<p>أنا زوجي خانني منذ حوالي ثلاث سنوات وأنا متأكدة من ذلك واعترف لي بذنبه وبكى وترجاني أن أبقى معه وأنه سوف يتغير وفعلا هو تغير جدًّا بعد هذه الواقعة ويحاول بكل الطرق أن يسترضيني وأن يكون ملتزمًا دينيًّا وخلقيًّا.</p> <p>لكنني لم أنس ما حدث منه وكثيرًا ما أقول لنفسي إني لو كنت أنا الخائنة فهل كنت سأحظى بفرصة ثانية مهما ندمت وأصلحت أم أنه كان سيطلقني ويرميني إن لم يشهر بي ويفضحني، وهذا التفكير يورثني المرارة ويجعلني غير متقبلة لكل محاولاته للإصلاح، وأشعر أنه لا يمكن أن تعود ثقتي به مرة أخرى.. فما رأيكم؟</p>
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على البوابة الإلكترونية للاستشارات الخاصة بمجلة المجتمع، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا سببًا في راحة قلبك واستقرار نفسك.
في البداية أريد أن أقول لك إنه خيرًا فعلت بالكتابة والبوح والفضفضة عما تعانين منه فهو الخطوة الأولى للتخلص من كل هذه الهواجس والوساوس التي تفكرين بها.
لقد ارتكب زوجك ذنبًا كبيرًا ولم أفهم على وجه الدقة إلى أي حد قد تمادى في ذنبه، فمفهوم الخيانة واسع فضفاض، لكن دعيني أعتبر الأسوأ وأنه قد وقع بالفعل في جريمة الزنا التي هي كبيرة من أكبر الكبائر {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا}، فجعله الله في المرتبة الثالثة بعد الشرك بالله وقتل النفس البريئة.
لذلك حرّم كل الطرق التي تؤدي إلى الزنا، مثل النظرة التي هي سهم من سهام إبليس والكلام الذي به خضوع ونحو ذلك {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا}؛ فالزنا محرم وكل ما يؤدي إليه محرم كذلك، وهي جريمة حقيقية لا يمكن التهوين منها، ومن يقترف هذه الجريمة فهو مذنب في حق الله تعالى أولا وخائن لنفسه ثانيًا قبل أن يكون قد خانك أنت شخصيًّا.
وهذا الذنب على عظمه وضخامته إلا أن التوبة تمحو أثره فلا كبيرة تبقى مع الاستغفار والتوبة {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}؛ فالجريمة في الأساس متعلقة بعلاقته بالله تعالى فهو خان الأمانة وخان نفسه قبل أن يخونك أنت، وأرجو أن تكون توبته لله تعالى ثم من أجل ضميره الخلقي قبل أن يكون بهدف استرضائك، وأنت قلت أنه أصبح ملتزمًا خلقيًّا ودينيًّا وهذا مؤشر جيد جدًّا.
بناء الثقة
لا شك أن الثقة أساس مهم من أسس الحياة الزوجية المستقرة، وحياة زوجية تغيب عنها الثقة تبدو حياة موحشة مؤلمة، وأنت ومنذ خيانة زوجك وقد انفرط عقد الثقة بينكما وقد عجزت أنت عن جمع حباته فأنت لا زلت تتشككين فيه...
وفي الحقيقة أنا أعتقد أن عقلك اللاواعي يعاقبه بهذه الطريقة فأنت لا ترغبين في الثقة فيه.. ترفضين أن تمنحيه ثقتك مرة أخرى.. تقاومين ما تلمسين فيه من تغير وصلاح.. أنت رافضة ولست غير قادرة وسبب رفضك واضح وهو السؤال الذي طرحته في استشارتك: "هل لو كنت أنا مكانه هل كان من الممكن أن يمنحني فرصة أخرى؟ بل هل كان من الممكن حتى أن يمنحني نصف فرصة؟ حتى لو كان ذنبي نصف ذنبه هل كان من الممكن أن يسمعني أصلا؟".
وهو سؤال عادل من الناحية النظرية، لكنه سؤال سوفسطائي من الناحية العملية؛ فالعقل الجمعي والنفسية الذكورية المختلفة تمامًا عن النفسية الأنثوية لها قوانين خاصة لا علاقة لها بالتشريع، ولكن لها علاقة وثيقة بالطبيعة النفسية للذكر والأنثى.
سؤال المنفعة
هناك سؤال أكثر أهمية من السؤال النظري العادل السوفسطائي ومن السؤال العملي المرتبط بالطبيعة النفسية ألا وهو سؤال المنفعة والجدوى، وهو في رأيي السؤال الأكثر أهمية والذي ينبغي أن تسأليه لنفسك.. هل أنت تعاقبينه وحده بسؤالك النظري؟ ألا تعاقبين نفسك أيضًا؟ عندما تجلدينه بنظرات الشك ألا تجلدين قلبك أيضا؟ ألا تخشين من أن كثرة الشك والإحباط قد يكونان الشَرك الذي يوقعه في الخيانة مرة أخرى؟ أم هذا ما تنتظرينه تمامًا؟ ولكن لماذا؟ هل لو تطلقت هل هذا يصب في مصلحتك؟ هل أنت على ثقة أنك تتزوجين بعدها رجلاً يرعاك ويهتم بك وحدك ولا يخونك؟ وماذا عن أطفالك؟
أريد أن أقول لك في خاتمة كلامي أختي الغالية: إنه لا توجد ضمانات في هذه الحياة ولا بد من مساحة الخسائر وبيدنا وحدنا أن نقلل هذه الخسائر أو نعظمها.. أنت وزوجك كمن وقع في الطريق وأمامه خياران أن يقوم وينفض ثيابه من الأتربة ثم يكمل طريقه ولا يلتفت حتى لو شعر ببعض الألم من أثر الوقعة أو يظل جالسًا في الأرض يبكي ويندب حظه العاثر ويتجمع الناس مشفقين حوله فاختاري لنفسك..
أسأل الله لك قلبًا يعفو ويغفر ويتسامح ويتغافل.. أسعد الله حياتك وجنّبك شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.