Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 97
  • رقم الاستشارة : 1472
31/03/2025

أنا رجل متزوج وأب لعدة أبناء، وأسعى بفضل الله للحفاظ على الفرائض الدينية وأداء واجباتي الأسرية والاجتماعية على أكمل وجه. ورغم حرصي على ذلك فإنني منذ عدة سنوات أواجه مشكلة تؤرقني، حيث أشعر بحالة من الضيق والاكتئاب كلما حلَّت الأعياد أو المناسبات الاجتماعية، فأجد نفسي فاقدًا للقدرة على الاستمتاع بهذه الأوقات التي من المفترض أن تكون مصدرًا للفرح والسرور.

يصبح مزاجي متعكرًا وأشعر برغبة ملحة في العزلة، كما أنني أتضايق سريعًا من أسرتي وأتعامل معهم بانفعال غير معتاد، بل أحيانًا تنتابني نوبات من الحزن العميق ورغبة في البكاء دون سبب واضح. حاولت تجاوز هذا الشعور بشتى الطرق، لكن الأمر يتكرر كل عام، مما يجعلني قلقًا من تأثير ذلك على نفسيتي وعلى علاقتي بأفراد أسرتي.

فما السبب وراء هذا الشعور؟ وكيف يمكنني التغلب عليه من منظور ديني ونفسي؟ جزاكم الله خيرًا.

الإجابة 31/03/2025

أخي الكريم، نرحب بك، ونشكرك على ثقتك بنا في عرض ما يثقل صدرك ويشغل بالك، ونسأل الله العظيم أن يرزقك السكينة والطمأنينة، وأن يملأ قلبك بالرضا والفرح، وأن يجعلك من السعداء في الدنيا والآخرة، وبعد...

 

فما تشعر به من ضيق وحزن في الأعياد والمناسبات هو أمر قد يمر به كثير من الناس، وهو ما يعرف علميًّا باسم «اكتئاب الأعياد» أو «الاضطراب العاطفي الموسمي»، وهو شعور بالحزن أو الكآبة خلال فترات من المفترض أن تكون مليئة بالسعادة. وقد يكون لهذا الشعور أسباب نفسية، وأسباب اجتماعية، وأسباب روحية وإيمانية.

 

وسنحاول في هذه الإجابة أن نتناول جميع الجوانب لنعينك -بإذن الله- على فهم ما تمر به، وكيف تتعامل معه بطريقة صحيحة.

 

أولًا- الجانب الإيماني والروحي

 

إن مشاعر الحزن والكآبة، حتى في الأوقات التي يُفترض أن تكون أوقات فرح، لا تعني ضعف الإيمان، بل قد تكون من طبيعة النفس البشرية، فقد قال الله تعالى عن نبيه يعقوب عليه السلام: ﴿وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَـٰٓأَسَفَىٰ عَلَىٰ يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ﴾ [يوسف: 84].

 

كما أن نبينا محمد ﷺ كان يمر بحالات من الحزن، خصوصًا عند فقد الأحبة، بل إن عامًا كاملًا من حياته ﷺ سُمِّي «عام الحزن» حين فقد زوجته خديجة وعمه أبا طالب. وكان أحيانًا تُرى في عينيه الدموع، كما قال عندما فقد ابنه إبراهيم: «إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا» [رواه البخاري].

 

لذلك، ليس الحزن أمرًا غريبًا أو مستنكرًا، ولكن التحدي هو في التعامل معه بطريقة صحيحة، حتى لا يتحول إلى حالة مستمرة تؤثر على حياتك الأسرية والعبادية.

 

ومن أهم الأمور التي تساعد في تخفيف هذا الشعور من الجانب الإيماني:

 

1- التقرب إلى الله بالدعاء والذِّكر:

 

قال الله تعالى: ﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾ [الرعد: 28]. حاول أن تزيد من الذِّكر في أيام العيد والمناسبات، فالذِّكر يورث السكينة في القلب.

 

2- استشعار المعنى الحقيقي للعيد:

 

العيد في الإسلام ليس فقط مناسبة اجتماعية، بل هو يوم شكر لله وعبادة، فحاول أن تركز على الجانب الروحي في العيد، بدلاً من الجوانب الشكلية التي قد لا تجلب السعادة المتوقعة.

 

3- التفكر في نعم الله عليك:

 

أحيانًا، يغلب على الإنسان الحزن عندما يقارن نفسه بغيره، أو يشعر بنقص معين في حياته، ولكن الله أمرنا بأن ننظر إلى من هو دوننا، فقال النبي ﷺ: «انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ» [رواه مسلم].

