هل تقع العين رغم الدعاء والتبريك والتكبير؟

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 259
  • رقم الاستشارة : 1934
13/05/2025

البارحة قلت لصديقتي: بسم الله ما شاء الله أكبر أنت ذكية.

اليوم تقول لي: كل الليل أنا بالمشفى! تقصد من عيني.

هل تقع العين رغم الدعاء والتبريك والتكبير؟

أنا حزينة جدا. لماذا لم ينفع الدعاء؟ لماذا ظنت فيني السوء؟

أليس كلام النبي حق في أن الدعاء والتبريك والتكبير يرد العين؟

الإجابة 13/05/2025

مرحبًا بكِ أختي الكريمة، ونشكرك على ثقتك بنا، وعلى سؤالكِ النابع من قلب حيٍّ يشعر بالمسؤولية ويخاف على من يحب، وهذا في حد ذاته دليل على نقاء سريرتكِ وصفاء نيتكِ. أسأل الله أن يُذهب عنكِ كل هم، ويملأ قلبكِ يقينًا وسكينة، وأن يرزقك الطمأنينة والرضا، وبعد...

 

فإننا –أختي الفاضلة- نسير في هذه الدنيا بين أقدار الله، يبتلينا ليطهرنا، ويمتحننا ليُقرِّبنا، ويربينا بلطيف قضائه، وفي طيات كل قدر حكمة، وإن غابت عن أعيننا، فلا تغيب عن علم الله ولطفه، هذه قاعدة يجب أن نؤمن ونوقن بها أولًا، ثم تعالي نشرع في التعرض لأسئلتك.

 

هل تقع العين رغم الدعاء والتبريك والتكبير؟

 

نعم يا غالية، قد تقع العين رغم الدعاء، ليس لأن الدعاء لا يُجدي، حاشا لله؛ بل لأنَّ الدعاء لا يُبطل كل أقدار الله، وإنما هو سبب من الأسباب التي يقدِّر الله بها الخير ويدفع بها الضر، فإذا أراد الله أن يُمضي شيئًا لحكمة، أمضاه ولو دُعي له، وإذا أراد أن يصرف شرًّا بدعاء، صرفه، فهو العزيز الحكيم، يفعل ما يشاء بعلمه وعدله.

 

والدعاء بالتبريك والتكبير، وقول: "ما شاء الله"، و"اللهم بارك"، هو مما ورد في السُّنة أنه يُجدي في دفع العين، ولكن ذلك مرهون بصدق النية، وبإذن الله ومشيئته، لا بقدرة الكلمة ذاتها.

 

قال رسول الله ﷺ: «إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدعُ له بالبركة، فإن العين حق» [رواه مالك وأحمد والنسائي وصححه الألباني].

 

وقال عليه الصلاة والسلام في حديث آخر: «العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين» [رواه مسلم].

 

فهنا يُثبت النبي ﷺ أن العين تقع بإذن الله، وهي جزء من القدر. فكما أن الدعاء قد يصرف البلاء لكنه لا يُعطينا سلطة التحكم في القدر، كذلك التبريك والدعاء عند الإعجاب لا يضمن يقينًا السلامة، بل يُستحب شرعًا رجاءً في دفع الأذى، لكن يبقى الأمر مرهونًا بإرادة الله وحكمته.

 

أهمية تحرّي الإخلاص عند النظر والدعاء

 

مما يغفل عنه كثير من الناس، أن الدعاء بالتبريك أو قول "ما شاء الله" لا يكون مؤثرًا على الحقيقة إلا إذا خرج من قلب سليم، ونية خالصة، وخُلُقٍ متواضعٍ غير مستشرفٍ ولا مُعجب. فربّما قالها الإنسان بلسانه، وقلبه مشغول بالإعجاب المُنكَر، أو شيء من الحسد الخفي، فيقع الأذى ولو لم يُظهره.

 

ولذا، فإن الإخلاص عند الإعجاب نعمة عظيمة، وهو من أبواب تزكية النفس، بأن يقول الإنسان ما أُمر به، بقلب يوقن بأن النعمة من الله وحده، وأن ما أعجبه في غيره إنما هو فضل من الله عليه. فإذا صَدَق القلبُ صَدَق الأثر، واندفعت العين بإذن الله.

