أنا عنيدة وزوجي عصبي.. خطوات على طريق الحل

<p>السلام عليكم.. أنا شخصية عنيدة وأنا معترفة بذلك وأرى أن هذه ميزة لأنها صنعت مني شخصية قوية وصامدة وتستطيع تحدي أي ظروف وكل من يتعامل معي يلفت انتباهه قوة شخصيتي.</p> <p>المشكلة أن زوجي عصبي جدًّا ومع أي موقف صغير ينفعل ولا ينفعل بالتدريج لا.. هو فجأة يصل لقمة الغضب وأحيانا على أمور صغيرة، وأنا في هذه الحالة استحالة أصالحه حتى لو كان هناك سبب يستحق غضبه فأنا لا أعرف ولا أرغب بل أعاند دائما؛ لذلك فخصامنا يستمر بالشهر وتكون أجواء البيت لا تطاق.. أنا متزوجة منذ خمسة عشر عامًا حدث الطلاق فيهما مرتين..&nbsp;فهل&nbsp;هناك&nbsp;حل؟</p>

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً ومرحبًا بك -أختي الكريمة- على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.

 

لا أخفي عليك -أختي الكريمة- لقد اندهشت بعد أن قرأت رسالتك فأنت صريحة للغاية في شرح مشكلتك وفي الوقت نفسه اندهشت مرتين.. مرة لأنك تعتبرين ما هو مشكلة أو نقطة سلبية ميزة ونقطة قوة.. أما سبب اندهاشي الثاني فهو سؤالك الأخير "هل من حل؟"، فأنا لم أفهم حل لأي شيء.. حل لعصبية زوجك.. أم حل لعنادك.. أم حل حتى لا يقع الطلاق الثالث.. وسبب دهشتي الحقيقي أنه لا يوجد حل سحري يحقق ما نحلم به دون أن نتحمل أي مسؤولية أو ندفع أي ثمن أو مقابل.

 

العناد والقوة

 

أختي الكريمة، ذكرت في بداية رسالتك أنك شخصية عنيدة وذكرت أيضًا أنك ترين أن العناد صفة جيدة لأنها منحتك شخصية قوة تتمتع بالصمود.. وأنا أريد أن أناقشك في هذه القضية وأحاول معك فض هذا الاشتباك المعرفي الذي انعكس على حياتك وأحدث فيها كثيرًا من القلاقل.

 

دعيني أوضح لك المعنى اللغوي لكلمة "العناد"؛ فالعناد هو مخالفة مقصودة مع إصرار، ومنازعة ومُضادّة. يقال: عاند فلانٌ فلانًا أي خالفه وأصرّ على مخالفته.

 

ليس هذا فحسب فمن التعريفات اللغوية لكلمة العناد أيضًا هو المخالفة مع الإصرار واللَّدَد، وهو أن يعلم أن غيره على الحق ثم يعاند ويخالفه.

 

فالعناد -يا غاليتي- هو لون من ألوان الإصرار على الموقف رغم إدراك أنه موقف خاطئ.. إصرار على الموقف رغم الإدراك الكامل أن الحق يخالف هذا الموقف.. العناد هو حالة من الإصرار العنيف رغم الوعي الكامل أنه إصرار على موقف لا عقلاني.. فهل هذا ما تقصدينه وأنت تصفين نفسك بالعناد؟ ربما تقصدين أنك تصرين على مواقفك لأنك ترين نفسك على حق خاصة عندما تشعرين أن غضب زوجك غير مبرر.. وربما في قرارة نفسك ترين أنك تصرين على مواقفك مهما كانت فبعضها على حق وبعضها على باطل.

 

وأنا أريد منك -يا أختي الكريمة- أن تحاولي النظر بموضوعية لهذه الصفة وبعيدًا عن شخصيتك أو ما تتعرضين له من مشاحنات.. فهل ترينها حقًّا صفة مميزة؟

 

لقد أخطأ إبليس ورفض السجود لآدم لكنه لم يطرد من الجنة ولم تحل عليه اللعنة لذلك، وإنما جاءت هذه العقوبات ردًّا على عناده وكبره وإصراره عندما سأله رب العالمين لماذا لم تسجد {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} [الأعراف: 12]، إنه الإصرار المقيت؛ لذلك قيل إن العناد يورث الكفر، بينما أنت ترين أن العناد يورث قوة الشخصية.

