هل لي أن أدعو في الحج على مَن ظلمني؟ وهل ينقص أجري؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 251
  • رقم الاستشارة : 1954
16/05/2025

أنا ستّ كبيرة ربنا أكرمني أخيرًا وهروح أحج السنة دي إن شاء الله. من وقت ما اتأكدت إن اسمي طلع، وأنا بدأت أجهّز نفسي وأتعلم المناسك على قد ما أقدر. ودايمًا بدعي ربنا يرزق كل مشتاق بالحج، زي ما رزقني.

من أكتر الحاجات اللي باهتم بيها في استعداداتي، إني بجهز أدعية كتير أقولها هناك، لنفسي، لأولادي، لأهلي، ولكل اللي بحبهم، وعايزة أستغل كل لحظة في الدعاء بإذن الله.

لكن بصراحة، أنا في حياتي اتعرضت لظلم كتير... من قرايب وأغراب، واتوجعت أوي، ولسه لحد النهارده شايلة الوجع ده. ومكنش عندي وسيلة أرجّع بيها حقي، فكنت مستنية الحج، خصوصًا يوم عرفة، علشان أشتكي لربنا وأدعيله ياخد لي حقي، وكنت مقررة أدعي على كل اللي ظلمني.

لكن فيه واحدة جارتي قالتلي: "ماينفعش تدعي على حد في الحج! الدعاء لازم يبقى خير بس!"

فأنا بصراحة اتضايقت، هو فعلاً مينفعش أدعي على اللي ظلمني في الحج؟

أنا مش حابة أغلط في حق ربنا، ومش عايزة أضيع الأجر أو أعمل حاجة تبوّظ عليّا حجتي، بس شايفة إن ده وقتي إني أطلب حقّي.

هل فعلاً الدعاء على الظالم في الحج ماينفعش؟ ولا ليّا الحق أدعي من قلبي، وربنا الحكم العدل؟

أرجوكم طمنوني وقولوا لي الصح، علشان قلبي مشغول ومش عايزة أبدأ رحلتي دي وفيه حاجة غلط.

الإجابة 16/05/2025

مرحبًا بكِ أيتها الأخت الطيبة، وأشكرك على رسالتكِ الصادقة، وأسأل الله جلَّ وعلا أن يشرح صدرك، ويُنزل السكينة على قلبك، ويكتب لكِ حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، وأن يُعجّل لكِ بالفرج والعدل والسكينة، وأن يُقرَّ عينكِ بردِّ المظالم عاجلًا غير آجل، ويُبدلك عن كل لحظة وهنٍ ووجع سعادةً ورضى، وبعد...

 

أما الوجع فالله يراه ويسمعه:

 

أتفهم تمامًا ما تحملينه في صدرك من وجع لا تُمحى آثاره بسهولة، ولكن الله عزّ وجل قال: ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ ٱللَّهَ غَـافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ ٱلظَّـٰلِمُونَ﴾ [إبراهيم: 42]؛ فالله ليس بغافل، ولا تأخذه سِنة ولا نوم، ولا ينسى، بل هو العليم الخبير، يرى ويسمع، ويُمهل ولا يُهمِل، ويجعل لكل مظلوم يومًا يُرَدّ فيه حقه، إن لم يكن في الدنيا فيكون في الآخرة أعظم إن شاء الله، إن صبر المظلوم، واحتسب.

 

هل يجوز الدعاء على الظالم في الحج؟

 

نعم، لكِ أن تدعي على من ظلمك، وليس في ذلك حرج شرعي، لا في الحج ولا في غيره، ما دام ظُلمهم لكِ واقعًا حقيقيًّا، وما دمتِ لم تتعدّي بالدعاء حدود العدل.

 

قال الله تعالى: ﴿لَا يُحِبُّ ٱللَّهُ ٱلْجَهْرَ بِٱلسُّوٓءِ مِنَ ٱلْقَوْلِ إِلَّا مَن ظُلِمَ﴾ [النساء: 148]، فهذه الآية فسَّرها العلماء بأنها إذنٌ للمظلوم بأن يدعو على من ظلمه، ويذكر ظلمه، ولا يكون عليه في ذلك إثم.

