Consultation Image

الإستشارة 03/05/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تقدم لابنتي طبيبة الأسنان خاطب درس سنتين فقط في الجامعة فسألته كم معك من القرآن على أساس أن يعوض النقص في تعليمه فقال إنه قد حفظ 17 جزءًا ولكن تحتاج لمراجعة فطلبت منه أن يسمعها لي شرطا لكتابة العقد وأعطيته مهلة 3 أشهر وهذا ما لم يعجب الفتاة وأمها.. فهل أتمسك بشرطي؟

أفيدوني وجزاكم الله خيرا

الإجابة 03/05/2025

أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة الاستشارات الإلكترونية الخاصة بمجلة المجتمع.

 

التكافؤ في الزواج أحد أهم المعايير التي يعتمد عليها الزواج الناجح، وبالطبع يمثل الدين قاعدة الارتكاز الأساسية لهذا التكافؤ الذي بدونه ينهار الزواج (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)، ويبدو لي من رسالتك أن هذا الخاطب لا غبار على دينه وخلقه، ولم تذكر ملاحظات أخرى عليه فتبقى المشكلة في عدم وجود تكافؤ في المستوى التعليمي.

 

 الكفاءة معتبرة

 

عليك أيها الأب الفاضل أن تعرف أن هناك فارقًا بين الكفاءة كشرط فقهي معتبر لصحة الزواج، فهنا يكون التكافؤ الديني والخلقي هو الاعتبار الوحيد المعتبر، أو كما قال ابن القيم في زاد المعاد: "فالذي يقتضيه حكمه ﷺ اعتبار الكفاءة في الدين أصلاً وكمالاً، فلا تزوج مسلمة بكافر، ولا عفيفة بفاجر. ولم يعتبر القرآن والسنة في الكفاءة أمرًا وراء ذلك".

 

أقول هناك فارق بين الكفاءة من هذه الناحية الفقهية وبين الكفاءة كمعيار وشرط للنجاح والسعادة في الزواج، وهي معيار نفسي واجتماعي، ويختلف اختلافًا واسعًا باختلاف الشخصيات والثقافات، وبالتالي فهو أمر نسبي، ومن ذلك المرحلة العمرية، المستوى التعليمي، نوعية المهنة، الخلفية الاجتماعية.. فكثير من البيئات والثقافات يعتبر أمر النسب من أهم المعايير التي ينظر إليها وهو معيار يشبه الطبقة الاجتماعية.

 

ومستوى التعليم في عصرنا الراهن أصبح يمثل ما يشبه الطبقة، ويمكنك أخي الكريم أن تفرق بين منظورين في التكافؤ التعليمي:

 

الأول: هو التعليم بما يمثله من وجاهة اجتماعية أصبحت تمثل ثقافة مجتمعية ليس من السهل تجاوزها؛ فابنتك طبيبة ستجد زميلاتها من الطبيبات وقد تزوجن بأطباء أو بأصحاب مهن ينظر لهم المجتمع نظرة انبهار، وهذا بالتأكيد ليس دليلاً ولا جسرًا لزواج ناجح سعيد؛ لأنه مجرد معيار واحد، إلا أن تجاوزه أيضًا قد يمثل مشكلة ظاهرة أو مستترة، وقد يسبب غيرة وتحسسًا بين الزوجين، خاصة كلما كان الفارق كبيرًا، فهناك طرف درس فيما يقال عنه كلية قمة وهناك طرف لم يكمل تعليمه.. وتزداد المشكلة عندما يكون هذا الفارق لصالح المرأة؛ لأنه قد يمثل مساسًا بمسألة القوامة التي لا تستقر الحياة الزوجية بدونها.

 

الثاني: هو التعليم بما يمثله من ثقافة ونمط حياة وقدرة على التفكير التحليلي، وهنا نحن نتجاوز المجتمع والطبقة، وتصبح المشكلة تتلامس مع مكنونات الشخصية ومشاعرها ودواخلها، وهذا هو المعيار الأصعب، فقد تمتلك القوة لمواجهة المجتمع وتحدي المجتمع والسخرية منه، لكن هذا كله يتكسر على شاطئ النفس الإنسانية إذا لم يكن هناك تقارب وتكافؤ وتفاهم وتفاعل بين الشخصيتين نتيجة هذه التباينات الثقافية.

 

الزواج الناجح

 

في ضوء ما ذكرته لك -يا أخي- يمكن النظر إلى ذلك الخاطب الذي تقدم لابنتك فيبدو لي أنه شاب على خلق ودين، عمره مناسب، يمتلك المال الذي يجعله قادرًا على إدارة البيت، شكله ومظهره مناسب.. لا ينقصه إلا أنه لم يكمل تعليمه فأنت سألته عما يحفظ من القرآن وأمهلته ثلاثة شهور تقوم بعدها بمراجعة حفظه بنفسك ورأيت في حفظه للقرآن ما يجبر عدم استكماله لدراسته.

