الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
6472 - رقم الاستشارة : 1425
25/03/2025
استوقفني مصطلح النوابت في كتب التاريخ الإسلامي.. فمن هم هؤلاء النوابت؟
الفكر الإسلامي الأخلاقي والفلسفي حافل بكثير من المصطلحات والمفاهيم المجهولة للكثيرين؛ نظرًا لندرة استخدامها، أو للانتقال لمصطلح ومفهوم آخر، ومن تلك المفاهيم "النوابت"، وهي كلمة مشتقة من البيئة واللغة العربية، وقادرة على رسم تصور للمصطلح في الأذهان، وعمومًا "النوابت" في بعض استخدامه الفلسفي والفكري، يشبه مفهوم النخبة في الوقت الراهن.
من هـــم النوابــــت؟
جاء ظهور المصطلح، مع حالة التنوع والاختلاف ثم الانقسام الفكري في القرون الأولى للهجرة، بعدما وقعت اختلافات فكرية حول قضايا منها: الموقف من مرتكب الكبيرة، وحرية الإرادة الإنسانية.
وفي ذلك الوقت رأت تلك الفرق المختلفة أن هناك حاجة لوصف مخالفيها وخصومها في الرأي والرؤية، وكانت البداية عندما صكت المعتزلة مصطلح النابتة أو النوابت، لوصف مخالفيها للتقليل من شأنهم والاستخفاف بهم، وهي تعني غياب الخبرة وحداثة السن والجهالة، وربما كان الأديب "الجاحظ" هو أول من استعمله، فكان يصف مخالفيه بالنوابت أو النابتة.
وقد كتب الجاحظ رسالة صغيرة في هذا الشأن بعنوان "رسالة في النابتة" ضمن رسائله، وهي الرسالة الحادية عشرة، ومن قوله فيها: "النابتة تزعم أن سب ولاة السوء فتنة ولعن الجورة بدعة وهذا ضلال".
لكن مع الفيلسوف الفارابي في القرن الرابع الهجري، وزيادة تأثيرات الفلسفة اليونانية في الفكر الإسلامي، تأثر الفارابي بأفلاطون وكتابه "المدينة الفاضلة" تلك المدينة التي يحكمها الفلاسفة، فيعيش الناس فيها في سلام وطمأنينة بلا ضغائن ولا أحقاد، وهنا ظهر مصطلح النوابت في فلسفة الفارابي، ولكنه حمل مدلولاً سلبيًّا، حيث تصورهم الفارابي كطبقة طفيلية مثل الحشائش التي يجب اقتلاعها، حتى لا تُفسد مدينته الفاضلة التي دعا إليها الفارابي في كتابه "آراء أهل المدينة الفاضلة".
فهم حسب الفارابي: فئات اجتماعية سيئة ومنحرفة وواجب اجتثاثها من المجتمع، وشبههم بالشيلم (أي النباتات الضارة)، أو الشوك النابت بين الزرع أو سائر الحشائش غير النافعة والضارة بالزرع أو الغرس، وهم -حسب رأيه- على عدة أنواع، فمنهم: المقتنصة، والمارقة والمحرفة والمتخيلة والمزيفة، والمموهة والمعاندة والظانة أن الحق معها والحاسدة واللاهية باللعب والهزل.
وحسب رأي "الفارابي" يجب على رئيس المدينة تتبع أمرهم، وعلاج كل صنف منهم بما يصلحه خاصة، وذلك عن طريق إخراجهم من المدينة أو بعقوبة، أو بحبس أو بتصريف في بعض الأعمال؛ لأن هؤلاء أفسدوا طمأنينة المدينة الفاضلة.
أما الفيلسوف الأندلسي "ابن باجة" في القرن السادس الهجري، فوضع مفهوم النوابت كنقطة مركزية في فكره السياسي، لكنه أعطى المفهوم أبعادًا إيجابية، فالنابت هو إنسان من الأفاضل، يصبح وحيدًا متفردًا في مدينة غير فاضلة، وهذا المفهوم يتقاطع مع الاغتراب، فعلى خلاف الفارابي، يرى ابن باجة أن المدينة غير الفاضلة هي التي تهدد الشخص النابت، لذا يغترب عنها، ويعتزل المجتمع، وهدف تلك العزلة المؤقتة يتمثل في تكوين نواة لمجتمع فاضل في المدينة الفاضلة في المستقبل.
والمعروف أن ابن باجة كان شغوفا بالأنا الفردية، ولعل هذا ما دفعه إلى ابتكار علم خاص جديد هو "تدبير المتوحد"، حيث دافع عن استقلال الفيلسوف الفكري التام في محيطه وتحرره من كل ما من شأنه أن يجعله خادمًا لغيره.
مصادر يمكن الرجوع إليها:
- مصطفى واجد أوغلي - النوابت كتوصيف نقدي من منظور علم الكلام والفلسفة السياسية - دراسة منشورة في مجلة آرو التركية للدراسات اللاهوتية - مايو 2024م.
- حسن مجيد العبيدي - آراء أهل المدينة الفاضلة للفارابي: دراسة تحليلية نقدية - دار البصائر – بيروت -2010م.
- محمد المصباحي - الذات في الفكر العربي الإسلامي - المركز العربي للأبحاث والدراسات السياسية - قطر- الطبعة الأولى 2017م.