الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
56 - رقم الاستشارة : 1823
03/05/2025
السلام عليكم، أنا زوجة وأم لطفلين، وبشتغل شغل جزئي، وحياتي مشغولة بين البيت والولاد والشغل، وبحاول قد ما أقدر أضل قريبة من ربنا، أصلي، أقرأ قرآن، وأحافظ على ديني. بس بصراحة، كل ما أتذكر القبر، بخاف كتير، وبحس قلبي بينقبض.
بتيجيني أفكار: يا ترى أنا جاهزة لهاليوم؟ اللي بعمله كفاية؟ طاعتي بظروف تعبي ومشاغلي بتنقبل؟
بحس إني مقصّرة، وبسأل حالي: كيف ممكن أعيش وأنا مرتاحة من جوّا، مطمئنة، وأنا بجهّز لليوم اللي راح أترك فيه هالدنيا؟
كيف أخلّي علاقتي مع ربنا أقوى، وأنا أصلاً يومي مليان؟
مرحبًا بكِ –أختي الفاضلة- وأشكرك على رسالتك الصادقة، وعلى ثقتكِ بنا. جعل الله كلماتكِ في ميزان حسناتك، وشرح صدركِ، وقرَّ عينكِ بصلاحكِ وصلاح ذريَّتك، ورزقكِ الطمأنينة التي لا تفارق القلب أبدًا، لا في الدنيا ولا في الآخرة، وبعد...
فإن مجرد هذا الشعور منك –أختي الكريمة- علامة من علامات النجاة. فالخوف من الآخرة، والشعور بالتقصير، وتساؤلك: هل أنا مستعدة؟ هل سيقبلني ربي؟ أوضح دليل على أنكِ في الطريق إليه سبحانه، وأنكِ صاحبة قلبٍ يتقلَّب بين الخوف والرجاء، وهما جناحا المؤمن.
هل خوفكِ من القبر طبيعي؟
نعم؛ بل أكثر من طبيعي. إن هذا الخوف علامة حياة، وعلامة إيمان. قال رسول الله ﷺ: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا، ولبكيتم كثيرًا» [رواه البخاري]. بل إن رسول الله ﷺ -وهو المعصوم- وقف عند القبر وبكى، حتى ابتل الثرى، وقال: "يا إخواني! لمثل هذا فأعدُّوا" [رواه ابن ماجة]. فإذا كان هذا حال النبي ﷺ فكيف لا نخاف نحن؟
لكن المهم -أيتها الطيبة- هو نوعية هذا الخوف؛ فهناك خوفٌ يُثقِل النفس، ويُبعدها، ويزرع فيها القنوط، وهذا مرفوض. وهناك خوفٌ يدفعكِ للاستعداد، للبذل، لطلب الطمأنينة، لتقوى الله وإرضائه، وهذا هو الخوف المحمود.
وما أخبرتنا به في رسالتك يوضح أن ما عندك هو هذا الخوف المحمود المرغوب، الخوف الذي يدل على أن قلبكِ حيٌّ بذكر الله، وهذا ما يبعث على الرجاء الكبير.
هل ما تفعلينه كافٍ؟ وهل تُقبل طاعتكِ في ظل انشغالكِ؟
تعالي –أيتها الفاضلة- لننظر للأمر من عدل الله ورحمته، لا من قسوة ظنوننا بأنفسنا؛ إن الله جلَّ جلاله قد قال: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [البقرة: 286]. وأنتِ أُمٌّ، وزوجة، وموظفة، ومجاهدة في دنيا مثقلة بالواجبات، والله يعلم مشقَّتك، ويرى قلبك، ويعلم نيَّتك، وهي عنده أعظم من أفعالك أحيانًا، فقد قال رسول الله ﷺ: "إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امرئ ما نوى" [متفق عليه].
