الألعاب النارية في شهر رمضان.. فرحة أطفال أم خطر يهدد الجميع؟

<p>السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أحد سكان حي من الأحياء في بلادي، وألاحظ في كل عام، وخاصة في شهر رمضان، أن الأطفال يمارسون الألعاب النارية في الشوارع والأزقة دون رقابة من أهاليهم، مما يتسبب في إزعاج الناس، وإحداث إصابات وحرائق، وصلت في بعض الحالات إلى إحراق منازل ومحلات تجارية. المشكلة أن الآباء لا يعيرون الأمر اهتمامًا، وكأن الأمر مجرد لهو بريء، رغم أن هذه الألعاب خطيرة، فما حكم بيع هذه الألعاب النارية للأطفال؟ وكيف يمكنني التعامل مع هؤلاء الأطفال بحكمة حتى يتوقفوا عن هذا السلوك؟ وماذا عن مسؤولية الآباء الذين يتركون أبناءهم دون رقابة؟ وكيف يمكن نصح البائعين الذين يروجون لهذه الألعاب؟ وأخيرًا، ما دور المجتمع والمسؤولين في مواجهة هذه الظاهرة؟ أرجو توجيهكم حول كيفية التعامل مع هذه المشكلة التي أصبحت تؤرق الجميع، وجزاكم الله خيرًا.</p>

أخي السائل الكريم: نرحب بك ابتداء، وقد سألت عن قضية معاصرة مُشاهَدَة، غير أن أسئلتك تحتاج إلى بحث علمي، مع عدد تساؤلاتك الكثيرة، والتي تحتوي غالبًا في الرد عليها على إجابة شرعية ونفسية ودينية ومالية وقانونية... إلخ. ولذا سأكتب لك ردي في نقاط محددة، كما حددت أسئلتك، وذلك على النحو التالي:

 

أولًا: حكم الألعاب النارية في الإسلام

 

الألعاب النارية ليست مجرد لهو، بل لها أضرار جسيمة، مثل:

 

* الإيذاء والترويع: يقول النبي ﷺ: "لا يحل لمسلم أن يروّع مسلمًا"، وما يفعله الأطفال بهذه الألعاب هو نوعٌ من الترويع والإزعاج للناس.

 

* الإضرار بالممتلكات: التسبب في حريق أو إصابة شخص يُعد من الإفساد في الأرض، والله تعالى يقول: ﴿وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا﴾.

 

* الإسراف والتبذير: هذه الألعاب مكلفة، وفيها تبديد للمال دون فائدة، والله نهى عن التبذير بقوله: ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾ [الإسراء: 27].

 

ثانيًا: مسؤولية الآباء الذين يهملون أبناءهم

 

إن إهمال الآباء لأبنائهم، وتركهم يلعبون في الشوارع بلا رقابة، ليس مجرد تقصير، بل هو تفريط في الأمانة، فقد قال النبي ﷺ: "كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته" (متفق عليه). فالآباء الذين يسمحون لأبنائهم بشراء الألعاب النارية واستخدامها يرتكبون عدة أخطاء:

 

1) تعريض أطفالهم للخطر؛ لأن هذه الألعاب قد تسبب حروقًا وتشوهات دائمة.

 

2) التسبب في إيذاء الآخرين، سواء بإزعاجهم أو إصابتهم.

 

3) تشجيع السلوك الفوضوي الذي قد يتحول إلى استهتار بالقوانين والنظام العام.

 

ثالثًا: كيفية نصح الأطفال بحكمة

 

يجب أن يكون النصح للأطفال بطريقة تربوية، وليس بالتوبيخ والعنف، ومن ذلك:

 

1) شرح المخاطر لهم بلغة بسيطة: يمكن إخبارهم بقصص حقيقية عن حوادث وقعت بسبب الألعاب النارية، مع استخدام صور أو فيديوهات توضح خطورتها.

 

2) إيجاد بدائل آمنة: تشجيعهم على اللعب بوسائل أخرى غير خطرة، مثل الألعاب الجماعية أو المسابقات الرمضانية.

 

3) استخدام القدوة: إذا رأوا أن الكبار لا يشترون هذه الألعاب، فلن يتحمسوا لها.

 

4) توجيههم إلى أن رمضان شهر عبادة وهدوء: وبيان أن اللعب يجب ألا يكون مصدر أذى للآخرين.

 

رابعًا: كيفية التعامل مع البائعين الذين يبيعون الألعاب النارية

 

البائعون الذين يبيعون هذه الألعاب للأطفال يتحملون جزءًا كبيرًا من المسؤولية؛ لأنهم يروجون لما يؤذي الناس، ويمكن نصحهم بعدة طرق:

 

1) توضيح الحكم الشـرعي لهم، وأن بيع هذه الألعاب للأطفال يعد من التعاون على الإثم والعدوان، قال تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾.

 

2) تحذيرهم من الأضرار القانونية: فبعض الدول تفرض عقوبات على بيع هذه الألعاب للقاصرين.

 

3) حثهم على كسب المال من الحلال، وتشجيعهم على بيع أشياء نافعة بدلًا من هذه المواد الخطرة.

 

4) إبلاغ الجهات المختصة في حال استمرار بيعهم لهذه المواد دون مراعاة لخطورتها.

 

خامسًا: دور المجتمع والمسؤولين في مواجهة الظاهرة

 

ويتمثل ذلك في النقاط التالية:

 

1) تنظيم حملات توعية في الأحياء والمساجد والمدارس، لبيان مخاطر الألعاب النارية.

 

2) فرض قيود على بيع هذه الألعاب، بحيث لا تباع للأطفال، ويتم تقنين استخدامها.

 

3) تعزيز دور الإعلام في نشـر الوعي حول أضرارها، وتحذير الناس من مخاطرها.

 

4) تعاون الأهل مع الجهات الأمنية والمحلية لمنع بيع هذه الألعاب بشكل غير قانوني.

 

ختامًا: ماذا يجب أن نفعل كمجتمع؟

 

* يجب على الآباء أن يكونوا أكثر وعيًا بأبنائهم، ويمنعوهم من شراء أو استخدام هذه الألعاب.

 

* على المعلمين والخطباء والدعاة أن يخصصوا جزءًا من خطابهم لتوعية الناس بهذه الظاهرة.

 

* على التجار أن يخافوا الله، ولا يجعلوا المال هدفهم على حساب سلامة الناس.

 

* على الجميع أن يتعاونوا في التبليغ عن المحلات التي تبيع هذه الألعاب للأطفال.

 

ونسأل الله تعالى أن يحفظ الأبناء والبنات، وأن يهديهم جميعًا لأحسن الأخلاق، وأن يُجنبهم كل ما يؤذيهم أو يؤذي غيرهم... وصلّ اللهم وسلّم وبارك على معلّم الناس الخير.