كيف أتعامل مع من يسيء فهمي وأغير نظرته عني؟!

<p style="direction: rtl;">السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أنا شابة أكملت دراستي الجامعية والحمد لله، ومهتمة بتطوير نفسي على جميع المستويات.</p> <p style="direction: rtl;">أصلي وأتطوع في أعمال خيرية، وأحاول دائمًا أن أعيش حياتي بنية طيبة وأخلاق حميدة. ومع ذلك، أجد نفسي أواجه تحديات بسبب نظرة البعض إليَّ على أنها سطحية أو مغلوطة، وهذا شيء يؤثر فيّ نفسيًا بشدة.</p> <p style="direction: rtl;">أشعر بالانزعاج من هذه النظرات التي تُشوّه شخصيتي الحقيقية، وأتمنى أن أجد من يقدّرني لأخلاقي وقيمي، وليس بناءً على افتراضات سطحية. أطمح للاستقرار والزواج، ولكنني أواجه صعوبة في التعامل مع هذه المواقف وتفسيرها بشكل صحيح.</p> <p style="direction: rtl;">كيف أتعامل مع هذا الابتلاء؟ وكيف يمكنني تغيير هذه الصورة النمطية التي قد تكون في أذهان البعض؟ أحتاج إلى نصيحة تساعدني على المضي قدمًا بثقة دون أن أتأثر بنظرات الآخرين السلبية. جزاكم الله خيرًا.</p>

ابنتي العزيزة،

 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. أسأل الله أن يبارك لك في نيتك الطيبة وجهدك المبارك، وأن يرزقك السكينة والثبات في دربك.

 

أولًا، أود أن أطمئنك بأن ما تمرّين به من إحساس بالضيق بسبب نظرة الآخرين هو شعور إنساني طبيعي، يعكس وعيًا ذاتيًّا عميقًا وإحساسًا بقيمتك الذاتية (Self-Worth)، وهو أمر إيجابي إذا تم توظيفه بطريقة صحيحة. لكن من المهم أن ندرك أن رضا الناس غاية لا تُدرك، وأن قيمتك الحقيقية لا تُحدَّد برؤية الآخرين لك، بل بما أنتِ عليه من أخلاق، وقيم، ونوايا صادقة.

 

حبيبتي، البشر بطبيعتهم يميلون إلى إصدار الأحكام بناءً على الانطباعات الأولية (First Impressions)، وهي غالبًا ما تكون غير دقيقة. علم النفس الاجتماعي يوضح أن هذه الأحكام غالبًا ما تتأثر بالتحيّزات الإدراكية (Cognitive Biases) والتصورات المسبقة.

 

في بعض الأحيان، قد يكون هذا ناتجًا عن نقص المعرفة الحقيقية بكِ كشخص، أو بسبب معايير اجتماعية مغلوطة، وهنا يأتي دوركِ في إعادة تعريف نفسكِ أمام الآخرين بسلوككِ وقيمكِ، وليس بالدفاع عن نفسكِ باستمرار.

 

* وهنا دعيني أخبرك بكيفية التعامل مع هذه التحديات بوعي نفسي:

 

١- لا بد من تعزيز القبول الذاتي (Self-Acceptance) لذاتك:

 

قال رسول الله ﷺ: "مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ".

 

وكذلك قال الإمام الشافعي: "رَضَا النَّاسِ غَايَةٌ لا تُدْرَكُ، وَرِضَا اللهِ غَايَةٌ لا تُتْرَكُ، فَاتْرُكْ مَا لا يُدْرَكُ وَأَدْرِكْ مَا لا يُتْرَكُ".

 

وهذا يذكّرنا أن التركيز على رضا الله أولى من محاولة كسب إعجاب الجميع؛ فحاولي أن تبني قناعتكِ بذاتكِ بناءً على قيمكِ، وليس بناءً على تصورات الآخرين..

