<p>أنا طبيبة صيدلانية من أصول ريفية.. حياتي كلها كانت الدراسة والتفوق فيها محورها.. أنا شخصية جادة جدا ومتدينة بفضل الله وأحفظ كتاب الله كاملا.. طيلة حياتي لم أضع زينة على وجهي لا في الخارج ولا في البيت.. جميع إخوتي ذكور.. ولا يعني هذا إنني لا امتلك احلام الفتيات فأنا اهفو لتكوين أسرة وأن أكون أما ولكن مر أكثر من ٤ سنوات منذ تخرجي لم يأت لي فيها خاطبا إلا قلة بهم عيوب جوهرية..</p> <p>هذه الأيام تقدم لي مهندس برمجيات ناجح في عمله وظروفه كلها مناسبة لي وانا ارتحت له وهو كذلك.. لكن ما يؤرق على حياتي ويجعلني أميل للرفض إن والدته امرأة شديدة الجمال والاناقه رغم إنها في نهاية الاربعينيات وهي لا ترتدي حجابا شرعيا وتضع زينة كثيفة على وجهها ومعظم حديثها عن أنواع الكريمات والعطور وأشعر أنها غير معجبة بي واني خيبت أملها في عروس ابنها ولست أدري لماذا لا ينهاها أحد عن طريقة لبسها المستفزة..</p> <p> المشكلة التي لم أبح بها لأحد إنني خائفة من اكون غير كافية له بعد الزواج فهو ربما يظن أنني اجيد اللبس والزينة كأمه ولكن ما يمنعني هو الحجاب وانا لا امتلك الحد الأدنى من المهارات ولا احب هذه الأشياء بالإضافة أنني أعاني من زيادة في الوزن وأشعر أن جسدي غير متناسق فهل ارفضه من أجل هذه المخاوف؟ ولكنني أخشى من شبح العنوسة فهل من نصيحة؟</p>
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات، وخيرًا فعلت بالاستشارة وخيرًا فعلت بالإفصاح عن مخاوفك الدفينة التي تجعلك تتوجسين من هذه الزيجة.. لكن قبل أن نخوض في كل هذه التفاصيل أريد أن أسجل إعجابي بخلقك والتزامك وحفظك لكتاب الله في زمن كثرت فيه الفتن وأصابت العديد من الفتيات، وإن شاء الله تعالى يكون حفظك لكتاب الله واهتداؤك بهديه سببًا في سعادتك في الدنيا قبل الآخرة.
حماتك المستقبلية
ما يشغلني في هذه الإجابة هو أنت يا ابنتي.. أنت بأحلامك واحتياجاتك.. وأنت بمخاوفك وما يشغلك ويقلقك.. ومن هذا المنطلق أريد أن أعلق على والدة هذا الخاطب التي ربما تكون حماتك المستقبلية.
في الحقيقة لا يوجد لدي معلومات كافية تجعلني أُجزم بطبيعة العلاقة بينها وبين ابنها أو زوجها وهل تم نهيها عن طريقتها في التبرج أم لا.. لكن المؤكد أن ابنها عندما سعى للزواج فهو لم يسع للزواج ممن تشبه أمه بل اختار فتاة ملتزمة محجبة متدينة، وهذا يدل على أنه لا يروقه ما تقوم به أمه، ولكنك تعلمين أن للأم مكانة عالية وأن نهيها عن المنكر له تفاصيل صغيرة حساسة، بالتأكيد أنت لن تدركيها في جلسة أو جلستين.
أيضا لا أريد أن أظلم هذه السيدة أو أن نحكم عليها بناء على مظهرها الخارجي فقط، فأنت لم تقتربي منها أو تعرفيها وهي لم تقابلك بوجه بلاستيكي جامد بل فتحت قلبها وتحدثت عما تهتم به، أما شعورك أنت الشخصي أنها تشعر بخيبة الأمل في عروس ابنها فقد يكون ناتجًا لرؤيتك أنت للأمور ومخاوفك الخاصة.. وقد تكون رسالة ابنها لها قد وصلت وهذا ما جعلها تشعر بشيء من الإحباط.. وهناك احتمال أيضا لا نستبعده ولا نستطيع الجزم به أنها فعلا لم تسعد بك لشعورها أنكما مختلفتان، ولعلها فعلا كانت تتمنى كنة تشبهها وهذا أمر طبيعي ومفهوم ولا يعني أنها ستأخذ منك موقفًا أو ستسيء إليك.
وقد تكون في الظاهر تشبهك وتتعامل معك بإساءة وللأسف هذا يحدث كثيرًا.. إلا أنني أتفق معك أنها لو كانت تشبهك لكان أفضل.. إلا أن هذا ليس مبررًا بالتأكيد لرفض الخاطب.. قد تكون نقطة تضيف أو تقلل إلا أن يكون هذا هو السبب الرئيس للرفض (خاصة أنك تشعرين بالارتياح إليه هو شخصيًّا) فذلك يمثل تشوشًا في الرؤية.
مواجهة المخاوف
مشكلتك الحقيقية -يا فتاتي- هي مخاوفك أنك لن تكوني كافية كأنثى وأن خلف مظهرك الجاد لا توجد أنثي رقيقة تجيد الدلال والزينة.. أنت تلقيت تربية تشبه تربية إخوتك الذكور وكل ما كان يشغلك هو التعليم والدراسة والتفوق العلمي وبعد ذلك حفظ القرآن الكريم، ويبدو لي أنك رغم تدينك لم تتدبري كثيرًا من آيات القرآن الكريم خاصة ما يتعلق بالمرأة والزواج والأسرة.. نعم أنت لديك مشاعر إيجابية نحو الزواج وتشتاقين للأمومة، ولكنْ هناك خلل في فهم بعض الأمور.. دعيني أوضحها لك.