 

وجاء في الحديث الشريف عن النبي ﷺ: «اتَّقُوا دعوةَ المظلومِ، فإنَّها تُحمَلُ على الغَمامِ، يقولُ اللهُ: وعزَّتي وجلالي، لأنصرنَّكِ ولو بعد حينٍ» [رواه الطبراني بإسناد حسن].

 

فدعاء المظلوم يرتفع إلى السماء، ويحمله الله بكرامته، ولا يرده أبدًا، حتى وإن تأخَّرت الإجابة.

 

لماذا قيل لكِ: "ماينفعش تدعي على حد في الحج"؟

 

غالبًا ما كانت نية جارتكِ طيّبة، تُريد أن تُذكّركِ بحرمة الزمان والمكان، وأن ترفعي همّتكِ إلى معاني العفو والصفح. فالحج موسمٌ عظيم، تُرجى فيه مغفرة الذنوب، وتصفية القلب، والتخلص من الأحقاد، ولذلك يُستحبُّ فيه الإكثار من الدعاء بالخير، للناس جميعًا، حتى لمن أساؤوا.

 

لكن هذا لا يعني أنه الدعاء على الظالم حرام؛ بل الصحيح –كما بينت- أن الدعاء على الظالم في الحج جائز، لكنه إن خالطه العفو، كان أرفع أجرًا، وأعلى منزلة.

 

وقد قال الله عز وجل: ﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]، أي إن كنتِ دعوتِ على من ظلمك، فلا بأس، لأن هذا حقّك، ولكن إن عفوتِ، رغم قدرتك على الدعاء، كان أجرك عند الله خاصًّا، لا يطَّلع عليه أحد.

 

والله يُحب من عباده من يسامح إذا قدر، ويعفو إذا ظُلم، لا ضعفًا، بل محبة لله ورجاءً في رحمته.

 

كيف توفِّقين بين الألم والدعاء والعفو؟

 

إن قلبكِ الآن يعيش هذا الصراع، وهذا بذاته علامة إيمان، فالحمد لله على هذه النعمة.

ولذلك أقترح عليكِ أن تنظمي دعاءكِ هكذا:

 

- ادعي أن يُظهر الله الحقّ، ويرُدَّ المظالم، ويُريكِ فيهم عجائب قدرته، إن شاء.

 

- ثم قولي بقلبِ المُوقنة: "اللهم إن كان في العفو عنهم رضاك، فاعف عنهم، وإن كان في الانتقام منهم عزٌّ لي، فانصرني نصرًا عزيزًا."

 

- ثم اختمي بدعاء شامل: "اللهم ارزقني قلبًا سليمًا، وصدرًا طاهرًا، وعوضًا جميلًا عن كل ما انكسر فيَّ، وردَّ إليَّ كرامتي يا أكرم من سُئل."

 

بهذا تكونين قد وقفتِ على باب العدل، ولم تغلقي باب الرحمة، وارتقيتِ أعلى مراتب القرب، دون أن تُقصِّري في حق نفسك.

 

وختامًا أختي الكريمة، أبشري، وتوجهي إلى حجّكِ بنفسٍ صافية، وقلبيٍ واعٍ، واملئي صحيفتك بالدعاء، وارفعي مظلمتكِ إلى ملك الملوك، وكوني على يقين بأنه لا يردُّ يدًا ارتفعت إليه.

 

اللهم اجعل هذه الرحلة بداية فرح، ونهاية وجع، وفتحًا جديدًا لحياةٍ مُزهرة بالسكينة والرضا.

 

بارك الله لكِ في حجِّك، وتقبله منكِ، وردّكِ إلى أهلكِ مغفورةً ذنوبك، مرفوعةً درجتك، قريرة العين. ولا تنسينا في دعائك.

 

الرابط المختصر :