 

أختي الغالية، ثمة فارق شاسع بين العناد وبين قوة الشخصية والصمود النفسي.. لقد شرحت لك معنى العناد، وهو -كما رأيت- ذو دلالات سلبية، وهو في أحسن حالاته يعبر عن مشكلة نفسية يمثل العناد فيها رد فعل دفاعيًّا.. بينما الشخصية القوية شخصية تتمتع بالمرونة الكافية لإدارة حياتها بذكاء.. الشخصية القوية تمتلك مهارة قراءة الموقف بدقة وتستطيع تحديد متى تصر على موقفها ومتى تنسحب ومتى تعود بضع خطوات للخلف.. الشخصية القوية تستمد قوتها في الأساس من قوة المواقف التي تستند عليها وما تتمتع به من حق.

 

لذلك فالشخصية القوية تتمتع بالصمود النفسي، والذي يعني الثبات والاتزان في مواجهة الشدائد والقدرة على التكيف معها والمرونة أثناء البحث عن حلول.

 

الشخصية القوية شخصية إيجابية تمتلك زمام المبادرة ولا تعيش في أجواء رد الفعل.. الشخصية القوية –غاليتي- تستطيع صناعة السعادة لنفسها ولمن حولها.

 

القوة الناعمة

 

أما أهم ما يميز شخصية المرأة القوية الناجحة أنها تستطيع تفعيل مهارات القوة الناعمة. القوة الناعمة –غاليتي- هي أن تحققي ما تهدفي إليه (الهدف يجب أن يكون شرعيًّا عقلانيًّا) دون مقاومة ورفض الطرف الآخر بل يتعاون معك هو على تحقيقه وهو أمر تستطيع فعله كثير من النساء بصورة فطرية تمامًا، مستغلين رقتهن الأنثوية والتي يظن البعض أنها ضعف ويطلقون عليها الضعف الأنثوي، وهناك مقولة شهيرة جدًّا تقول: إن قوة المرأة تكمن في ضعفها.

 

والحقيقة إنه ليس ضعفًا بل رقة وقوة ناعمة، تلك القوة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أساء الكثيرون فهم معانيه والذي رواه البخاري ومسلم: "يا مَعْشَرَ النِّساءِ، تَصَدَّقْنَ وأَكْثِرْنَ الاسْتِغْفارَ، فإنِّي رَأَيْتُكُنَّ أكْثَرَ أهْلِ النَّارِ فَقالتِ امْرَأَةٌ منهنَّ جَزْلَةٌ: وما لنا يا رَسولَ اللهِ، أكْثَرُ أهْلِ النَّارِ؟ قالَ: تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ، وتَكْفُرْنَ العَشِيرَ، وما رَأَيْتُ مِن ناقِصاتِ عَقْلٍ ودِينٍ أغْلَبَ لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، وما نُقْصانُ العَقْلِ والدِّينِ؟ قالَ: أمَّا نُقْصانُ العَقْلِ: فَشَهادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهادَةَ رَجُلٍ فَهذا نُقْصانُ العَقْلِ، وتَمْكُثُ اللَّيالِيَ ما تُصَلِّي، وتُفْطِرُ في رَمَضانَ فَهذا نُقْصانُ الدِّينِ".

 

وموطن الشاهد "أغلب لذي لب منكن".. هذه غلبة القوة الناعمة يا عزيزتي.. غلبة الرقة الأنثوية في مواجهة الرجل الحازم العاقل لا التافه الأحمق.. وهي ما أريدك أن تكتسبيه وهو أمر ممكن (ويمكنني أن أضع لك خطة تدريجية لاكتساب هذه المهارات)، لكنْ هناك شرط واحد أن تريدي ذلك بالفعل وترغبيه.. أن تتغير قناعاتك ووعيك بهذه القضية.

 

 أختي الغالية، لقد تم طلاقك مرتين بالفعل وأصبحت حياتك وبيتك على حافة الهاوية، فما يحدث معك جد خطير لا يصح التهاون به أبدًا، فلا تتركي العناد يحرق ما تبقى من سفنك.

 

وجهت رسالتي إليك، ولا يعني هذا أنني أقبل سلوك زوجك الغاضب غير القادر على السيطرة أو المراجعة.. لكن أنت من طلبت الحل؛ لذلك استفضت في شرح دورك في هذا الحل، وفي كل الأحوال لا بد أن يبدأ طرف ما في التغيير، وثقي تمامًا أن كل فعل له رد فعل حتى لو لم يكن مساويًا له.. ولو أنك أنت من بدأت بكسر دائرة العناد التي تغلف مواقفك وسلوكك فإن دائرة غضبه هو الآخر ستبدأ في التصدع.. فاستعيني بالله واستعيذي من الشيطان، وأعيدي التفكير في مسار حياتك.. رزقك الله التوفيق والسداد، وتابعيني بأخبارك.