الإستشارة - المستشار : د. إبراهيم مهنا
- القسم : فقهية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
118 - رقم الاستشارة : 1584
12/04/2025
السلام عليكم ورحمة الله، أنا شاب بدأت أشتغل في مجال الاستثمار والتقنية، ومن فترة دخلت عالم العملات الرقمية، خاصة البيتكوين وبعض العملات التانية، وفضلت أتعلم فيها وأتابع السوق.
اللي شاغلني اليوم مش الربح والخسارة… أنا فعلاً بحاول أكون ملتزم بديني، وأهم شي عندي إن مالي يكون حلال ومبارك. فجيت أسأل نفسي: هل على العملات الرقمية زكاة؟ وهل بتاخد نفس حكم الذهب والفضة؟ يعني هل لازم أزكي عنها لما توصل النصاب، حتى لو ما بستخدمها استخدام تقليدي زي الفلوس؟ ولا حكمها مختلف لأنها أصول رقمية أو تقنية؟
وفي نقطة كمان بصراحة حيرتني: لو العملة نزل سعرها جدًا وقت حولان الحول، أزكي على القيمة وقت الشراء ولا على القيمة وقت الزكاة؟ أنا عايز أعرف كيف أتعامل مع أموالي الإلكترونية دي بميزان الشرع، عشان أكون مرتاح قدام ربي، حتى لو الناس مش كلها بتشوف ده مهم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الأصل في المسلم تحري الحلال وتجنب الحرام، وتكثر الحاجة في هذا العصر لمعرفة ذلك حيث خفيت مشروعية كثير من الأمور على الناس خاصة في باب المعاملات، ويحمد لك حرصك على ذلك، واتباعك لأمر الله عز وجل الذين كلف غير المختص بسؤال المختصين، قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}.
واعلم وفقك الله أنه كان الأولى بك السؤال عن مشروعية الاستثمار بالعملات الرقمية ابتداء، قبل السؤال عن حكم زكاتها، فقد صدر عن دار الإفتاء المصرية في عام 2018م فتوى بتحريم التعامل بها، وصدر عن لجنة الاجتهاد والفتوى بالاتحاد العالمي لعلماء المسلمين فتوى مفصلة في هذا الشأن بتاريخ 28 صفر 1444هـ الموافق له 23 سبتمبر 2022م، وتم نشرها على الاتحاد بتاريخ 9 أكتوبر 2022م، ينصح بالرجوع إليها لما فيها من تفصيل.
وخلاصة ما جاء فيها ما يلي:
لا يجوز التعامل بعملة البتكوين والعملات الرقمية الأخرى "غير الرسمية" بحالتها الراهنة؛ ولا تداولها، ولا تصنيعها، للأسباب الآتية:
1. لا تتوافر فيها أركان العملات ولا شروط النقود عند الفقهاء والاقتصاديين وغيرهم.
2. ليس فيها شيءٌ من وظائف النقود والعملات، ووظائفها، والتي من أهمها: أن تكون وسيطًا عامًّا للتبادل، ومقياسًا للقيم، ومخزونًا للثروة، ومعيارًا للمدفوعات الآجلة من الديون. وعملة البتكوين والعملات الرقمية الأخرى الشبيهة لا تقوم بشيء من هذه الوظائف، فلم تكن عملة معتبرة بالحقيقة ولا بالوظيفة.
3. العملات الرقمية ليست سلعًا؛ لأن المقصود بها التبادل وليست مقصودة لذاتها؛ كما هو الحال في السلع. كما أنها ليست أصلاً ماليًّا؛ فليست هي موجودات أو أصولاً عينية أو خدمات ونحو ذلك، فلا ينطبق عليها أي نوع من أنواع الأموال المعتبرة من السهم أو النقد أو العين أو الحق أو المنفعة.
4. عملة البتكوين والعملات الرقمية الشبيهة لا تمثّل أي موجود حقيقي، ولا أصدرتها جهة ضامنة لها من دولة تقرّها أو بنك مركزي يضمنها، والنقود شرطها الضروري أنْ تكون مضمونة القيمة على من أصدرها.
