الحكمة من جعل الحج مرة واحدة في العمر

<p>ما الحكمة من جعل الحج مرة واحدة في العمر، وهو يختلف عن باقي الأركان الصلاة عبادة متكررة يوميا، والزكاة سنويا، والصيام سنويا، لماذا انفرد الحج بهذه الخصوصية مرة واحدة في العمر ؟</p>

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه أجمعين، وبعد:

 

فالأصل في العبادات التعبد دون الالتفات إلى المعاني، وفي العاديات الالتفات إلى الأسرار والحكم والمقاصد، ولكن لا يمنع ذلك من اجتهاد العلماء حول الحكمة من جعل الحج مرة واحدة في العمر خاصة، وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بها عندما قال لهم : "أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا". قال قائل: أفي كل عام يا رسول الله؟، وسكت، وأعاد السؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال عليه الصلاة والسلام: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم"، وقد نطق بها القرآن الكريم حيث قال: ﴿... وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).

 

فالحكمة هنا من عدم فرضية الحج كل عام عدم الاستطاعة، وتضاف إليها حكم كثيرة في وقتنا الحاضرة منها ضيق المكان الذي تؤدى فيه شعائر الحج، فلا يمكن لهذا المكان ولا لغيره أن يتسع لما يقرب من ملياري مسلم حتى لو جاء نصفهم أو عشرهم للحج إذا استثني الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم.

 

يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي – رحمه الله- :

 

الحج عبادة متميزة لأنها عبادة بدنية ومالية، الصلاة والصيام عبادتان بدنيتان والزكاة عبادة مالية، الحج عبادة تجمع بين البدنية والمالية، أن الإنسان يبذل فيها جهدًا ببدنه، ويبذل فيها ماله لأنه يسافر ويرحل فيحتاج لنفقات، لذلك نرى الحج هو الفريضة التي ذكر الله فيها من استطاع إليه سبيلا: ﴿... وَللهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾ (آل عمران: 97).

 

والنبي صلى الله عليه وسلم حينما ذكر أركان الإسلام الخمسة ذكر "وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا"؛ لأن كل إنسان قادر على أن يصلي أو يصوم، إنما ليس كل إنسان قادرًا على أن يذهب إلى الأرض المقدسة، لذلك من رحمة الله سبحانه وتعالى أن جعله مرة واحدة في العمر. لأن الله سبحانه لا يريد أن يكلف عباده شططًا، ولا أن يرهقهم من أمرهم عسرًا، يريد الله بهم اليسر ولا يريد بهم العسر وما جعل عليهم في الدين من حرج، فالتكليف في الإسلام بحسب الوسع: ﴿لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ﴾ (البقرة: 286).

 

ولذلك عندما قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" قال قائل: أفي كل عام يا رسول الله؟، وسكت، وأعاد السؤال، والنبي صلى الله عليه وسلم يسكت، حتى قال عليه الصلاة والسلام: "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". فلا يستطيع الإنسان أن يؤدي الحج في كل عام، فأراده الله سبحانه مرة في العمر، فهذا تخفيف من ربنا ورحمة منه عز وجل.

 

ولم يكلف إلا كل من استطاع إليه سبيلا، ومعنى استطاعة السبيل كما جاء في بعض الأحاديث التي يقوي بعضها بعضًا، أن يملك الزاد والراحلة، زاد الطريق والراحلة التي يركبها، بلغة عصرنا يملك نفقات السفر للبيت الحرام ونفقات الإقامة هناك على ما يليق بحاله، فواحد يمكنه أن يركب الحافلة (باص) وآخر يتعبه الباص ويحتاج لسيارة خاصة، وثالث تناسبه الطائرة، على ما يليق بحاله، كذلك في الإقامة في مكة لأنها مستويات، فمن يملك الزاد والراحلة، طبعا من الشروط الأخرى، مثل صحة البدن وألا يكون هناك حائل معين، أن يكون الطريق آمنا.

 

 هذه الأيام فيه شرط جديد وهو أن يخرج إلى الحج بالقرعة وذلك مطبق في معظم البلدان؛ لأنه الآن لا يسمح فيها إلا بعدد معين لكل بلد، لأن الحج فيه زحمة شديدة جدًّا، ولو فتح الباب على مصراعيه لتوافد الملايين، ولمات الناس في الزحام تحت الأقدام، فخصصوا لكل بلد نسبة معينة، وطبعا الناس الذين يطلبون الحج عددهم أكبر من الذين يسمح لهم، فلا بد من عمل القرعة، فنقول له إن من الشروط أن يصيب القرعة. وأكثرية الحجاج من المملكة لأن الطريق مفتوح أمامهم فالأغلبية تكون من الداخل، فلو أمكن تحديد هؤلاء ليفسح المجال لغيرهم يكون شيئًا طيبًا.

 

والله تعالى أعلى وأعلم