الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : شبهات وردود
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
73 - رقم الاستشارة : 3012
20/10/2025
ترددت أنباء عن منع بعض الأشخاص من عقد دورات تدريبية بسبب شبهات حول ترويجه الإلحاد الروحي.. فما هو الإلحاد الروحي؟
أخي الكريم، الإشكالية التي يدور حولها ما يسمى بـ"الإلحـاد الروحي" هي: هل يمكنني أن أكون روحانيًّا دون أن أكون متدينًا؟ أو يمكن أن أحصل على طمأنينة الروح دون أن أكون مؤمنًا بالله أو من سبيل غير الدين؟
"الإلحاد الروحي" يتجلى في بعض المظاهر حولنا، فهو يتخفى بالكلمات البراقة، والفخامة والعصرية في عرض المعلومة، والأشخاص ذوي الوسامة، لكي يخفي حقيقته الإلحادية.
وقد رأينا بعض الأشخاص في كثير من مناطق العالم ومنها المنطقة العربية يعقدون دورات تدريبية في التنمية البشرية، والتأمل الذاتي، ويمارسون القفز والصراخ والتلويح بالأيدي بصورة هستيرية، وكأن تلك الحركات الغريبة يمكن أن تُوجد الطمأنينة الروحية الناتجة عن الإيمان بالله تعالى.
مــا هو الإلحــــــــاد الروحي؟
الروح هي الثغرة الكبيرة في العلمانية التي تسعى لعلاجها لكنها لن تتمكن؛ لأنه لا يمكن أن يتجاور الإيمان مع الإلحاد، ولا يمكن أن يتجاور وجود الاعتقاد بوجود الله سبحانه وتعالى وبين نفي وجوده.
البحث الإلحادي عن الطمأنينة التي ينشئها الإيمان في النفس ما زال في طور التجريب، ومرحلة البحث عن بديل تقبله العلمانية؛ لذا تم اختبار الكثير من الأفكار والبرامج وبخاصة في التنمية البشرية والأديان الأرضية التي لا تنبثق عنها تكاليف أو شرائع مثل البوذية لتكون بديلاً مقبولاً للعلمانية خشية أن تؤدي الروحانية إلى استحضار فعالية الدين من جديد في الحياة والمجال العام.
الإلحاد الروحي يمكن تعريفه بأنه مفهوم يرفض اعتبار الله مالكًا وفاعلاً في الكون، ولكن هذا الإلحاد يزعم زورًا أن الخالق يشبه الطاقة، وهذه الرؤية ترى أن الكون يتكون من مادة وطاقة، وأن المادة نفسها هي أحد أشكال الطاقة.
ومن هذا الزاوية ينظر الملحد إلى الخالق سبحانه وتعالى على أنه "طاقة"، وبالتالي فإن قدرة الشخص على إيجاد هذه الطاقة والتعامل معها يمكن أن يحقق له الأمان والطمأنينة، على اعتبار أن الطاقة تعني الاتصال، وإذا فهمنا الروح على أنها طاقة فمن الممكن أن نبني حياة الإنسان على قيم العقل والعلم بعيدًا عن الدين، وهذا يعني أن العلمانية لم تبرح مفهوم المادية حتى في فهمها للروح والروحانية.
الروحانية والطاقــة
الإلحاد الروحي يرى أن ما يحقق الترابط في هذا الكون هو الطاقة، ومن خلال هذا الفهم يمكن بناء أنظمة بديلة للإيمان بالله تعالى، تحقق الأمان والطمأنينة للفرد، كما أن تلك الروحانية الإلحادية تحاول أن تجد إجابات للأسئلة الكبرى التي تواجه الإنسان وخاصة قضية الموت، وما بعد الموت، من خلال الدخول في تجارب تأملية يمكن أن تكون بديلاً عن الدين.
نظر أحد رواد تلك الفكرة السامة وهو "سام هاريس" في كتابه "الاستيقاظ: دليل للروحانية بلا دين" إلى الروحانية على أنها حاجة بيولوجية اجتماعية وامتداد للطبيعة البيولوجية للإنسان، وهذا الامتداد يؤكد اتصال الإنسان بذات أكبر، وأن هذا الاندماج يأتي من خلال التأمل الدقيق، ومن ثم تصبح الروحانية -حسب هاريس- سعيًا عقلانيًّا لاستكشاف الحقائق الموجودة في الطبيعة، وهذا لا يتطلب وجود أي اعتقاد ديني، ولكن يكفي السعي العقلاني المنهجي.
أما الفيزيائي الأمريكي "آلان لايتمان" في كتابه "العقل المتسامي.. الروحانية في عصر العلم" فادّعى أن الكون كله مصنوع من مواد مادية فقط، وأن هذه المواد يحكمها عدد صغير من القوانين الأساسية، وأنه يمكن أن يطلق على نفسه أنه روحاني مادي، وهذا يربط الإنسان بالرهبة وتقدير الجمال.
وكذلك كتاب "التلذذ" لـ "فريد ب. براينت" و"جوزيف فيروف" اللذين رأيا أن الروحانية تُصنع من خلال التجربة الإيجابية في حياة الشخص وتعزيزها من خلال أربعة أشكال هي: الشكر والتعجب والتشمس والتمتع، ومن ثم فهما يريان أن الروحانية تأتي من خلال صنع المعنى، ذلك المعنى المرتبط بشيء أكبر من الذات الإنسانية، والبحث عن الخير والقيمة من خارج الذات الإنسانية.
ويمكن تحديد الطرق التي يفكر فيها الإلحاد في الروحانية بثلاث طرق تفكير:
* الترابط بين الذات الإنسان والعالم الطبيعي أو الكون.
* الشوق الإنساني لأن يكون هناك شيء أفضل بعد الموت، وهذا الشوق لا شك أنه يتجاوز مفهوم وخصائص المادة.
* السعي لعقلنة ألا تكون الذات منفصلة عن الحقائق الأساسية في الكون.
هذه المحددات الثلاثة حفزت الملحدين إلى ضرورة إيجاد آليات لتنمية الروحانية، ولذا رأوا في التأمل وسيلة لتحقيق ذلك، ورأوا في مفهوم الطاقة مخرجًا من المادية الفجة.
روابط ذات صلة:
الروحانية اللادينية.. الطمأنينة بلا دين