5. إنّ التعامل بالبتكوين والعملات الرقمية الشبيهة وتداولها لا يحقّق أي نفعٍ معتبرٍ للمسلمين، ولا لبلدانهم، لا في الصناعة، ولا في التقنيات، ولا في التجارة الحقيقية، وإنما هو مجرد نوع جديد من المضاربات، مقصود منه مطلق الاسترباح دون ربطه بالعمل أو الإنتاج، وبالتالي فتداولها والتعامل بها مناقض لمقاصد الشرع في المال.
6. إن التعامل بها وتداولها يُفضي إلى مفاسد عظيمة ومضار جسيمة على الأفراد والمجتمع والدولة، من عمليات غسيل الأموال، وسداد قيمة تجارة المخدرات والأسلحة الممنوعة، وتحويل كثير من الأموال الناتجة عن العمليات الإجرامية، وبالتالي تساهم في زيادة الأنشطة الإجرامية وعمليات النصب والاحتيال المالي، وهذه مآلات فاسدة ضارة يجب صيانة الأمة ودُوَلها منها بسدّ الذريعة إليها وهو المنع من التعامل والتداول في هذه العملات؛ لحديث: "لا ضرر ولا إضرار" أخرجه مالك في الموطأ.
لكل هذه الأسباب ترى اللجنة أنه لا يجوز التعامل بالبتكوين ولا بالعملات الرقمية الشبيهة غير الرسمية، ولا تداولها ولا تصنيعها. واستثنت الفتوى حالات الضرورة والحاجة الماسة من المنع من التعامل بالبتكوين والعملات الرقمية كمساعدة المسلمين المحاصرين اقتصاديًّا أو سياسيًّا دولاً كانوا أو أقاليم؛ إن كان في ذلك نفعٌ لهم، وكان النفع عامًّا بهم، لا خاصًّا بالأفراد.
وجدير بالذكر أنه إذا تغيّر الوضع وتبدّل الحال، فانتفت أسباب المنع والتحريم، وتحققت في هذه العملات شروط النقود ووظائفها، فأصبحت ثمنًا للأشياء وقيمًا للمتلفات، ووسيطًا عامًّا للتبادل، ومستودعًا للثروة، ومعيارًا للمدفوعات ونحوها؛ فإنه حينئذٍ يجوز التعامل بها. ولا يشمل القول بالمنع والتحريم العملات الرقمية الرسمية التي تصدرها الدولة، أو تتبناها البنوك المركزية وتضمنها، فهذه يجوز التعامل بها في نطاق الدولة التي أصدرتها.
بناء على ما تقدم، فإن زكاة العملات الرقمية الرسمية التي تصدرها الدولة أو تتبناها البنوك المركزية وتضمنها، تحسب ضمن باقي المال المملوك للمزكي وتضاف إليه؛ من ذهب وفضة ونقد وعروض تجارية فإن بلغت النصاب وحال عليها الحول -وهو عام هجري- فإن زكاتها تحسب بنسبة 2,5% وتقيم العملات الرقمية في وقت وجوب الزكاة، فينظر في القيمة بعد فتح المحفظة الرقمية مرة واحدة -نظرًا لتقلب السعر- ثم يضاف ذلك على الأموال الأخرى.
أما إذا كانت العملات الرقمية غير رسمية مما لا يجوز الاستثمار فيه كالبيتكوين وغيرها، فإن الواجب هو إضافة رأس المال الذي تم فيه شراء العملة الرقمية (الأصل) إلى الأموال الأخرى، فإن بلغت نصابًا وحال عليها الحول وجبت فيها الزكاة كما بيّنا في الفقرة السابقة، أما ما نتج من أرباح فإنه يعامل كما يعامل مال الحرام، فيجب التخلص منه وجوبًا لا ندبًا، ويوضع في مصالح المسلمين العامة على ألا توضع في بناء المساجد أو طباعة المصاحف. وفقكم الله وأعانكم وسددكم.