Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. فتحي عبد الستار
  • القسم : إيمانية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 82
  • رقم الاستشارة : 1665
17/04/2025

أنا واحد بيحب ربنا، وكنت دايمًا بحاول أكون قريب منه، وبادعيه كتير، وقلبي مليان رجاء إنه يسمعني ويرضى عني، بس بقى لي فترة كل اللي بادعي بيه مش بيحصل، بادعي من قلبي، باتضرع، وبدموع ساعات، وبحاول أخلي قلبي حاضر، وبادعي في أوقات فضيلة، بس مفيش استجابة.

ومش بتكلم عن حاجة واحدة، ده كذا دعاء، وكأن باب السماء مقفول في وشي، وده خلاني تعبت جدًا.

أنا مش باعترض على قضاء ربنا، بس بقيت مش قادر أتحمل أكتر، خصوصًا لما بلاقي اللي حواليا بيتبدل حالهم وبيتفتح لهم أبواب، وأنا لسه مكاني، بل أحيانًا باحس إني بارجع لورا.

سألت نفسي: هو ده ابتلاء؟ وللا ده عقاب؟ وهل في حاجة أنا مش واخد بالي منها مانعة الاستجابة؟

ومع الوقت، ومع الضغط، وساعات وأنا لوحدي بتجيلي وساوس مرعبة، بيوصل بيا الحال إني أشك! أشك في وجود ربنا، أو في حكمته، أو في عدله، والعياذ بالله، وأول ما الفكرة تيجي، بارتجف وبخاف، وباستغفر على طول، وبعيط، لأني عارف إن ده غلط، وإن قلبي مش كده، بس تعبي وصلني للمرحلة دي.

أنا مش جايلكم أشتكي من ربنا، أستغفر الله، أنا جايلكم عشان ألحق نفسي قبل ما أفقد قلبي، وقبل ما أنجرف في طريق معرفش أرجع منه.

أنا محتاج كلمة ترد قلبي ليا، ترد روحي، تفهمني أنا فين، وليه ربنا سايبني أدعي وأستنى؟

هل ده ابتلاء حب؟ وللا أنا مقصر ومش واخد بالي؟

الإجابة 17/04/2025

مرحبًا بك، أيها السائل الكريم، بارك الله فيك، وجزاك عنا خير الجزاء على صدقك، وعلى هذه الثقة الغالية التي منحتنا إياها بمشاركتك لنا وجع قلبك وهَمَّ روحك.

 

نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يربط على قلبك، وأن يجعل لك من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيق مخرجًا، وأن يُنير لك الطريق إليه، ويزيدك ثباتًا وقربًا، وأن يُشعرك بلطفه ورحمته وكرمه، وأنت في ذروة حاجتك إليه. آمين، وبعد...

 

فيا أخي الحبيب، ما أعذب أن بدأت كلامك بقولك: «أنا واحد بيحب ربنا»، وهل هناك في هذه الحياة شرفٌ أعظم من أن يحبَّ المرء ربَّه؟ أنت بدأت من النقطة التي تستنير بها القلوب.

 

فاعلم -يرحمك الله- أنك في موضع كرامة، وإن بدا لك غير ذلك، في شعورك بالخذلان، وكأن الله لا يسمعك –حاشاه- وتشعر أن قلبك أنهكه طول الرجاء والانتظار، وما من أثر يريح النفس! بل وتسللت إليك وساوس مخيفة، وشكوك تخلع القلب من بين أضلاعه، ثم تعود مذعورًا تبكي وتستغفر، وتخشى أن تكون قد وقعت في المحظور.

 

فدعنا حتى نمضي معًا خطوة خطوة، لنفهم ما وراء كل هذا، ونُضيء المسار، ونعيد القلب إلى يقينه، والروح إلى ثباتها.

 

لماذا لا يستجيب الله لك؟

 

والله، ما كان الله ليهمل عبدًا دعاه، أو يخذل قلبًا رجاه، أو يصدَّ عبدًا طرق بابه ووقف على عتبته. فلقد روى النبي ﷺ عن ربِّه -جلَّ وعلا- أنه قال في الحديث القدسي: «يا عِبَادِي، لو أنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وإنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ، قَامُوا في صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي، فأعْطَيْتُ كُلَّ إنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ؛ ما نَقَصَ ذلكَ ممَّا عِندِي إلَّا كما يَنْقُصُ المِخْيَطُ إذَا أُدْخِلَ البَحْرَ» [رواه مسلم].

 

هل رأيت هذا الكرم؟ كل ما يُسأل، يُعطَى، ولا ينقص من ملك الله شيء! فلماذا إذًا لا تُستجاب بعض الدعوات؟

 

الجواب في حديث رسول الله ﷺ: «ما من مسلمٍ يدعو الله بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يُعجِّل له دعوته، وإما أن يدَّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» [رواه أحمد].

 

إذًا، أنت لا تُقابَل بالرفض، ولا بالإعراض؛ بل بالإجابة؛ لكن بأحد وجوه الرحمة الثلاثة. فربما أُجِّل العطاء لحكمة، أو دُفع عنك بلاء عظيم، أو كُتب لك في الجنة ما لا تتصوره من الخير. ولكنك لا تراه بعد، فتظن أنه عدم إجابة.

 

لماذا يتأخر الفرج رغم صدق الدعاء؟

 

لأن ربك يعاملك كأعزِّ الخلق عليه. اسمع قول النبي ﷺ: «إذا أحبّ الله قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط» [رواه الترمذي].

 

فاعلم أن الدعاء نفسه عبادة، وليس مجرد وسيلة للحصول على شيء. قال ﷺ: «الدعاء هو العبادة» [رواه الترمذي].

