قلبي تعلق بأستاذي.. ماذا أفعل؟!

<p>دكتورة، ما أدري كيف أقولها، بس حسيت إني لازم أفضفض لك لأني أحببتك وأحس أن حضرتك أمي.. من فترة وأنا أحس بشيء غريب تجاه أستاذي في المدرسة. هو مدرس شاب، محترم جدًّا، وأسلوبه في الشرح يجذبني، وطريقته في التعامل مع الطلاب راقية. دايمًا يعاملني باحترام، وإذا سألته سؤال يجاوبني بكل صبر، وهذا الشيء خلاني أحس أنه يهتم فيني بشكل خاص. صرت أستناه كل حصة، وأفرح إذا مدحني، وأحيانًا حتى إذا كنت زعلانة من شيء، بس أشوفه، يتحسن مزاجي. صرت أفكر فيه كثير، حتى برّا المدرسة، وأحس إني تعلقت فيه بزيادة، وما أدري هذا طبيعي أو لا! هل هذا حب؟ ولا بس إعجاب؟ وكيف أقدر أسيطر على مشاعري؟ لأني صرت أحس إني مو مركزة مثل قبل في دراستي، وكل تفكيري صار فيه!</p>

حبيبتي، أنا أيضًا أحببتك في الله لثقتك في شخصي المتواضع، ويشرفني أن أكون أُمًّا ثانية لك...

 

وأول ما أريد أن أؤكده لكِ صغيرتي، هو أن مشاعركِ طبيعية جدًّا، وأنتِ لستِ وحدكِ من تمرين بها، بل تمر بها الكثير من الفتيات في مثل سنكِ؛ لأنها جزء من التطور النفسي والعاطفي في مرحلة المراهقة.

 

لكن الأهم من الاعتراف بالمشاعر هو كيفية التعامل معها بطريقة ناضجة وصحيحة، بحيث لا تؤثر على دراستكِ، ولا تجرّكِ إلى مسارات غير سليمة لا قدر الله.

 

ما تشعرين به يُعرَف بـ"الإعجاب المراهقي" (Adolescent Crush)، وهو نوع من الارتباط العاطفي المثالي، حيث يميل المراهقون من الجنسين إلى الإعجاب بالأشخاص الذين يمتلكون صفات يفتقدونها أو يرغبون فيها، خصوصًا إن كانوا أكبر سنًّا وأكثر نضجًا.

 

هذا الإعجاب ليس حبًّا حقيقيًّا، بل هو انعكاس للحاجة إلى قدوة أو شخصية مؤثرة تلهمهم.

 

هل سبق أن فكرتِ لماذا تعلّقتِ بمدرسكِ تحديدًا؟ هل هو الاهتمام؟ أم طريقته الجذابة في الشرح؟ أم لأنه يعاملكِ بلطف؟ فربما كانت كل هذه الأمور مجتمعة قد توفرت معًا.

 

فكري جيدًا في تلك الأسئلة السابقة، وستجدين أن مشاعركِ نابعة من الإعجاب بصفات الشخص وليس بالشخص نفسه، وهذا أمر شائع في سنكِ، لكنه قد يتحوّل إلى تعلق غير صحي (Unhealthy Attachment) إذا لم يتم ضبطه بطريقة صحيحة.

 

وسوف أُسدي إليكِ يا ابنتي هذه النصائح، لأحاول تدريبك على كيفية تتعاملين بها مع مشاعركِ بوعي:

 

1- فهم حقيقة المشاعر

 

وأطمئنك أن المشاعر ليست دائمة، فكما بدأت ستتلاشى مع الوقت، خصوصًا إذا لم تتركيها تسيطر على تفكيركِ إن شاء الله تعالى.

 

فلقد أظهرت الدراسات أن "الإعجاب المراهقي" يستمر من بضعة أشهر إلى سنتين كحد أقصى، ثم يختفي تدريجيًّا.

 

2- عليكِ بإعادة توجيه الانبهار

 

فبدلاً من التركيز على الشخص، ركّزي على الصفات التي أعجبتكِ فيه، واسعي إلى تطويرها في نفسكِ.