فحين تقومين على رعاية أولادكِ بنيَّة تربيتهم على تقوى الله ونفع أمتهم وأنفسهم، فأنت في طاعة وعبادة. وحين تتعبين في عملك بنيَّة الكفاية والعفاف، فأنت في طاعة وعبادة. وحين تُغالبين النعاس في صلاة، أو تحاولين ختم وردك وأنت متعبة أو مشغولة، فذلك عند الله لا يضيع أبدًا؛ قال الله تعالى: ﴿إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا﴾ [الكهف: 30]. فثقي أنه –سبحانه- يرى كفاحك، ويحسب لكِ كل خطوة في سبيله.
كيف تجدين الطمأنينة رغم مشاغلك؟
اطمئني، فالطمأنينة ليست حكرًا على من خلا بنفسه في محراب؛ بل قد تكون أعظم في قلب مَن يتنقل بين المهام، ويرعى أطفاله، ويخدم بيته، وهو مع ذلك يواظب على العبادات المحضة، ويتنفَّل كلما وجد فرصة.
وإليكِ بعض المفاتيح:
1- الذِّكر، الذِّكر، الذِّكر:
فهو من أيسر العبادات وأعظمها أجرًا، فاجعليه رفيقكِ في المطبخ، في الطريق، في أوقات الانتظار، وقد قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28].
اجعلي لسانكِ رطبًا بـ: «سبحان الله»، و«الحمد لله»، و«لا إله إلا الله»، و«الله أكبر»، فهذه الباقيات الصالحات التي تنير القلب وتطرد الوساوس.
2- استحضري النيّة دائمًا:
قبل أي عمل يومي، انوي به وجه الله: انوي بطبخك إطعام من تعولين، انوي بعملك أن تكوني يدًا معطاءة، انوي بترتيب البيت حفظ نعم الله ورعاية الأمانة... وهكذا تتحول مشاغل الدنيا وأعباؤها إلى عبادات تؤجرين عليها من الله.
3- الدعاء المستمر:
اسألي الله العون والثبات والقبول. قولي كل صباح ومساء كما كان ﷺ يقول: "اللهم إني أسألك نفسًا مطمئنة، تؤمن بلقائك، وترضى بقضائك، وتقنع بعطائك" [رواه الطبراني].
ناجي الله بقولك: يا رب، إن قلَّ عملي فلا يقلُّ رجائي فيك، وإن كثرت ذنوبي فإني أطمع في عفوك، فخذ بيدي إليك، وأنتَ أرحم بي من نفسي.
هل يُمكن أن نعيش مطمئنين ونحن نستعد للرحيل؟
نعم، بل هذا هو الإيمان الحق. فالمؤمن ليس بالضرورة الذي لا يخاف الموت، بل الذي يُحسن الاستعداد له دون أن ييأس من رحمة ربه. قال رسول الله ﷺ: "من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه" [رواه البخاري]، وليس حبُّ اللقاء أننا لا نهاب، بل أننا نشتاق إلى وجه الله ورضاه رغم شعورنا بالضعف والهيبة.
حين تعيشين يومكِ بذِكرٍ، واستحضار نية، وتوبة كل ليلة، وحب لله صادق، فهذا هو الطريق إلى الطمأنينة، وهو طريق الذين قال الله فيهم: ﴿إنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ [فصلت: 30].
وختامًا -أيتها الطيبة- ما دمتِ تسألين هذا السؤال، وتقلقين لهذا اليوم، فأنتِ في نعمة عظيمة. فالله ما أيقظ قلبكِ وأنطق لسانك بهذا السؤال إلا لأنه يريد أن يُقربك. وما جعلكِ تخافين القبر إلا لأنه يريد أن يُؤمِّنكِ يوم تدخلينه. فثقي به، واطمئني إليه، وسيري على درب الحب والطاعة ولو بخطوات متعثرة.
إن الله ينظر إلى قلبك، ويجزي على النوايا، وتذكري أنه يحبك، ويراكِ، ويسمعك، وهو أرحم بك من نفسكِ.
جعل الله لكِ من كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل خوفٍ أمنًا، ومن كل قلقٍ سكينة، ورزقكِ الحياة الطيبة في الدنيا، وجعل لكِ عند لقائه مقامًا محمودًا، آمين.