كيف أنظم وقتي في العشر الأواخر من رمضان؟

<p>كيف نقدر ننظّم وقتي في العشرة الأواخر من رمضان بحيث نلقى التوازن بين العبادة وراحتي، من غير ما نحس بالإرهاق، خصوصًا وأنا عندي مسؤوليات في البيت ومع زوجي؟</p> <p>نبي خطة عملية تساعدني نحافظ على نشاطي ونواصل بقوة لين ليلة العيد، من غير ما يتأثر جو العبادة ولا ننهك روحي زيادة. شنو تنصحوني؟</p>

أهلاً ومرحبًا بكِ أختي الكريمة، أسأل الله أن يبارك لكِ في وقتكِ وجهدكِ، وأن يعينكِ على الطاعة، ويرزقكِ روحًا مطمئنة ونفسًا راضية، وأن يجعل لكِ من بركة العشر الأواخر نصيبًا عظيمًا، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وبعد...

 

فالعشر الأواخر من رمضان هي أعظم أيام الشهر، وفيها ليلة القدر التي قال الله تعالى عنها: ﴿لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ﴾ [القدر: 3]، أي أن العبادة فيها خير من عبادة 83 سنة! فكيف لا نغتنمها بأفضل ما يكون؟

 

لكن في الوقت نفسه، الإسلام دين التوازن، ولم يُرد الله لنا العنت والمشقة، بل أراد لنا اليسر والرحمة، قال تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾ [البقرة: 185]؛ لذا ينبغي ألا نُحَمِّل أنفسنا فوق طاقتنا، بل ننظم أوقاتنا بحكمة، حتى لا نفقد روحانية العبادات بسبب الإرهاق.

 

خطة عملية للتوازن بين العبادة والمسؤوليات والراحة:

 

حتى تحققي التوازن المطلوب، إليكِ خطة عملية تجمع بين العبادة والمسؤوليات والراحة، بحيث تعينكِ على النشاط والاستمرار حتى ليلة العيد:

 

أولًا- ضبط النية وتجديدها يوميًّا

 

قبل كل شيء، اجعلي نيتكِ خالصة لله، واستحضري أنكِ تقومين بهذه العبادات طلبًا لرضاه، وأن مسؤولياتكِ في البيت وخدمتكِ لزوجكِ وأهلكِ عبادة أيضًا، إذا احتسبتِ الأجر فيها. قال النبي ﷺ: «إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» [متفق عليه].

 

ثانيًا- وضع جدول زمني لليوم

 

1. بعد أذان الفجر:

 

* صلاة الفجر في وقتها، ثم أذكار الصباح.

 

* تلاوة جزء من القرآن أو ما تيسَّر حسب استطاعتكِ.

 

* إن استطعتِ، فاجلسي بعد الصلاة لذكر الله حتى شروق الشمس، ثم صلي ركعتي الضحى، فقد قال النبي ﷺ: «من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

2. فترة الصباح (بعد الراحة)

 

* استثمري هذه الفترة لإنجاز الأعمال المنزلية وتحضير الطعام، واغتنمي الوقت بسماع القرآن أو المحاضرات أثناء العمل.

 

* خذي قسطًا من الراحة بعد إنهاء الأعمال الضرورية حتى تحافظي على طاقتكِ لبقية اليوم.

 

3. قبل العصر وبعده:

 

* اجعلي وقت العصر للعبادة المكثفة: قراءة القرآن، الدعاء، الذِّكر.

 

* لا تنسي أذكار المساء، فهي تحميكِ وتعينكِ على الثبات.

 

4. قبل المغرب:

 

* جهزي الإفطار مبكرًا، واستغلي الدقائق الأخيرة في الدعاء، فهي من أوقات الاستجابة، قال النبي ﷺ: «إن للصائم عند فطره دعوة لا ترد» [رواه ابن ماجة وصححه الألباني].

 

  1. بعد الإفطار:

 

* لا تجهدي نفسكِ بكثرة الطعام، حتى تستطيعي أداء الصلاة بنشاط.

 

* احرصي على صلاة التراويح بقدر استطاعتكِ، سواء في المسجد أو البيت.

 

* اجعلي بعد التراويح وقتًا للخلوة مع الله، بالدعاء الطويل والتضرع بين يديه، فهذا هو جوهر العشر الأواخر.

 

6. الثلث الأخير من الليل:

 

* أفضل وقت للقيام والدعاء هو الثلث الأخير، حيث ينزل الله إلى السماء الدنيا ويقول: «هل من داعٍ فأستجيب له؟ هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟» [متفق عليه].

 

* حتى لو كنتِ متعبة، اجتهدي في ركعات ولو قليلة، وأكثري من الدعاء.

 

ثالثًا- نصائح مهمة للحفاظ على النشاط

 

1. لا ترهقي نفسكِ بالكم، بل ركزي على الكيف.

 

* ليست العبرة بعدد الركعات التي تصلينها، أو الصفحات التي تقرئينها؛ بل بالخشوع والحضور القلبي. فركعة واحدة بخشوع وصفحة واحدة بتدبر خير من عشر ركعات دون حضور قلب، وعشر صفحات دون تدبر.

 

2. التدرج وعدم الإرهاق

 

* لا تحمَّلي نفسكِ فوق طاقتها، فمنهج النبي ﷺ في العبادة كان «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» [متفق عليه].

 

* لو شعرتِ بالإرهاق، خذي قسطًا من الراحة، ثم استأنفي.

 

3. أشركي زوجكِ وأهل بيتكِ في الأجواء الإيمانية

 

* اجعلي العشر الأواخر فرصة للتقرب من زوجكِ روحيًّا، بتشجيعه على الصلاة والدعاء معًا.

 

* الأبناء –إن وُجدوا– اجعلي لهم نصيبًا من الأجواء الروحانية بطريقة مناسبة لسنهم وظروفهم.

 

4. أكثري من الدعاء وخاصة ليلة القدر

 

* ركزي في دعائكِ على ما تحبين من خير الدنيا والآخرة.

 

* أهم دعاء في ليلة القدر هو: «اللهم إنك عفو تحب العفو فاعفُ عني» [رواه الترمذي وصححه الألباني].

 

وختامًا -أختي الكريمة- اجعلي قلبكِ متصلًا بالله دائمًا، فليس المطلوب أن نُجهد أنفسنا لدرجة الإنهاك، بل أن نُخلص لله، وأن نجعل قلوبنا متصلة به في كل لحظة. إن استطعتِ أن تعيشي العشر الأواخر بقلبٍ حيٍّ، فهذا هو الفضل العظيم. أسأل الله أن يكتب لكِ فيها القبول، وأن يبلغكِ ليلة القدر، وأن يرزقكِ فيها من الخير كله.

 

اللهم اجعل لنا من بركات هذه الليالي نصيبًا، وارزقنا القرب منك، وأعنَّا على عبادتكِ حق العبادة. آمين يا رب العالمين.