 

- هل أعجبتكِ ثقافته؟ إذًا اسعي للقراءة أكثر والاطلاع والتعلم.

 

- هل أعجبتكِ طريقته في الحديث؟ إذًا طوّري مهارات التواصل لديكِ في محيطك بين زميلاتك ومدرساتك وأقاربك.

 

بهذه الطريقة، ستحولين مشاعركِ من تعلق سلبي إلى دافع إيجابي.

 

3- كذلك لا بد أن تتعلمي أن يكون لديك نوع من التوازن العاطفي (Emotional Regulation)

 

فبدلاً من ترك مشاعركِ تستهلك تفكيركِ، حاولي ممارسة أنشطة أخرى بجانب استذكار دروسك، تملأ وقتكِ وتفرغين فيها طاقتك، مثل الرياضة، القراءة، الأعمال التطوعية، أو تعلم مهارات جديدة.

 

4- أيضا لا بد أن تتدربي على وضع حدود ذهنية (Mental Boundaries)

 

 بمعنى أن تذكري دائمًا أن المعلمين موجودون لتعليم الطلاب، وليس لتكوين علاقات شخصية معهم، وأي تفكير بخلاف ذلك قد يجركِ إلى مشاعر غير واقعية وأخطاء غير مقبولة، خاصة أن الفرق العمري والنضجي بينكما كبير.

 

5- يجب أن يكون لك نظرة بعيدة ومستقبلية

 

هذه النظرة تجعلك تتأملين في عواقب مشاعرك إن لم تتحكمي بها؛ فالإسلام يدعونا إلى حماية قلوبنا من التعلق غير الصحيح؛ لأن التعلق الشديد (Excessive Attachment) قد يقود إلى المعاناة النفسية والخذلان.

 

قال الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}، أي أن الثقة بالله ثم بأنفسنا يجب أن تكون أقوى من أي مشاعر قد تضعفنا.

 

وكما قال الشاعر:

 

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضهُ ** فكلُّ رداءٍ يرتديه جميلُ

 

وهذا يعني أن الإنسان الذي يحافظ على نقاء قلبه وفكره وتصرفاته وسلوكياته، هو الأجمل دائمًا، وأنتِ قوية وقادرة على التحكم في مشاعركِ والحفاظ على نفسك.

 

ابنتي الغالية، طموحكِ يجب أن يكون عاليًا، فلا تدعي المشاعر المؤقتة تشتتكِ عن أهدافكِ ومستقبلكِ، وكوني دائما حذرة! وإياك غاليتي أن تحاولي مصارحة هذا المدرس بمشاعرك أو حتى تلفتي انتباهه أو تصرحي بمشاعرك لصديقاتك..

 

فالله تعالى وحده يعلم بالنفوس الضعيفة والسوية، فلا تثقي في أي شخص، قد يكون صاحب نفس ضعيفة حتى إن كنت تنبهرين به وبالنسبة لك هو الحبيب أو المثل الأعلى، فأنت غالية فحافظي على قدرك وسمعتك، والتي هي من سمعة أهلك فهي أمانة بين يديكِ.

 

* وهمسة أخيرة إلى ابنتي الحبيبة:

 

أنتِ في مرحلة بناء ذاتكِ، وقراراتكِ الآن سترسم مستقبلكِ.

 

فلا تجعلي عاطفة مؤقتة تتحكم فيكِ، بل كوني أنتِ من تتحكمين في عواطفكِ.

 

أيقظي طموحكِ، واسألي نفسكِ: بعد خمس سنوات، هل سيكون هذا الأمر مهمًّا؟ هل سيؤثر في حياتي؟ ستجدين أن الجواب غالبًا هو لا. لذا، عيشي يومكِ، استمتعي بعمركِ، وتذكري دائمًا أن القيمة الحقيقية لأي فتاة ليست في تعلقها بأحد، بل في سعيها لأن تكون الأفضل في كل شيء وفي كل وقت.

 

أسأل الله لك الستر والتوفيق، وأن يهدي قلبك لما يحب ويرضى.