كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على الأديان؟

<p>هل الذكاء الاصطناعي سيؤثر على الأديان ويحدث تحولات كبيرة فيها كما يقول البعض أم أنه مبالغة؟</p>

تساؤلكم المطروح هو محل جدل كبير في العديد من الأوساط الدينية والفلسفية والفكرية والتكنولوجيا في العالم، خاصة في المجتمعات الغربية، في ظل زيادة الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في إدارة حركة الحياة، ومع تمدد هذا الذكاء وتعمقه في الحياة الإنسانية ارتفع السؤال عن طبيعة التداخل والتفاعل بين الدين والذكاء الاصطناعي.

 

الربوت الديني

 

مع موجة الحداثة والافتتان بالعلم، تحدث عالم الاجتماع الألماني الشهير ماكس فيبر (ت: 1920م) عن قدرة العلم على نزع القداسة أو الوهم عن العالم، بمعنى أن يخضع كل شيء للتفسير العلمي، وفي أن يحل العقل مكان التفسيرات الغيبية، لكن بعد مرور أكثر من قرن، لم تتحقق نبوءة "فيبر" وما زال العقل غير قادر على إدراك أو تفسير الكثير من الظواهر المادية، ناهيك عن فهم قضايا الغيب.

 

الذكاء الاصطناعي، الذي يُعرف بأنه "فرع من العلوم والتكنولوجيا يهتم بدراسة البرامج والأجهزة لتزويد الآلات بالقدرة على استخلاص الرؤى والرأي من البيانات والبيئة، والقدرة على التكيف مع المواقف المتغيرة بدقة وبسرعة"، قد يكون يمثل تحديًا للإنسان والدين بأكثر مما طرحته الحداثة فيما يتعلق بالعقل وتنحية الغيب، نظرًا لتنوع التداخل بين الذكاء الاصطناعي ومجالات الحياة المختلفة خاصة الدين.

 

ونشير هنا إلى أنه في بعض التجارب تم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي لتقديم بعض الخدمات الدينية؛ ففي اليابان تم ابتكار "ميندار" Mindar في معبد "كيتو" لتحفيز الزوار للاهتمام بالتعاليم البوذية، وفي ألمانيا طورت الكنيسة البروتستانتية -منذ سنوات- روبوتًا اسمه "بليس يو2"  BlessU-2يحتوي على صندوق بشاشة تعمل باللمس، وله يدان ورأس، ويتكلم خمس لغات، ويبث نورًا من عينيه، كما أنه قادر أن يتحول بصوته إلى ذكر أو أنثى، حسبما يريد الشخص.

 

أما الكنيسة الكاثوليكية فقدمت الراهب "سانتو" SANTO الذي يقوم بوظائف الراهب الكاثوليكي، وتبحث الكنيسة إمكانية أن تقوم الربوتات بمباركة الناس، أما الفاتيكان فسعى لإنشاء روبوتات طاردة للأرواح الشريرة، وتحدث آخرون عن "كنيسة الذكاء الاصطناعي"، لكن المدهش هو أن الربوتات هذه تم تقديمها لسد عجز الكهنة في أوروبا، وفي الصين تم تطوير راهب آلي يقدم تعاليم بوذا، حتى اليهودية تطرق لها الذكاء الاصطناعي، في ربوتات تلعب دور الحاخام، وتُلقي خطبًا دينية تسلتهم التوراة.

 

وقد اهتم البرفيسور "جوشوا كونراد جاكسون" المتخصص في علم السلوك في جامعة شيكاغو الأمريكية، وفريقه البحثي، بتأثير الذكاء الاصطناعي على الأديان، وخلصت بعض أبحاثهم الصادرة عام 2024م بأنه كلما زاد اعتماد الناس على الأتمتة (الذكاء الاصطناعي) ضعفت معتقداتهم الدينية، وأكد الفريق البحثي أن هناك خصائص جوهرية للأتمتة تُشجع على التراجع الديني.

 

وحول العلاقة بين التدين واستخدام الربوتات، تم تحليل بيانات استطلاع للرأي لمقارنة آراء عينة من سكان 68 دولة خلال الفترة من 2006م حتى 2019م، حول العلاقة بين التدين واستخدام الربوتات، وأظهرت نتيجة التحليل أن البلاد التي لديها مخزون كبير من الربوتات شهدت انخفاضًا في التدين بنسبة 3%.

 

وأشارت الدراسة إلى بعض المسببات الكامنة وراء انخفاض التدين، منها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، فالذكاء الاصطناعي أدى إلى فقدان الكثيرين لوظائفهم، وهو ما رفع حجم البطالة والأزمات النفسية؛ نظرًا لأن التغيرات المهنية ومنها فقدان العمل والوظيفة يتسبب في تغيرات دينية، حيث يتجه الكثير إلى اليأس أو الانغماس في الإدمان.

 

لكــــــن الأهـم هو أن الكثير ممن يعتمدون على الذكاء الاصطناعي، يتعاملون مع الدين كقيمة آلية، أي أنه يُحيل الكثير من التزاماته الدينية ليعتمد فيها بشكل كبير على الذكاء الاصطناعي، وتلك كارثة حقيقة؛ إذ يصبح الذكاء الاصطناعي وسيط في العلاقة الدينية بين الإنسان وخالقه.

 

ويشير البعض إلى أن الذكاء الاصطناعي وتقدمه المذهل، يحاكي خلق الله، ويسعى لإنشاء خلق بشري على غرار الخلق الإلهي، ومن العقبات التي لم تحل لتحقيق هذا التشابه، هو مسألة تزويد الذكاء الاصطناعي بالمشاعر؛ لأن النجاح في هذه الخطوة يعني أننا سنصبح أمام خلق يشبه الإنسان، ولا شك أن هذا استحالة.

 

وفيما يتعلق بالجانب العبادي سعى البعض لإنشاء دين جديد خاص بالذكاء الاصطناعي، مثل" أنطوني ليفاندوسكي" الذي ادعى إنشاء دين جديد للذكاء الاصطناعي، وشيد له دار عبادة عام 2017م بالقرب من وادي السليكون في الولايات المتحدة.

 

ويبدو أن رجال الدين مشغولون أكثر بفكرة السيطرة على الذكاء الاصطناعي، على اعتبار أن كل ما يصنعه الإنسان يجب أن يكون تحت سيطرته وليس خارجًا عنها، وأن توضع للذكاء الاصطناعي حدود تحترم الجانب الأخلاقي والمعنوي للإنسان، وهو ما سعى إليه الفاتيكان في نداء روما الذي تم توقيعه أول مرة عام 2020م، ثم شارك ممثلون على الأديان الثلاثة الإسلام والمسيحية واليهودية في اجتماع في قمة "روما" مطلع 2023م، واقترح خمسة مبادئ أخلاقية يجب على جميع مصممي الذكاء الاصطناعي الالتزام بها، وهي: جعل أنظمة الذكاء الاصطناعي قابلة للتفسير، وشاملة، وغير متحيزة، وقابلة للتكرار، وأن يتحمل الإنسان المسؤولية دومًا عن أي قرار يُسهله الذكاء الاصطناعي.