 

فالقبول الذاتي للشخص يجعله أقل تأثرًا بالأحكام الخارجية، ويزيد من الثقة بالنفس (Self-Confidence)، مما يجعلكِ تفرضين احترامكِ دون الحاجة لإثبات ذاتكِ مرارًا.

 

٢- من الضروري أن تتعلمي التفريق بين النقد البنّاء والنقد الهدّام:

 

فالنقد البنّاء: هو الذي يقدّمه شخص محبّ، يريد لكِ الخير، ويُقدَّم بأسلوب مهذّب ومبني على ملاحظات حقيقية.

 

أما النقد الهدّام: يكون غالبًا غير دقيق، أو قائمًا على أحكام سطحية لا تمتّ لحقيقتكِ بصلة.

 

فعوّدي نفسك أن تتعاملي مع النقد البنّاء باحتواء، ومع النقد الهدّام بتجاهل ووعي وفطنة.

 

٣- استخدمي الذكاء العاطفي في الردّ على الآخرين:

 

وذلك في المواقف التي تشعرين فيها بأن هناك سوء فهم حول شخصيتكِ، فلا تجعلي ردود أفعالكِ انفعالية، بل اعتمدي على التواصل الفعّال (Effective Communication) الذي يقوم على الهدوء، والثقة، وإيصال رسائل واضحة دون انفعال.

 

مثلًا، إذا وجّه لكِ أحدهم حكمًا خاطئًا، يمكنكِ بكل هدوء أن توضحي وجهة نظركِ بأسلوب لبق دون الدخول في جدال عقيم..

 

فإذا فهمك وتجاوب فهو أمر طيب.. أما إذا أصر على وجهة نظره فيكِ، فابتسمي باستنكار واتركيه؛ لأن هدفه هنا هو هز ثقتك بنفسك، فكوني معتزة أنت بنفسك وبكل ثقة.

 

* ولتعلمي يا ابنتي، أن إعادة تشكيل صورتكِ في أذهان الآخرين سوف تتكون بالوقت والمواقف الحقيقية؛ حيث إن الصورة النمطية لا تتغير بالكلام، بل بالمواقف التي تعكس حقيقتكِ.

 

ولذلك أوصيك بأن تستمري في ممارسة الخير، وكوني قدوة بأخلاقكِ، ولا تحاولي تغيير نفسكِ من أجل الآخرين، بل كوني أفضل نسخة من ذاتكِ لأجلكِ أنتِ.

 

ولكي تحققي الاستقرار العاطفي والاجتماعي رغم هذه التحديات، فعليك بأمرين مهمين:

 

أولا: يجب أن تحددي دائرتكِ القريبة.. فجميع المحيطين بك ليسوا بحاجة إلى معرفة حقيقتك، ولكن من المهم أن يكون حولكِ أشخاص يقدّرونكِ ويدعمونكِ نفسيًّا وعاطفيًا؛ فالعلاقات الإيجابية تقوي النفس، وتعزز الشعور بالأمان العاطفي (Emotional Security).

 

ثانيا: لا تربطي استحقاقكِ للزواج برأي الآخرين.. فالزواج يا بنتي هو رزق من الله تعالى، ولن يتأثر بحكم الناس عليكِ.

 

فكوني على ثقة بأن من يبحث عن جوهر الإنسان سيقدّركِ على حقيقتكِ، وليس وفق تصورات سطحية سواء نابعة من نفسه أو من الآخرين.

 

* همسة أخيرة إلى قلب ابنتي الغالية:

 

تذكري قول الله تعالى: {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ}، فحتى الأنبياء تعرّضوا للأحكام الظالمة، فكيف بنا نحن البشر؟!

 

اصبري، واثبتي على قيمكِ، ولا تسمحي لنظرات الآخرين أن تهزّ قناعتكِ بذاتكِ.

 

مع الوقت، سيكتشف من حولكِ حقيقتكِ، وسيرسل الله لكِ من يقدّركِ بحق.

 

أسأل الله أن يرزقكِ طمأنينة القلب، وسكينة النفس، وشريكًا صالحًا يقدّركِ لقيمتكِ الحقيقية.