 

ثانيًا- الجانب النفسي والعلمي

 

من الناحية النفسية، ما تمر به قد يكون ناتجًا عن مجموعة من العوامل، منها:

 

1- اكتئاب الأعياد:

 

وهو حالة شائعة تصيب بعض الأشخاص خلال الأعياد؛ حيث يشعرون بالكآبة بدلاً من الفرح. وأسباب ذلك قد تكون:

 

- التوقعات العالية للسعادة: عندما تتوقع أن الأعياد ستكون ممتلئة بالفرح والانسجام الأسري، ولكن الواقع لا يكون كما تخيلت، فقد تشعر بالإحباط.

 

- ضغوط التجهيزات والمسؤوليات العائلية: أحيانًا، بدلاً من الاستمتاع بالأعياد، نجد أنفسنا مشغولين بتجهيز الطعام، وترتيب المنزل، واستقبال الضيوف، وما يتطلبه هذا من نفقات، مما يولد ضغطًا نفسيًّا.

 

- ذكريات الماضي: قد يكون للعيد ارتباط بمواقف حزينة، مثل فقدان شخص عزيز فيه، أو افتقاد أحد الأحبة كان له حضور مميز في الأعياد، فيتحول العيد إلى تذكير مؤلم بدلًا من كونه مناسبة سعيدة.

 

2- الاضطراب العاطفي الموسمي:

 

إذا كان هذا الشعور يتكرر كل عام، فقد يكون جزءًا من اضطراب نفسي يسمى «الاضطراب العاطفي الموسمي»، والذي يحدث عادةً في أوقات معينة من السنة، خصوصًا عند تغير الفصول. ويكون السبب غالبًا مرتبطًا بتغير مستويات بعض المواد الكيميائية في الدماغ، مثل السيروتونين والدوبامين، وهما المسؤولان عن الشعور بالسعادة.

 

3- الإرهاق النفسي والتراكمات العاطفية:

 

قد يكون السبب في شعورك بالحزن هو أنك خلال السنة تكبت مشاعرك، وعندما تأتي الأعياد التي تتطلب منك أن تكون سعيدًا، تجد أن هذا الفرح غير متوافق مع حالتك النفسية الداخلية، فيظهر الحزن المخزون بداخلك.

 

ثالثًا- كيف تتعامل مع هذه المشاعر؟

 

1- تقبُّل مشاعرك وعدم إنكارها:

 

ليس من الضروري أن تكون سعيدًا في العيد لمجرد أن الجميع سعداء. اسمح لنفسك بأن تشعر بما تشعر به، ولكن لا تستسلم له بالكامل.

 

2- مارس الأنشطة التي تحبها:

 

حاول أن تجعل يوم العيد مختلفًا عن الأيام العادية، من خلال فعل أشياء تحبها، مثل الخروج إلى مكان تحبه، أو ممارسة هواية ممتعة.

 

3- ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي:

 

أحيانًا، رؤية صور الآخرين وهم في حالة فرح وسعادة -قد تكون مصطنعة بالمناسبة- قد يزيد من مشاعر الحزن لديك، لذا حاول تقليل استخدام وسائل التواصل في الأعياد.

 

4- تحدث مع شخص تثق به:

 

مشاركة مشاعرك مع زوجتك أو صديق مقرب قد يساعدك في التخفيف من وطأة الشعور بالحزن.

 

5- مارس الرياضة والخروج إلى الطبيعة:

 

ثبت علميًّا أن ممارسة الرياضة تزيد من هرمونات السعادة، وتحسن المزاج العام.

 

6- استعن بالقرآن والصلاة:

 

قال الله تعالى: ﴿وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ﴾ [البقرة: 45]. فلا تهمل صلاتك، فهي مصدر قوة وطمأنينة.

 

وختامًا -أخي الكريم- ما تمر به ليس أمرًا نادرًا؛ بل هو شيء يمر به كثير من الناس، ولكن المهم هو كيف تتعامل معه. حاول أن تغير نظرتك للأعياد، وأن تجعلها فرصة للتقرب من الله، والاستمتاع باللحظات البسيطة مع عائلتك، دون ضغوط أو توقعات مثالية.

 

نسأل الله أن يبدل حزنك فرحًا، وأن يرزقك راحة البال، وأن يجعل الأعياد القادمة عليك وعلى أسرتك مليئة بالرضا والطمأنينة. ونحن هنا دائمًا لدعمك، فلا تتردد في العودة إلينا متى ما احتجت للمشورة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الرابط المختصر :