<p>أنا فتاة عمري ٢٤ سنة مخطوبة من حوالي ٦ شهور لجار لنا وهو شاب أكثر من رائع، وممكن نقول إنه كان بيننا قصة حب صامتة دون أي تجاوزات.</p> <p>مشكلتي مرتبطة بأهله الذين لا يحبونني، حتى إنني علمت أنهم رفضوا أن يتقدموا لخطبتي حتى خطبت ابنتهم (أخت خطيبي) أولا.. لا يتصلون بي وأنا حريصة على الاتصال والتواصل معهم ويتحدثون معي برسمية سواء أمه أو أخته.. ويتشاجرون مع خطيبي لو أحضر لي هدية فكيف يهاديني بينما خطيب ابنتهم لم يفعل ويتهمونه بالسذاجة والانقياد لي.</p> <p>وآخر المشاكل أنهم يريدون أخذ ما معه من مال (على سبيل القرض) حتى ينتهوا من تجهيز أخته حتى تتزوج هي بينما يطلب من والدي التأجيل حتى يستطيعوا جمع المال مرة أخرى دون تحديد وقت محدد لذلك.</p> <p>والدتي تنصحني بتركه وتقول لي إنني سأعيش في مشكلات، خاصة أن شقته في بيت والده (لكنني سأعيش بصورة مستقلة).. أريد النصيحة فأنا أحبه ولا أريد تركه، لكنني خائفة بالفعل<span dir="LTR">.</span></p>
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع.. قرأت رسالتك يا ابنتي أكثر من مرة وتبدو لي مشكلتك متكررة للأسف الشديد، وسياسة الكيل بمكيالين هذه شائعة في كثير من الأسر، فيتم الاهتمام بزواج البنات بينما يتم الضغط على الشباب وبالتبعية زوجاتهم المستقبليات، فلا يتم التعامل مع الكنة كالابنة ولا يحبون لها ما يحبون لابنتهم.
ربما تبدو هذه القضية حادة بعض الشيء في مشكلتك، ولست أدري حقيقة من أين عرفت واستقيت كثيرًا من المعلومات والتفاصيل، فإن كان خطيبك هو من يمدك بها فهذا يحمل علامة استفهام واضحة عن طبيعة الدور الذي يلعبه في التقريب أو التنفير بينكم.. وإن كان يحكي لك على سبيل الفضفضة والشكوى فهو أيضًا ليس الوضع الأمثل لأن هذا الوضع سيظل قائمًا في المستقبل.. أريدك أن تضعي هذه النقطة في ذهنك وأنت تقيمين الوضع برمته.
تغيير الواقع
ابنتي الغالية، أنت لم تذكري لي المنطقة التي تعيشين فيها، ولكن يبدو لي من خلال كلامك ومن خلال الاتفاق على سكنك في بيت عائلة زوجك أن هذا النمط من العلاقات شائع في ثقافة المكان الذي تعيشين فيه، فإن كنت تنتظرين أن تجدي عائلة تعاملك كابنة لهم فغالبًا ستنتظرين طويلا وقد تجدين في النهاية عائلة هكذا، ولكن من يدريك أنك ستتفقين وقتها مع ابنهم أو زوجك المستقبلي؟
ابنتي الحبيبة، ما أقصده أن ما تشكين منه هو مما عمت به البلوى في بعض المجتمعات، والفارق يكون فقط مجرد فارق نسبي في درجة التفاوت في المعاملة، هذا هو الواقع الذي عليك أن تتعاملي معه، ولا يعني هذا أنه واقع غير قابل للتغيير؛ فالتجارب الإنسانية أثبتت أن المعاملة الحسنة تؤتي بثمارها ولو بعد حين.
ترى عائلة زوجك أن الابنة هي الحلقة الضعيفة في العائلة وهي التي بحاجة للدعم، فبقاء الابنة دون زواج يمثل شوكة في خصر العائلة فلا يطمئنون حتى تتزوج الابنة، وهناك لفظ شهير يستخدم للتعبير عن هذه الحالة ألا وهو "الستر"، وهو تعبير تستخدمه العائلات حصريًّا مع الفتيات، أعني فتياتهن تحديدًا.
بينما يرون أن الأبناء الذكور لديهم مساحات واسعة من الحركة.. فالشاب هو من يتقدم لخطبة الفتاة وبالتالي لديه العديد من الخيارات لأنه هو صاحب المبادرة.. والشاب لا يطارده شبح العنوسة والتأخر في الزواج إلا بصورة تكاد تكون نادرة.
وفي العقل الجمعي في بعض البيئات أنهم يتفضلون على الفتاة وأسرتها بمنحها زوجًا يمنحها سترًا؛ فعلى أسرة هذه الفتاة والفتاة نفسها بالفعل الصبر والتحمل.. بينما تتفضل عائلة أخرى بمنح ابنتهم زوجًا يمنحها سترًا؛ لذلك فعليهم أن يمتنوا لهذا الرجل ويحسنوا تجهيز ابنتهم في أسرع وقت ممكن.. ربما هذا الكلام لا يقال بهذه الصراحة والوضوح لكنه لسان الواقع الذي يصعب تغييره، فهو بحاجة لجهد يتجاوز الجهد الفردي بكثير.
الذي يمكن عمله في هذه الحالة هو التكيف مع هذا الواقع ومحاولة إصلاحه جزئيًّا.
