الإستشارة - المستشار : أ. مصطفى عاشور
- القسم : فكرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
40 - رقم الاستشارة : 1824
03/05/2025
ما هي أبرز المؤلفات التي اهتمت بالأطفال وتربيتهم وصحتهم في الحضارة الإسلامية؟
في البداية أشكركم على هذا السؤال، الذي يعيد اكتشاف ذاتنا الحضارية في مجال ذي أهمية، وهو مجال الاهتمام بالأطفال والطفولة ورعايتها صحيًّا وشرعيًّا وحقوقيًّا وتأديبًّا وتعليميًّا.
والحقيقة أن العودة إلى التراث العربي والإسلامي للاستلهام منه ضرورة خاصة في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، وذلك لأن عطاء الحضارة الإسلامية في هذا المجال كان مُؤَسسًا على نظرة فلسفية للوجود والإنسان، ترتكز على التوحيد لله سبحانه وتعالى، وترتكز كذلك على ثنائية التكوين الإنساني من المادة والروح، وتفاعل هذين المرتكزين أنتج الاعتدال، وربط حركة الإنسان بالسماء، وجعل غاية الإنسان واضحة في عمارة الكون وتحقيق الاستخلاف، كذلك حضور الآخرة في الرؤية والتفكير.
هذا الطرح الإسلامي يختلف عن الرؤى المادية، التي قطعت صلتها بالسماء، ونظرت إلى الإنسان من منظور مادي جسدي، لا يضع الإيمان في الأولويات، ولا الآخرة ضمن الغايات.
أما ما يتعلق بسؤالكم عن كيفية اهتمام التراث بالطفل، فالتجربة الحضارية العربية الإسلامية تثبت أن التوحيد وثنائية الإنسان من الروح والمادة كانا حاضرين بكثافة في المنتج التراثي، فنظرت المصنفات للطفل نظرة كلية تهتم بصحته وبنيته ونفسيته وتعليمه وتهذيبه، وحضرت هذه الرؤية في المصنفات والكتب كفصول وأبواب، كما تم تخصيص كتب مستقلة تتحدث عن هؤلاء الأطفال والصبيان ورعايتهم.
ومن ذلك:
*"تحفة المودود بأحكام المولود" لابن القيم (ت: 751هـ)، والذي يقول في مقدمة الكتاب: "وهذا كتاب قصدنا فيه ذكر أحكام المولود المتعلقة به بعد ولادته ما دام صغيرًا من عقيقته وأحكامها وحلق رأسه وتسميته وختانه وبوله وثقب أذنه وأحكام تربيته وأطواره من حين كونه نطفة إلى مستقره في الجنة أو النار"، والكتاب يشتمل على نصائح تؤكد مسؤولية الأب عن أولاده، فنجده يقول: "فما أفسد الأبناء مثل تغفل الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون".
* "جامع جوامع الاختصار والتبيان، فيما يعرض بين المعلمين وآباء الصبيان" تأليف المقرئ الأديب والفقيه "أحمد بن أبي جمعة المغراوي، الوهراني، المالكي" (ت 920هـ = 1514م)، والكتاب يتحدث عن شيء فريد وهو دراسة الحقوق والواجبات التي تتصل بالفريقين المعلمين والمتعلمين، مع الاهتمام بالجانب الفقهي في التعليم.
وفي هذا الكتاب تحدث عن معلم القرآن والقراءة والكتابة والصفات الواجب أن يتحلى بها، فنصح أن يتصف المعلم بالمهابة والجدية، وأن يزجر المتخاذل من التلاميذ في حفظه بالوعيد والتقريع، وأن يتجنب الشتم والكلام البذيء، وأن يؤدب تلاميذه على ألا يقولوا الكذب وألا يتعودوا على السب، ونصحه أن يستعمل اللطف والحكمة والإيحاء لتعويد تلاميذه على ضروب الصفات الفاضلة فيمدح لهم الكرم والشجاعة والأمانة.
ومن الطريف أنه طلب من المعلم أن يتولى بنفسه الفصل بين الصبيان في خصوماتهم، ولا يسلط بعضهم على بعض لأن في ذلك فساد التربية، وتأريث نار العداوة والبغضاء بينهم، ونصح المعلم ألا ينشغل عن التلاميذ أثناء التعليم بشيء، حتى نصح المعلم بأنه لا يجوز له أن يحضر الجنائز ولا يعود المرضى أثناء التعليم.
* أما "الراغب الأصفهاني" (ت: 509هـ=1108م) فتحدث عن العناية بتربية الأطفال والصبيان؛ ففي كتابه "تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين" ذكر أن الخير والشر الذي يكسبه الإنسان ويتخلق به يبقى أثره موروثًا، ومن نصائحه في التربية قوله: "فحق الولد على الوالد أن يأخذه بالآداب الشرعية وإخطار الحق بباله وتعويده فعل الخير، ويجب أن يُصان عن مجالسة الأردياء، لأنه في حال صباه كالشمع يتشكل بكل شكل يتشكل به"...
أما في كتابه "الذريعة إلى مكارم الشريعة" فقال: "حقٌ على المعلم أن يجري متعلميه منه مجرى بنيه، فإنه في الحقيقة أشرف من الأبوين".
*أما "ابن مسكويه" في كتابه "تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق" فتحدث عن مكارم الأخلاق والتأديب وخصص فصلاً بعنوان "تأديب الأحداث والصبيان خاصة"، ومما قاله: "ونفس الصبي ساذجة لم تنتقش بعد بصورة، ولا لها رأي وعزيمة تُمليها من شيءٍ إلى شيء. فإذا نُقِشت بصورة قبِلَتْها نشأ عليها واعتادها".
ومن قوله في آداب الطعام للصبيان: "وأوْلى الآداب بالتقديم أدب المطاعم، التي تُراد للصحة لا للذَّة، ولدفع الجوع وحفظ صحة البدن. ولا يُرَغَّب الصبي في الألوان الكثيرة، وإذا جلس مع غيره فلا يُبادر إلى الطعام، ولا يُحدِّق إليه شديدًا، ولا يُسرع في الأكل.. أما الحلوى والفاكهة فينبغي أن يمتنع عنها البتة إن أمكن، وإلا فيتناول أقلَّ ما يمكن، فإنها تستحيل في بدنه وتُكثِر انحلاله".