ثباتٌ في وجه الفتنة.. كيف يحصّن الشاب نفسه في بيئة الاختلاط؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا طالب جامعي، وشاب في سن الشباب، وللأسف بسبب الاختلاط في الجامعة، تتقرب إليّ بعض الفتيات ويحاولن الحديث معي، وأخذ كلمات طيبة ومشاعر رقيقة. وأنا في الحقيقة أخشى على نفسـي وأريد أن أتعلم دون أن أقع في المحظور أو أن أرتكب الحرام. فكيف أتعامل مع هذه البيئة الجامعية من منطلق دعوي يحفظ على ديني وقلبي؟</p>

السائل الكريم، زادك الله حرصًا وتقى، وإنّ سؤالك يعكس قلبًا حيًّا يخشى الله، ونفسًا تبتغي الطهارة، وهذا فضل من الله، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله". والخوف من الفتنة والسعي لتجنبها دليل على صدق الإيمان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدنيا حلوةٌ خضـرةٌ، وإن اللهَ مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء".

 

ولأنك في بيئة جامعية مختلطة، فلا بد من التعامل مع هذا التحدي بحكمة، تجمع بين المحافظة على الدين، والقيام بواجبك العلمي، والتعامل بأسلوب دعوي مؤثر، دون الوقوع في التساهل الذي يجر إلى الحرام، ولا في التشدد الذي يعوق التواصل الضروري. ولذلك أقدّم لك الآتي:

 

أولًا: حدد مبادئك بوضوح

 

عليك أن تكون واضحًا مع نفسك بأنك لن تتنازل عن ضوابط الشرع في التعامل مع الفتيات، وهذا لا يعني الجفاء أو الغلظة، وإنما يعني وضع حدود ثابتة لعلاقاتك بحيث تبقى في إطار الضرورة والاحترام، دون تجاوزات عاطفية أو اجتماعية قد تفتح باب الفتنة. قال تعالى: ﴿فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ﴾ فالتزام الجدية في الحديث، والابتعاد عن اللين المفرط في الكلام، يحمي القلب من الانجراف ولا يشغلك أحزِن غيرك أم سَعِد.

 

ثانيًا: كن قدوة دعوية لا فريسة للفتنة

 

فبدلًا من أن تكون متأثرًا ببيئة الجامعة، كن أنت المؤثر فيها. اجعل أخلاقك وسلوكك شاهدة على دينك، وكن صاحب مبدأ ثابت؛ لأن الشخص الذي يحترم نفسه يفرض احترامه على الآخرين. وهذا ما كان عليه الصحابة، فقد كانوا يعيشون في مجتمع فيه الفتن، لكنهم كانوا كاللؤلؤ المصون، لا تغرّهم المغريات، بل ينشـرون النور حيث حلّوا.

 

ثالثًا: اجعل تعاملك رسميًّا وفي ذات الوقت محترمًا

 

لا بد من التعامل مع الفتيات عند الحاجة فقط، لكن اجعل التواصل بقدر الضـرورة، وَبِلُغَةٍ جادة بعيدة عن التودد أو المجاملات العاطفية. فلا تبدأ حديثًا بلا سبب، ولا تطِل الكلام دون حاجة، وتذكر أن الشيطان يبدأ بخطوة صغيرة ليجر إلى خطوات أكبر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما تركتُ بعدي فتنةً أضرَّ على الرجالِ من النساءِ"، فَأَغْلِق الباب من أوله.

 

رابعًا: احذر من "اللمسات الخفية للفتنة"

 

الشيطان لا يأتيك مباشرةً بالحلال والحرام، بل يبدأ بخطوات خفية، مثل:

 

1) رسائل بلا داعٍ.

 

2) ضحكات عابرة تفتح باب الألفة.

 

3) تبادل الإعجاب بالآراء ثم بالصفات الشخصية.

 

4) الشعور بـــ”الراحة” مع فتاة معينة، ثم التعلق العاطفي الخفي.

 

كل هذا يبدأ صغيرًا، لكنه قد ينتهي إلى الانحراف، فكن واعيًا لهذه المكائد.

 

خامسًا: تذكّر نعمة العفاف وعاقبة التساهل

 

فالعفاف ليس حرمانًا، بل هو طهارة وشرف، ومن حفظه الله في شبابه أكرمه في حياته وبعد مماته. تأمل في يوسف عليه السلام حين قال: ﴿مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ﴾، فاختار العفاف رغم الإغراء، فرفعه الله، وجعل قصته درسًا للبشرية.

 

وفي المقابل، فإن التهاون في هذه الأمور قد يقود إلى فتنة عظيمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ"، فكيف بالحديث العاطفي والنظرات والتساهل؟

 

سادسًا: اشغل نفسك بالطاعة والصحبة الصالحة

 

إذا لم يكن القلب مشغولًا بالله، انشغل بغيره. فاحرص على الصحبة الطيبة، واحضر مجالس العلم، وأكثر من قراءة القرآن، واملأ وقتك بما يعود عليك بالنفع.

 

سابعًا: سل الله الثبات ولا تعتمد على نفسك

 

من ظن أنه قويٌ بما فيه الكفاية ليقاوم الفتنة بنفسه، وقع فيها، لكن من لجأ إلى الله واعتمد عليه، نجاه. فأكثر من هذا الدعاء النبوي العظيم: "اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى".

 

واعلم أخي الحبيب -ختامًا- بأنك ما دمت قد سألت عن الحل، فاعلم أن الله أراد لك الخير، فاستعن به، وكن ثابتًا في وجه الفتنة، وامضِ في درب العلم بأمان، وكن داعية بأخلاقك قبل لسانك. جعلني الله وإياك من الذين يحفظهم في الفتن، ويعلي قدرهم بالعفاف والطاعة.