رمانة الميزان
الرجل أو الزوج هو رمانة الميزان في هذه العلاقات المتداخلة، فعلى عاتقه يقع بر عائلته، وعلى عاتقه يقع تحقيق العدالة لزوجته؛ لذلك سألتك في بداية الإجابة عن الشخص الذي نقل لك هذه التفاصيل لأن الرجل كثير الشكوى الذي ينقل تفاصيل ما يحدث داخل عائلته قد يقوم بالدور العكسي أيضا فيشكو من زوجته وينقل تفاصيل ما يحدث بينهما للخارج.. أنا لا أريد الحكم على خطيبك، أنا فقط ألفت انتباهك لبعض النقاط العمياء التي قد لا ترينها.. وعلى عاتقك يقع الحكم على هذا الرجل إن كان يحب الشكوى أم أنه تحدث إليك بشكل عفوي.
المسألة أكبر من تأجيل الزواج أو منحهم المال على سبيل القرض.. المسألة هي هل يستطيع خطيبك أن يكون رمانة الميزان؟ هل يستطيع تحقيق العدل؟ هل سيكفل لك حياة مستقلة كريمة؟
بالتأكيد سوف أوصيك بالصبر والتغافل والمعاملة بالتي أحسن ومحاولة أن تكوني قريبة دافئة منهم.. لكن هذا كله سيصبح بلا جدوى إن لم يكن زوجك المستقبلي ذا شخصية قوية قادرة على بر والديه دون أن يظلمك أنت أو ينتقص من حقك.
في ضوء هذا يمكن النظر للمشكلة الأخيرة التي حدثت بينكم.. فهل كان ثمة موعد محدد تعهد خطيبك بإتمام الزواج فيه؟ لأنه ينبغي أن يلتزم بكلمته معكم؛ فالرجل كلمة كما يقال.. حتى إن أراد التأجيل فيكون ذلك باستئذان عائلتك ويكون تأجيلاً معقول المدة، والأهم يكون محدد المدة لا أن تترك المسألة مفتوحة لحين ميسرة.. فإن كانت ابنتهم غالية فأنت كذلك غالية لا ينبغي التعامل معك باستهانة.
نعم أنا مع المرونة والتكيف والسهولة واليسر في العلاقات، لكن من المهم جدًّا أن يكون ذلك في إطار لا يقلل منك أو يضعك في درجة متدنية.
هذه المشكلة الأخيرة هو المسئول عن حلها، وليس مطلوبًا منك أن تتبرعي بتقديم حلول حتى لا يعتاد هذا ويكون حقًّا مكتسبًا.. يلقي عليك بالمشكلات ويترك عليك مسئولية الحل.
ابنتي الغالية، اعتبري المشكلة الأخيرة بمثابة اختبار لخطيبك ومدى قدرته أن يكون رمانة ميزان.. أريدك أن تكوني موضوعية وتنحي مشاعرك جانبًا وتتأملي وتقيمي منهجه في التعامل مع هذه المشكلة وكيف سيسدد ويقارب ويرضي أهله ولا يضحي بك.
ابنتي الغالية، ما سأقوله لك صعب ولكنه ضروري فحاولي أن تفكري فيه أكثر من مرة:
يا ابنتي، العواطف تشوش عمل العقل، وفترة الخطبة هي فترة ذهبية لمعرفة شخصية الخاطب ودراسة نقاط قوته وضعفه، لكن إذا كانت هذه الدراسة تمر عبر مرآة الحب والعاطفة فسوف تنتج صورة مشوشة أو على وجه الدقة ملونة بألوان الحب المبهجة مغموسة بهرمونات السعادة المؤقتة.. حتى إذا مر بعض الوقت واستقرت العلاقة وتراجعت الهرمونات بدأت تتكشف العيوب في مرآة الواقع، ونكتشف وقتها أننا أهدرنا فرصة ذهبية للمعرفة، هل تفهمينني؟
بالتأكيد أنا لا أزرع الخوف في قلبك، وأنا بدأت حديثي معك أن الواقع لا بد أن نتكيف معه.. لكننا لن نستطيع التكيف معه ونحن لا نراه على حقيقته.
بقيت نقطة أخيرة.. إذا نجح خطيبك في الاختبار الذي يعيشه الآن مع أسرته، فأريدك أن تتعاملي معهم بالفضل، بمعنى أن تقومي بأداء واجبك وما يليق بك من الصلة ولا تنتظري مقابل عادل لذلك.. اعتبري نفسك بصدد بناء شاهق وأنت الآن تلقين الأساسات.. تبذلين جهدًا كبيرًا ولا تبدو أي ثمرة كما البناء الذي لا يرتفع ولو مترًا واحدًا، لكن في مرحلة ما ستكتشفين أن ما كنت تقومين به أذاب الجليد وحرك العواطف وأصبحت العلاقات أكثر قربًا ويسرًا.. تمامًا كما يسهل البناء بعد رمي الأساس.
حتى لو لم يتجاوبوا معك مستقبلا فيكفيك أنك تزوجت رجلاً يسعد قلبك ويستطيع إدارة حياتكما.. وسلوكك الطيب هو ما يعبر عن هويتك وليس رد فعل لسلوك الآخرين، وثقي أن الله سبحانه وتعالى يجازي على الإحسان إحسانًا.
إذن –غاليتي- خلاصة ما أدعوك إليه أن تدرسي موقف خطيبك في التعامل مع هذه الأزمة وتعتبري ذلك بمثابة اختبار، إن نجح فيه فلا تنشغلي بمشاعر أسرته وفتورهم تجاهك وتعاملي أنت معهم بالحسنى.. أسعد الله قلبك وأنار بصيرتك، وتابعيني بأخبارك.