 

ولكنّ ابنتك وزوجتك معترضتان ولم أفهم على وجه الدقة سبب الاعتراض؛ فهل هو شاب ممتاز تريان أن مسألة الفارق التعليمي لا تعيبه وكانتا تطلبان موافقتك دون أي شروط؟ أم أنهما معترضتان على أسلوبك في تنفيذ الشرط، وتريان أنه تشكيك في الخاطب ولون من ألوان فرض الوصاية عليه؟ أم أنهما معترضتان عليه ولا تريان أن حفظه للقرآن بديلاً مناسبًا للتعليم المدني؟

 

حقيقة، لم أفهم ولم توضح أنت في رسالتك، وليتك تكتب لنا باستفاضة أكبر، وليتك تكتب أيضًا ما هو رد فعل الخاطب على ما وضعته من شروط، لكن على أي حال أنت من حقك كأب وولي أمر أن تشترط ما تريد وتتحقق من كون هذا الرجل يليق بابنتك.

 

أما إذا كانت الابنة رافضة له فهذا حقها ولا يمكن إجبارها على قبول شرطك وإقناعها أن حفظه للقرآن كاف لتعويض الفارق التعليمي وما قد يترتب عليه من فارق اجتماعي. أما إن كانت الفتاة موافقة عليه فمن حقك أنت أيضًا أن تطمئن وتتأكد أن هذا الرجل جدير بابنتك.. لكن هل تظن أخي الكريم أن الشرط الذي وضعته يحقق ذلك فعلاً؟

 

أن يكون زوج ابنتك المستقبلي طالب علم شرعي يحفظ أجزاء كثيرة من القرآن الكريم فهذا أمر طيب حقًّا، ولكن على ألا يكون ذلك سببًا للتفاخر أمام المجتمع ولونًا من التعويض كونه لم يستكمل دراسته.. التفاخر من جهتك أو من جهة ابنتك أو من جهة الخاطب نفسه دليل على ثقة مهزوزة ومخاوف كامنة (بالإضافة طبعًا لقضية الرياء وما يترتب عليها من أحكام).

 

إصرارك أن تختبره بنفسك أيضًا بحاجة لتوضيح، فهل يعني هذا أنك تتشكك فيه وفي صدقه أم ماذا؟ أجب نفسك بصدق، فأن تصل رسالة للزوج المستقبلي أن والد فتاته لا يثق فيه لهو أمر مؤلم حقًّا.

 

هناك أمور أكثر أهمية أدعوك أيها الأب الفاضل أن تتحقق منها أكثر من مجرد اختباره في الحفظ، منها:

 

* دينه وخلقه، فأنا افترضت في كلامي كله أنه صاحب دين وخلق فتأكد من ذلك.. انظر أين هو من المسجد.. اسأل عليه كثيرًا في أكثر من دائرة.. جيرانه.. زملاء العمل.. ناقشه بشكل عفوي في قضايا دينية عامة دون أن يشعر أنه يتم اختباره.

 

* تحدّث إليه كثيرًا، واسمح لابنتك بحضور هذه الأحاديث والاستماع إليها.. انظر مدى ثقته في نفسه.. مدى ترابط أفكاره، هل تراه لائقًا بابنتك؟ هل تراها هي لائقة به؟

 

تأمل -يا أخي- أسلوبه في الكلام والتعامل؛ فالرقي في الكلام غير مرتبط بالدرجة العلمية بشكل وثيق.. إنه أكثر ارتباطًا بالتربية التي تلقاها.. الوسط الاجتماعي الذي يعيش فيه.

 

* أيضًا من النقاط المعتبرة التي يمكن لها أن تساعد في التقييم هي المستوى المادي لهذا الرجل.. المستوى الذي ستعيش فيه ابنتك قد يقلل من الضغط الذي قد تتعرض له بسبب الفارق التعليمي.. أقصد الضغط بجانبيه، المجتمعي الذي يرى في ثراء الرجل تعويضًا مناسبًا لكثير من نواحي القصور.

 

أو الضغط النفسي عندما تستشعر الفتاة أنه يحقق لها رفاهية في المعيشة تعوض الحياة مع رجل في نفس مستواها التعليمي لكنه مأزوم ماديًّا.

 

ويرتبط بالنقطة السابقة أن يمتلك خلق الكرم فالثراء وحده لا يكفي.

 

* انظر أيضًا -أخي الكريم- لعائلته التي ستكون عائلة ابنتك، وانظر أين هم من المكانة اللائقة التي تريد لابنتك أن تعيشها.. انظر لعائلته الكبيرة وأيضًا عائلته الصغيرة، والديه وإخوته، فكثيرًا ما نميل لإعادة إنتاج ما عشناه من علاقات.

 

* وأخيرًا، لا تتعجل في عقد الزواج، وامنح ابنتك فترة خطبة كافية للتعرف عليه وتقييم الوضع.. وفقك الله تعالى وأسعد ابنتك، وتابعنا بما يحدث معك.

الرابط المختصر :