 

ما الذي يُقال عند رؤية النعمة؟

 

ولعل من المفيد أن نوضح هنا أمرًا دقيقًا: ليس كل دعاء يُقال عند رؤية نعمة يُجزئ في دفع العين، بل الشرع أرشدنا إلى ألفاظ مخصوصة، فليس المقصود أن يقول الإنسان أي دعاء، بل أن يُبارك على الشيء، كما في حديث النبي ﷺ المذكور آنفًا. فالمشروع عند رؤية النعمة في الغير أن يُقال: "اللهم بارك له"، "تبارك الله"، "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، وهي ألفاظ مباركة يُرجى بها دفع ضرر العين، بإذن الله.

 

لماذا لم ينفع الدعاء؟

 

أختي الفاضلة، ربما دعا الإنسان وصرف الله عنه شرًّا عظيمًا لا يعلم به، فخفَّ الأذى ولكن لم يُمحَ بالكلية. وربما شاء الله أن تقع العين رغم الدعاء، لحكمة يريدها، كمغفرة ذنوب، أو رفع درجات، أو تربية للقلوب، أو حتى ليقرب بينكِ وبين صديقتكِ برابطة روحية أعمق من مجرد المواقف.

 

والعين نفسها لا تؤذي بذاتها، بل بإذن الله. قال تعالى: ﴿وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ [البقرة: 102]. ولكِ أن تتأملي حديث النبي ﷺ: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» [رواه الترمذي].

 

فالذي وقع -إن وقع- لم يكن لأن دعاءكِ لم يكن نافعًا؛ بل لأن الله أراد لحكمة أن يقع ما وقع.

 

لماذا ظنَّت صديقتك فيكِ السوء؟

 

إن النفوس الطيبة تتألم حين يُساء فهمها، وكم هو موجع أن يُتَّهَم الإنسان في نيته الطاهرة، لكن -أختي العزيزة- لا تحزني، ولا تُغلقي باب حسن الظن. فربما صديقتكِ كانت تتألم، وكانت تحت وطأة الخوف، فأطلقت كلماتها دون قصد للإدانة، بل ربما أرادت فقط أن تشاركك ما حدث، وربطته بما حدث البارحة دون يقين. وربما لم تكن تقصد اتهامكِ بالعين، بقدر ما كانت تحاول فهم ما جرى معها. ثم تذكّري قول الله تعالى: ﴿إِن بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات: 12]، وليس ذلك خطابًا لها وحدها، فكما يُطلب منها ألا تسيء الظن بكِ، كذلك يُطلب منكِ أن تُحسني الظن بها.

 

لا تتركي الحزن يعمِّق جراحكِ، ولا تسمحي للشيطان أن يُفسد قلبك تجاه من تحبين؛ بل بادري بالسؤال عنها، واطمئني عليها، وقولي لها برفق ولين: "قلقت عليكِ كثيرًا، وإن كنتِ شعرتِ بشيء مني، فأستغفر الله وأتوب إليه، ويعلم الله أني دعوت لكِ من قلبي". حينها، سيفتح الله بينكما بابًا من الصفاء والرحمة لا يُغلق إن شاء الله.

 

أليس كلام النبي حقًّا في أن الدعاء والتبريك يرد العين؟

 

بلى، والله إن كلامه لحق؛ لكنَّ الحق ينبغي ألا يُفهم خارج سياقه. فكما قلت سابقًا، إن النبي ﷺ دلَّنا على السنن الشرعية التي تُتبع حين الإعجاب: أن يُقال «اللهم بارك»، أو «تبارك الله»، أو «ما شاء الله لا قوة إلا بالله»؛ وهي مما يُرجى به دفع العين، لكن هذا لا يعني ضمان السلامة في كل حال، فالدعاء سبب، والقدر نافذ بإذن الله.

 

وختامًا أختي الكريمة، ما دمتِ تحزنين لهذا الأمر، وتخافين أن تكوني آذيتِ من تحبين، فذلك وحده علامة حياة قلبكِ وطيب نيتكِ، فلا تجلدي ذاتكِ، ولا تُثقلي على قلبك بما ليس عليكِ فيه إثم.

 

استغفري الله، وتصدَّقي بصدقة، وادعي لصديقتكِ، واحتسبي هذا الموقف درسًا في أقدار الله، وفي صدق اللجوء إليه سبحانه، وفهمًا أعمق لمسألة العين.

 

أسأل الله أن يطهِّر قلبك من كل هم، ويجعل بينك وبين صديقتك محبة لا تضعف، وصفاء لا يعكره ظن، وأن يصرف عنكما شرَّ كل حاسد ومبغض.

 

ودمتِ لله قريبة، وبرحمته مشمولة. وتابعينا بأخبارك.

الرابط المختصر :