسب مع الموقف.. ما العمل؟</p>
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
ابني الكريم، بارك الله فيك وفي سعيك لتطوير نفسك، وما أروع أن يبدأ الإنسان رحلته نحو التغيير الواعي في مثل سنك؛ فهذا دليل على وعي مبكر ونفس طموحة تستحق كل التشجيع والاعتزاز.
أول ما أود أن أؤكده لك، هو أن الشعور بعدم القدرة على التطبيق الكامل للمبادئ التي قرأتها، لا يعني الفشل، بل هو جزء طبيعي من منحنى التعلُّم النفسي (Learning Curve)، وهذا ما أشار إليه علماء النفس التربوي حين تحدثوا عن الفرق بين المعرفة النظرية والمهارة التطبيقية.. فالمعرفة تُكتسب أولًا، ثم تُمارَس بالتدريج حتى تصبح جزءًا من شخصيتك.
ثقتك بنفسك، يا بني، ليست هدفًا تصل إليه فجأة، بل هي ثمرة تراكمية لصبرك، وصدق نيتك، ومواصلة التدريب على مهارات الوعي الذاتي (Self-awareness)، والتنظيم الانفعالي (Emotional Regulation)، وكذلك اتخاذ القرار.
فأنت الآن في عمر البناء، لا في عمر الحصاد، وأنت تبذر بذورًا طيبة ستثمر بإذن الله تعالى.
ذكرت أنك تفقد السيطرة على مشاعرك في بعض المواقف، كالغضب أو القلق، وهذا أمرٌ إنسانيٌ لا يدل على ضعف، بل يدل على أنك تعيش مشاعرك بصدق، وتدرك وجود خلل ترغب في إصلاحه، وهذه أولى خطوات النضج العاطفي (Emotional Maturity).
لكن ما تحتاج إليه هو ترويض تلك المشاعر لا قمعها، بأن تتعلم استراتيجيات إدارة الانفعالات، مثل:
- تمارين التنفس العميق.
- تقنيات إعادة التقييم المعرفي.
- أو حتى أسلوب التأجيل الانفعالي، بأن تؤجل رد فعلك لبرهة قصيرة تتأمل فيها أبعاد الموقف.
واعلم أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، علّمنا هذا الأسلوب حين قال: "ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
فالقوة الحقيقية يا بني، ليست في الانفعال السريع، بل في التريث والتفكر وضبط النفس، وهذا هو قمة الاتزان النفسي.
* أما عن اتخاذ القرارات الحاسمة.
فتذكّر أن القدرة على اتخاذ القرار تنمو مع التجربة، وأن التردد في بدايات الشباب أمر طبيعي؛ لأن الدماغ في مرحلتك العمرية لا يزال في طور اكتمال وظائفه التنفيذية العليا، مثل التخطيط والتنبؤ بالعواقب.
فلا تقسُ على نفسك، بل تدرّب على اتخاذ قرارات صغيرة يوميًّا، واجعلها فرصًا للتجريب والتعلُّم.
* وأنصحك بأن تعتمد الخطوات التالية بشكل منتظم:
١- المداومة على التأمل الذاتي اليومي، من خلال كتابة ما شعرت به في مواقفك اليومية، وما قررت، وما النتيجة.
٢- قراءة السِيَر، وخاصة سيرة نبينا الكريم، وسِيَر الصحابة والتابعين؛ ففيها دروس عملية في الثبات والثقة بالله والنفس.
٣- الصحبة الطيبة؛ فالمحيط يؤثر كثيرًا في بناء الشخصية؛ فاختر من يذكّرك بقيمك، ويعزز قوتك لا ضعفك.
٤- الحفاظ على الصلاة علي وقتها وقربك من الله تعالى، والمداومة على الذكر والدعاء، فذكر الله يطمئن القلب، ويدعم القوة الداخلية. قال الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.
* همسة أخيرة لابني الغالي:
أذكّرك بكلمات للإمام ابن القيم رحمه الله: "من عرف نفسه اشتغل بإصلاحها عن عيوب الناس، ومن عرف ربه اشتغل به عن هوى نفسه".
فأنت على طريق الإصلاح، فثابر، ولا تستعجل الثمار، فـالتحول النفسي يحتاج إلى صبر ومثابرة وتوكُّل على الله.
أنا فخورة بك جدًّا، وسأظل أدعو لك بالتوفيق والسداد.