 

أتعرف ماذا يعني هذا؟

 

يعني أنك حينما ترفع يديك، وتبكي، وتلح، وتناجي، فأنت في لحظة شرف عظيم، حتى لو لم تُستجب دعوتك بعد.

 

فربك يسمعك، يرى دموعك، يختبر صدقك، يقوي إيمانك، يطهِّرك من علائق الدنيا، ويقودك خطوة خطوة نحو مقام لا تناله إلا القلوب الخالصة.

 

وقد تكون الدعوة لم تُستجب بعد؛ لأنَّ الإجابة في وقت آخر ستكون أعظم أثرًا، وألذَّ وقعًا.

 

هل هذا ابتلاء أم عقاب؟

 

أخي الحبيب، لو كان لك ابنٌ تحبه، وأردت أن تُربِّيه وتُهيئه لمقام عظيم، ماذا تفعل؟

 

تُدرِّبه، تشد عليه أحيانًا، تصبر على بكائه؛ لأنه لا يرى ما تراه من مصلحته. وكذلك ربك معك.

 

إن كان قلبك ما زال ينبض حبًّا، ولسانك يلهج بالدعاء، وعينك تدمع من الخوف، فاعلم أن هذا ابتلاء محبة لا عقوبة.

 

العقوبة يُصاحبها إعراض، وجفاء، وانغلاق قلب، أما أنت... فحتى حين تُبتلى بالشك، يرتجف قلبك، وتبكي، وتستغفر! فماذا يُبقيك في هذا المقام إن لم يكن حبك لله وحرصك على مرضاته؟

 

وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ ٱلْأَمْوَٰلِ وَٱلْأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِ ۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ [البقرة: 155]. وأنت من الصابرين إن شاء الله، فلك البشرى.

 

ماذا عن الوساوس؟

 

اعلم -يا أخي- أن الوساوس حين تأتي قهرًا، ويُقابلها العبد بالرفض، فهي ليست كفرًا؛ بل دليل على الإيمان. فقد قال النبي ﷺ لما شكا له بعض الصحابة من الوساوس: «ذاك صريح الإيمان» [رواه مسلم].

 

وجاءَ رَجُلٌ إلى النَّبيِّ ﷺ، فقال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ أحَدَنا يَجِدُ في نَفسِه، يُعرِّضُ بالشَّيءِ، لأنْ يكونَ حُمَمةً أحَبُّ إليه من أنْ يتكلَّمَ به، فقال: «اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، الحَمدُ للهِ الذي ردَّ كَيدَه (أي الشيطان) إلى الوَسْوَسةِ» [رواه أبو داود].

 

فلو لم تكن مؤمنًا، لما وسوس لك الشيطان بهذا الأسلوب الماكر، ولما هاجمك في أقدس ما تملك: عقيدتك.

 

فاثبت، واستغفر، ولا تخف؛ بل احمد الله أنه يردُّك إليه كلَّما زاغت الأفكار.

 

هل أنت مقصِّر في شيء لا تراه؟

 

من حبك لربك، فتّشت في نفسك، وسألت هذا السؤال وهذا من أعظم دلائل الخير في قلبك.

 

والجواب: كلُّنا مقصّرون بدرجة ما؛ لكن المهم أن نبقى في حالة مراجعة دائمة:

 

- هل أدعو وفي قلبي يقين بالإجابة؟

 

- هل أُقيم الصلاة في وقتها وأُحسنها؟

 

- هل أتجنَّب أكل الحرام؟

 

- هل هناك خصام مع أحد أو قطيعة رحم؟

 

- هل رضيتُ بقضاء الله حق الرضا؟

 

كلها أمور قد تُبطئ الدعاء؛ لكنها لا تقطع الحبل بينك وبين السماء. فاستمر في الدعاء، واستغفر، وحاول أن تُصلح ما استطعت، والله لا يُضيع أجر من أحسن عملاً.

 

ماذا تفعل؟ وكيف تعيد قلبي إلى الله؟

 

تحدَّث مع الله لا طالبًا فقط، بل عبدًا محبًّا، احكِ لله كل شيء، ابكِ، واشكُ له، وأكثر من دعاء النبي ﷺ: «اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَن زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلَاهَا، اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ لا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لا يُسْتَجَابُ لَهَا» [رواه مسلم].

 

الزم الاستغفار صباحًا ومساءً، ففيه مفاتيح الفرج، وتطهير النفس، وطمأنينة القلب.

 

اجعل لك وردًا ثابتًا من القرآن، فهو شفاء القلوب، وجلاء الأحزان.

 

رافق أهل الإيمان والصلاح؛ فالوحدة باب من أبواب الوساوس، والصحبة الصالحة سياج يحميك، ويُعينك على الثبات، يقول الله جل وعلا: ﴿واصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ والْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وجْهَهُ ولا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا ولا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا واتَّبَعَ هَوَاهُ وكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ [الكهف: 28].

 

وختامًا –أيها الحبيب- فأنت ما زلتَ على الطريق، وما زال الله يُربِّيك، ويهذِّبك، ويُنقّيك، ويُحبك.

 

كل لحظة ضعف إن رافقها استغفار صارت مقامًا من مقامات القرب، وكل وسوسة قاومتها هي دليل قوة إيمانك؛ فثق أن الفرج قادم، وأن الله لا يُخلف وعده، ﴿وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ [البقرة: 216].

 

أسأل الله أن يُبدِّل همك سكينة، وخوفك أمنًا، ودمعك فرحًا، وأن يرزقك لذَّة القرب منه في الدنيا، والنظر إلى وجهه في الآخرة.

الرابط المختصر :