الله سبحانه وتعالى يقول في سورة الزخرف عن الإناث {أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} فالفتاة تنشأ (الكلمة مشددة دلالة على المبالغة) في الحلية أي الزينة بكل صورها المباحة.. هذه طبيعتها الفطرية وهذه الطريقة التي يجب أن تنشأ وتُربّى عليها حب الزينة والجمال وحب التزين والأناقة والرغبة في كل ما يعزز الأنوثة (بالطبع يتم هذا في المجال الخاص).
وكان النبي صلى عليه وسلم يؤكد على هذا المعنى الوثيق الذي يربط الفتاة والأنثى بالزينة، فكان من ذلك قوله (لو كان أسامة جارية لحليته وكسوته حتى أنفقه)؛ فالأنثى لا بد أن تهتم بالزينة والملابس والأناقة، هذا ما يقوله الدين بشكل واضح وصريح.
غاليتي، أنت لم تنشئي على حب الزينة ربما بسبب إخوتك الذكور واهتمام عائلتك بالتعليم فقط، وأنت تكاسلت أو ربما كان لديك مخاوف عميقة أثرت على ثقتك في جمالك وأنوثتك فاستخدمتِ حيلة دفاعية نفسية شهيرة هي "الاستعلاء"، استعليت على الزينة وما تهتم به الأنثى العادية بالتفوق والنجاح حتى اصطدمت مع هذا النموذج الأنثوي؛ فالمرأة التي تقترب من الخمسين شديدة الجمال كثيرة الاعتناء بنفسها فحدث لك ما يشبه الصدمة، فالرجل الذي ترتاحين له قد يكون سقف توقعاته منك عاليًا، ولعلك كنت تتصورين أن تتزوجي رجلا متدينا متفوقا لا يهتم بشيء أكثر من عمله ويتزوج ليؤسس أسرة ويربي أبناء ولن يهتم كثيرًا بجمالك ورشاقتك، فكل ما يشغله أن يكون بيته نظيفًا وطعامه جاهزًا وأبناؤه متفوقين، ولعلك كنت تظنين أن والدك يعد نموذجًا يمثل كل الرجال وهذا بالطبع غير صحيح.
خطوات للحل
معرفة الإنسان لنقاط ضعفه يوفر عليه عناء نصف الرحلة.. لكن معرفة نقاط الضعف وحدها لا تكفي فلا بد من العمل على إصلاحها.. غاليتي، لا يمكن أن نغمض أعيننا ونتجاهل المشكلة ونتعامل كما لو كانت غير موجودة.. والحمد لله رب العالمين نقاط ضعفك يمكنك بسهولة تداركها فقط لو أدركت أهمية العمل على ذلك ووضعت العمل عليه في مركز وعيك وانتباهك وقاومت مخاوفك.
ابنتي الحبيبة، ابدئي فورا بشكل عملي وخطوات صغيرة ثابتة ومتدرجة.. لا تحبين زينة الوجه لكن اهتمي ببشرتك وحيويتها وأنت طبيبة صيدلانية، ولديك كثير من المعلومات، ابدئي في وضع روتين بسيط وفعال.. يمكنك بعدها وضع الزينة البسيطة التي تشبه الشكل الطبيعي.. كوني جريئة وخوضي التجربة...
أريدك حبيبتي أن تصادقي المرآة انظري لنفسك وابتسمي.. جربي مرة وضع زينة لعينيك.. مرة لشفتيك.. صدقيني ستندهشين من نتائج هذه الأمور البسيطة، ويمكنك أن تطلبي دعم صالون تجميل نسائي راق وقتها ستدخلين عالمًا سحريًّا سيجذب انتباهك.. لكن إذا كنت نفسيًّا غير متقبلة للفكرة فلا تضغطي على نفسك والشبكة العنكبوتية مليئة بالأفكار والوصفات فقط أريدك ألا تكتفي بالمشاهدة.. ابنتي هذا ليس وقتا ضائعًا أو تافهًا بإمكانك احتساب هذا الوقت لأنك تنفذين سنة نبوية وتتشبهين بالصحابيات..
أريدك أن تستمتعي بهذه الخطوة لنفسك قبل أن تطلبي بها إعجاب زوجك وحتى إعجاب زوجك وإعفافه عن الفتن نية أخرى تؤجرين عليها.
ابنتي أمام المرآة انظري لجسدك جيدا وابتسمي.. أريدك أن تحبي هذا الجسد وتتقبليه وتشعري بجماله، حتى إن كان به بعض العيوب، وثقي أنه لا توجد أنثى كاملة.. لكن هناك من تستطيع العمل على إبراز جمالها وإخفاء عيوبها أو معالجتها.. فتاة في مثل عمرك لماذا لا تمارس الرياضة؟ لماذا لا تأكل طعامًا صحيًّا؟ لماذا تتركين جسدك ضحية لوزن زائد (وزن زائد حقيقي) فنموذج "الأنثى باربي" نموذج غير واقعي ويصب جميع الإناث في قالب واحد من صنع الحضارة الغربية، وهو نموذج غير واقعي ومحبط.
كل المطلوب منك أن تكوني أفضل نموذج من جسدك أنت الذي خلقه الله فأحسن خلقه، ثقي من ذلك وتعاملي مع الجميع من هذا المنطلق، ولا تجعلي مخاوفك تحاصرك وتهدر فرصك في السعادة.. رزقك الله الخير كله وتابعيني بأخبارك.