الإستشارة - المستشار : أ. فتحي عبد الستار
- القسم : إيمانية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
90 - رقم الاستشارة : 1746
26/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما أدعو الله وأرجوه، أشعر أحيانًا أنني لا أستشعر قربه كما ينبغي، وكأن دعائي مجرد كلمات تخرج دون إحساس. لقد مررت ببعض المواقف الصعبة مؤخرًا، وأجد في الدعاء ملاذي وسلوتي. لكنني أخشى أن يكون قلبي غافلًا.
كيف أستطيع أن أدعو الله بقلب حاضر؟ وأشعر بقربه وأنا أناجيه؟
هل هناك أمور معينة أقوم بها ليحضر قلبي وأشعر بالخشوع أثناء الدعاء؟
أختي الكريمة، مرحبًا بك، وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يرزقكِ قلبًا خاشعًا، ولسانًا ذاكرًا، وعينًا دامعة من خشيته، وأن يتقبل دعاءكِ، ويجيب سُؤلكِ، ويفرِّج همكِ، وييسر أمركِ، ويجعلكِ من الفائزين في الدنيا والآخرة، وبعد...
فإن الدعاء هو صلة بين العبد وربه، وهو سلاح المؤمن في مواجهة صعاب الحياة، ومفتاح الفرج واليسر. وقد وصفه الله –تعالى- بأنه العبادة، فقال: ﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر: 60].
لكن الشيطان قد يوسوس للإنسان، ويحاول أن يجعله يشعر بالفتور أو الغفلة أثناء الدعاء، ليحرمه من لذة المناجاة وحلاوة القرب من الله. وهذا ما تشعرين به أحيانًا، وهو أمر طبيعي قد نمر به جميعًا، ولكن الأهم هو ألا نستسلم لهذه الوساوس، وأن نسعى جاهدين لتحقيق حضور القلب والخشوع في الدعاء.
وإليكِ بعض الأمور التي قد تساعدكِ على الدعاء بقلب حاضر، والشعور بقرب الله وأنتِ تناجينه:
1- استحضار عظمة الله وقدرته:
قبل البدء في الدعاء، حاولي أن تستشعري عظمة الله وجلاله وقدرته على كل شيء. تذكَّري أسماءه الحسنى وصفاته العلى، وتفكري في خلقه العظيم، وكيف أنه -سبحانه وتعالى- هو القادر على أن يغير الأحوال، ويقلب الموازين، ويجيب دعوة المضطرين. قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف: 180].
2- التضرع والخشوع:
الدعاء ليس مجرد كلمات تقال؛ بل هو تضرع وابتهال إلى الله تعالى. حاولي أن تتذللي بين يديه، وتعترفي بضعفك وحاجتك إليه، وتُظهري خشوعك وانكسارك. قال تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [الأعراف: 55].
3- استحضار القلب:
حاولي أن تفرغي قلبكِ من كل الشواغل والهموم الدنيوية قبل البدء في الدعاء. ابتعدي عن كل ما يشوش ذهنكِ ويشتت انتباهكِ، وركزي على مناجاة الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلب غافل لاهٍ» [رواه الترمذي وحسَّنه الألباني].
4- اختيار الأوقات والأماكن الفاضلة:
هناك أوقات وأماكن يستجاب فيها الدعاء بإذن الله تعالى، مثل: الثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وعند السجود، وفي يوم الجمعة. فحاولي أن تتحري هذه الأوقات والأماكن، وتغتنميها في الدعاء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء» [رواه مسلم].
5- الدعاء بأدب وإخلاص:
ابدئي دعاءكِ بالحمد والثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ادعي لنفسكِ ولأهلكِ وللمسلمين. وتخيري من جوامع الدعاء، ولا تستعجلي الإجابة، وكوني موقنة بأن الله –تعالى- سيستجيب لكِ في الوقت المناسب وبالطريقة التي يراها خيرًا لكِ. قال تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ [البقرة: 186].
6- تكرار الدعاء والإلحاح فيه:
لا تملِّي من الدعاء، ولا تيأسي من رحمة الله تعالى؛ بل كرري الدعاء وألحي فيه، ولا تجعلي الدعاء ملاذكِ فقط في أوقات الشدة، بل ادعي الله تعالى في جميع الأحوال، في السراء والضراء، فإن ذلك من علامات الإيمان الصادق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سرَّه أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب، فليكثر الدعاء في الرخاء». [رواه الترمذي وحسنه الألباني]
7- البكاء من خشية الله:
إذا شعرتِ بالخشوع في قلبكِ، ومالت عيناك للبكاء، فدعيهما، فإن الدموع تطفئ غضب الرب وتجلب رحمته. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» [رواه الترمذي وحسنه الألباني].
8- التوبة والاستغفار:
استغفري الله تعالى وتوبي إليه من جميع الذنوب والمعاصي، فإن الذنوب قد تكون سببًا في قسوة القلب، وفي حجب الدعاء وعدم استجابته. قال تعالى: ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ [نوح: 10- 12].
وختامًا –أختي الفاضلة- تذكَّري دائمًا أن الله قريب مجيب، وأنه يسمع دعاءكِ ويعلم حاجتكِ، فلا تيأسي من رحمته، ولا تقنطي من فضله، وثقي به وتوكلي عليه، فإنه نعم المولى ونعم النصير.