دور الإعلام في حماية النسيج المجتمعي

<p>سؤال موجه إلى الدكتور المحترم: في ضوء ما ذكرتم في المقال السابق حول الدور الحيوي للإعلام في تشكيل الوعي الوطني وتعزيز الانتماء، نود منكم التوسع بشكل أوضح وأشمل حول هذا الموضوع، وخاصة في ظل المتغيرات المتسارعة في بنية الإعلام اليوم.</p> <p>كيف ترون اليوم دور الإعلام في توجيه الوعي الوطني؟ وهل هذا الدور يقتصر على القائم بالاتصال في وسائل الإعلام التقليدية، أم أنه أصبح من الضروري أن يشمل أيضًا الإعلام الجديد بكافة منصاته وأشكاله؟</p> <p>ثم، هل يكفي أن يمتلك القائم بالاتصال هذا الوعي، أم أن المرحلة القادمة تفرض ضرورة نشر الوعي الإعلامي لدى المتلقين أنفسهم، ليكونوا أكثر فهماً وتأثيراً بما يُعرض عليهم؟</p> <p>وفي ظل الانتشار الواسع واللامركزي لوسائل الإعلام الجديد، كيف يمكن برأيكم التعامل معها بشكل واعٍ وحذر، يتجاوز ما كان يُمارس في الإعلام التقليدي الذي كانت الدولة تمتلك أدوات السيطرة عليه؟ وهل هناك استراتيجية وطنية واضحة يمكن أن تتبناها المؤسسات السورية (الإعلامية، والتربوية، والثقافية) لبناء وعي جماهيري حقيقي، يواكب هذا التحول ويحصّن العقول من التلاعب والتزييف، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها سوريا اليوم؟</p> <p>نرجو منكم &ndash; كأحد المتخصصين في هذا المجال &ndash; تقديم تصور واضح أو حتى خطوات عملية، يمكن أن تُعتمد كمرجعية في بناء خطاب إعلامي مسؤول، قادر على حماية النسيج المجتمعي وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته. ولكم منا خالص الشكر والتقدير<span dir="LTR">.</span></p>

أهلاً ومرحبًا بك أخي الفاضل على موقع استشارت المجتمع، وبعد:

 

فسؤالك يدل على فهم واسع وعميق لدور الإعلام في العصر الجديث؛ فالإعلام يشكل وعي الأمم وحاضرها ومستقبلها، ووسيلة مهمة للتغيير، وهي من الأدوات الناعمة التي يستخدمها أعداؤنا في دخول بلادنا وأخذ مكتسبات كثيرة بلا جيوش ومعارك كما كان يحدث قديما.

 

كما أن الإعلام -كما ذكرت في سؤالك- أداة فعالة تحافظ على النسيج المجتمعي وتعزيز الثقة بين المواطن ومؤسساته، بشرط أن يكون القائم عليه له أهدافه وبرامج تعمل على ذلك؛ فالقائمون على الإعلام لا بد أن يكن لهم أهداف وتختلف هذه الأهداف حسب الغايات والمقاصد.

 

وأخيرًا أخي الفاضل إليك تصورًا عمليًّا مختصرًا في نقاط تنفيذية قابلة للتطبيق، يمكن اعتمادها كمرجعية لتطوير خطاب إعلامي وطني مسؤول:

 

تصور تنفيذي لبناء وعي إعلامي وطني:

 

أولًا: على المستوى الإعلامي:

 

1. إطلاق وحدة وطنية لرصد المحتوى الإعلامي الرقمي وتحليل خطورته، واقتراح آليات مواجهة فعالة.

 

2. إنتاج محتوى وطني جذاب (فيديوهات قصيرة، بودكاست، إنفوغرافيك) بلغة شبابية قريبة من المتلقي.

 

3. تدريب الإعلاميين والصحفيين على التغطية المهنية في البيئات المعقدة والأزمات، مع تعزيز مهارات السرد القصصي المؤثر.

 

4. تخصيص برامج إعلامية دورية لتفكيك الشائعات وتحليل الدعاية المضادة بشكل شفاف وواقعي.

 

ثانيًا: على المستوى التربوي والتعليمي

 

1. إدماج “التربية الإعلامية” في المناهج المدرسية والجامعية، عبر دروس في التفكير النقدي والتحقق من المعلومات.

 

2. إقامة نوادٍ إعلامية في المدارس والجامعات، تُدرّب الطلبة على إنتاج محتوى مسؤول.

 

3. تدريب الكادر التربوي على أدوات تحليل المحتوى الرقمي وتوجيه الطلاب للتعامل الواعي مع المنصات.

 

ثالثًا: على المستوى الثقافي والمجتمعي:

 

1. تنظيم حملات توعية وطنية شاملة بعنوان: “اعرف قبل أن تشارك”، بالتعاون مع المساجد، الجمعيات، المراكز الثقافية.

 

2. توظيف الشخصيات المؤثرة محليًا (الممثل، الشاعر، الرياضي، الناشط) في حملات التوعية الإعلامية.

 

3. إنتاج دراما وطنية هادفة تُعالج مفاهيم الانتماء، والإشاعات  والتضليل الإعلامي، والتنوع الثقافي.

 

رابعًا: على المستوى التشريعي والسياسي

 

1. سنّ قوانين خاصة بالتعامل مع الإعلام الرقمي تحفظ حرية التعبير وتحاسب التضليل المتعمد.

 

2. دعم منصات وطنية رقمية مستقلة تُموّل حكوميًا لكنها تُدار بمهنية عالية.

 

3. إنشاء مجلس وطني مشترك من الإعلاميين والمربين والحقوقيين لصياغة سياسات إعلامية موحّدة.

 

خامسًا: رسائل مفتاحية للخطاب الإعلامي الجديد:

 

المواطن شريك في بناء الوعي وليس متلقيًا فقط.

 

الانتماء لا يُفرض، بل يُبنى بالحوار والصدق والاحترام.

 

الإعلام القوي لا يحجب الخطأ، بل يكشفه ليُصحّحه.

 

لا وطن بلا رأي، ولا رأي بلا وعي، ولا وعي بلا إعلام مسؤول.

 

وختامًا، أسأل الله أن يرشد القائمين على الإعلام لبناء قيم تتناسب مع تعاليم ديننا، وتحافظ على النسيج المجتمعي، وأن تجعل الإخلاق الحسنة والكريمة محورًا أساسيًّا في كل ما يقدم من محتوى إعلامي.