<p>أنا دايمًا بآمن إنه كل شي مقدر من عند ربنا، بس مرات بخطر ببالي سؤال: إذا كل شي مكتوب من قبل، شو فايدة الدعاء والسعي؟</p> <p>يعني كيف ممكن نفهم الحديث اللي بقول: "الدعاء يرد القضاء"، وفي نفس الوقت نعرف إنه القدر ثابت ومكتوب؟</p> <p>هل ممكن دعائي واجتهادي يغيروا اللي ربنا كاتبه إلي، ولا أنا بالأخير بس عم بنفّذ اللي مقدر إلي؟</p> <p>يا ريت توضحولي الموضوع بشكل مفصل، خصوصًا لو فيه أمثلة من حياة الصحابة أو السلف، كيف كانوا يفكروا بهالشي ويتعاملوا معه؟</p>
أهلًا وسهلًا بك أيها السائل الكريم، أسأل الله أن يبارك لك في عمرك وعلمك، وأن يزيدك بصيرة في دينه، وأن يرزقك فهمًا عميقًا لسننه في الكون، وبعد...
فإن قضية القدر والدعاء والسعي من المسائل العظيمة التي تحتاج إلى تدبر عميق لفهم علاقاتها بعضها ببعض. فالإيمان بالقدر من أركان الإيمان التي لا يكتمل إيمان العبد إلا بها، ومع ذلك فقد جعل الله الدعاء والسعي أبوابًا لتحصيل الخير ودفع الشر. فكيف نجمع بين الأمرين؟
أولًا- فهم القدر
القدر عند أهل السنة والجماعة يقوم على أربع مراتب:
1- العلم: فالله تعالى يعلم كل شيء قبل وقوعه.
2- الكتابة: فقد كتب الله كل شيء في اللوح المحفوظ.
3- المشيئة: فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.
4- الخلق: فكل ما يحدث في الكون هو بعلم الله وتقديره.
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49].
ثانيًا- كيف يرد الدعاء القضاء؟
قال النبي ﷺ: «لا يرد القضاء إلا الدعاء» [رواه الترمذي وصححه الألباني]. فكيف يكون ذلك؟
الجواب أن القدر نوعان:
1- قدر محتوم (لا يتغير): وهو ما علمه الله وكتبه في اللوح المحفوظ بعلمه الأزلي.
2- قدر معلَّق (يتغير بالدعاء والعمل): وهو ما يظهر للملائكة في الصحف التي بأيديهم، فيكون للعبد دور فيه.
ويقول العلماء إن الدعاء هو ذاته من القضاء، فالله قد يقضي أمرًا ويعلقه على سبب، فإذا وُجِدَ السبب وقع القضاء. فمثلًا، قد يكون مكتوبًا أن فلانًا إن دعا الله أن يُطيل عمره، فإن الله يمد في عمره، وإن لم يدعُ فسينتهي أجله في وقته المحدد.
ثالثًا- السعي لا يتنافى مع القدر
يظن بعض الناس أن السعي والعمل لا فائدة لهما ما دام كل شيء مكتوبًا، وهذا فهم خاطئ؛ لأن الله أمرنا بالسعي، وجعَل النتائج مرتبطة به.
قال رسول الله ﷺ: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل» [رواه مسلم].
وفي مثال رائع من السلف، كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في سفر، فلما علم أن هناك طاعونًا في الشام قرر الرجوع، فقال له أبو عبيدة بن الجراح: «أفرارًا من قدر الله؟» فقال عمر: «نفر من قدر الله إلى قدر الله».
فالسعي لا ينافي القدر؛ بل هو جزء منه.
رابعًا- مثالان من الصحابة والسلف
1- عمر بن الخطاب رضي الله عنه، كان يقول: «اللهم إن كنت كتبتني شقيًّا فامحني واكتبني سعيدًا، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت».
2- الحسن البصري رحمه الله، سئل عن الدعاء والقدر فقال: «هو كالسهم والدرع، فإذا لبست درعك، لم يمنعك القدر من القتل؛ لكنه سبب لحفظك». أي أن الدعاء سبب من أسباب الوقاية من المصائب.
إذًا -أخي الكريم- الدعاء والسعي لا يتعارضان مع القدر؛ بل هما جزء من نظام الله في الكون. وكل ما يحدث، يحدث بإرادة الله، لكنه -سبحانه- جعل لنا بابًا للتغيير بالدعاء والعمل. فتمسَّك بالدعاء، وابذل جهدك، وأحسن الظن بالله، وأيقن أن الله بيده الأمر كله.
أسأل الله أن ينير بصيرتك، ويرزقك الفهم العميق لدينه، وأن يجعلنا وإياك من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. آمين.