الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
108 - رقم الاستشارة : 1268
12/03/2025
أنا أم شابة أنهيت فترة النفاس قبل رمضان بأيام والآن أنا أعاني بشدة فأنا مضطربة في النوم وأعاني من الإرهاق الشديد وأخشى أن أصاب باكتئاب ما بعد الولادة خاصة وأنا أسكن بعيدا عن أهلي ولا يوجد من يساعدني ولا أسمع إلا كلمات التذمر من زوجي الذي يتهمني بالكسل والإهمال والإكثار من الدلال ولا يستمع لشكواي أبدا.. أيضا رمضان يضيع وأنا لا أقوم بأي عبادات وطبعا لا يمكنني صلاة التراويح بسبب الطفل وهذا ضاعف من تعبي النفسي فهل من حل؟
ابنتي الحبيبة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على الشبكة الإلكترونية للاستشارات.. ابنتي الحبيبة مبارك لك طفلك الصغير الذي أدخلك عالم الأمومة الرائع والفسيح والمرهق في بعض الأحيان، والذي أنت قادرة بفضل الله تعالى ومنته من تحويل هذه اللحظات المرهقة إلى أوقات جميلة خاصة ولا تنسى بينك وبين طفلك.
ابنتي الحبيبة، ما تعانين منه أمر شائع جدًّا بين الأمهات الجدد، حيث تشير الدراسات إلى أن نحو 80 في المائة من الأمهات يختبرن هذه المشاعر التي تصفينها والتي يمكن لك إدارتها وفقًا لما سأوضحه لك في السطور القادمة، وإلا لو انتهينا من رمضان دون أن تشعري بتحسن (وهو أمر مستبعد بمشيئة الرحمن) فستكونين بحاجة لدعم نفسي وطبي مباشر من مقدم الخدمات الصحية في منطقتك.
مفتاح النوم
ابنتي الحبيبة، قلة ساعات النوم في أسابيعك الماضية مع النوم المضطرب هي مفتاح ما تشعرين به من إرهاق جسدي ونفسي، وبمجرد حصولك على قسط مناسب من النوم ستشعرين بالفارق الضخم في حياتك.. لذلك عليك أن تبحثي عن طريقة تجعلك تستطيعين النوم بها بينما ترضعين طفلك ليلا.. فعن طريق بعض الوسائد اللينة والمرتفعة يمكنك أن تتخذي وضعًا آمنًا للطفل حتى لا يختنق أو يجعلك تخشين عليه من الاختناق وفي الوقت ذاته يمكنك من الرضاعة دون أن تستيقظي من النوم تماما..
ابحثي ابنتي الغالية على الشبكة العنكبوتية بـ (أوضاع الرضاعة الطبيعية) وسوف تجدين شرحًا تفصيليًّا وتوضيحيًّا، وفي التطبيق العملي ستجدين أن الأمر يسير وكثير من الأمهات يكتشفن هذه الأوضاع عن طريق التجربة، فهي أوضاع بسيطة لكنها ستؤثر بشدة على رفاهك النفسي.
بالتأكيد لن تنامي كما كنت تنامين من قبل ولكنك ستحصلين على قسط كاف ومريح من النوم يمنحك القوة والطاقة في مواجهة مهامك الجديدة .. وثقي تمامًا أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق الإنسان منحك القدرة على التكيف مع هذه التغيرات في النوم، فلا تشغلي نفسك بالوسوسة والتفكير السلبي أو أن ترددي على قلبك أنك على مشارف اكتئاب ما بعد الولادة لأن العقل الباطن يمتص هذه الكلمات ويحولها لوقائع وحقائق.. قولي لنفسك كلمات دعم إيجابية مشتقة من إيمانك بالله تعالى فقولي دائما: أنا أحسن الظن بالله تعالى، الله معي هو حسبي، الله أرحم بي من أمي، الله المستعان، اللهم ارزقني القوة والطاقة وهكذا.
ابنتي الحبيبة، يكفيك أن تقولي كل صباح وكل مساء (يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله ولا تكلني لنفسي طرفة عين)، واستشعري حبيبتي رحمات الله تتنزل عليك وتصلح لك شئون حياتك كلها.
إدارة حياتية
ابنتي الحبيبة، أنت بحاجة لجدول مهام بسيط جدًّا كي تستشعري الإنجاز في حياتك.. جدول فيه أهم الأولويات فقط.. مثلا إعداد الطعام انتقي أكثر الأطعمة بساطة وقومي بعملها.. قومي بعمل كمية تكفي يومين.. الأجزاء الثابتة في مكونات الطعام يمكنك تخزينها في الفريزر.. الهدف هو إعداد الطعام فقط دون إبراز أي مهارات خاصة في الطهي.. ومع تقديم الطعام بصورة أنيقة لن يعلق زوجك (النقطة القادمة سأشرح لك كيف تتعاملين مع زوجك وتعليقاته).
وهكذا في كل أمور البيت.. أهم الأولويات والأساسيات فقط.. تنظيف البيت يكون بصورة سطحية مع الحفاظ على نظام أركانه.. أنت الآن بحاجة لكامل طاقتك فلا تهدريها في غسل السجاد أو تغيير نظام الحجرات أو تفاصيل كمالية أنت لست مستعدة لها الآن في هذا التوقيت.. كوني مقتصدة في استهلاك الأطباق والأكواب واغسليها مباشرة في دقائق معدودات واستمتعي بمطبخ نظيف لا يمثل مزيدًا من الضغط عليك.. نعم أهلك بعيدون عنك ولكن حبيبتي هل واجب الأهل خدمة ابنتهم؟ أنت قومي بإدارة حياتك ببساطة وثقة بعد التوكل على الله وستجدين أن الأمر ليس صعبًا.
أنت وزوجك
حبيبتي، سأخبرك سرًّا.. كل تعليقات زوجك السلبية التي تسمعينها هذه الأيام هي في الغالب أسلوبه في التعبير عن الاحتياج الحسي لك بعد أسابيع النفاس الطويلة عليه...
أتعلمين ابنتي الحبيبة أن كثيرًا جدًّا جدًّا من المشكلات الزوجية التي تصل حد الخطوط الحمراء تحدث في هذه الفترة تحديدًا.. أعلم ما ترغبين في قوله: ولماذا لا يتحمل؟ ولماذا لا يشارك؟ ولماذا لا يصبر؟ ولماذا لا يدعم؟ وهي أسئلة مشروعة لكنها للأسف ليس لها كبير علاقة بالواقع.. أو فلنقل على وجه الدقة إنها اسئلة تنظر للواقع من زاوية واحدة.. زاوية الأم الجديدة المجهدة، ولكن الواقع فيه زوايا أخرى كثيرة منها زاوية الرجل الذي يشعر بالحرمان والاحتياج وتحاوطه الفتن وإذا بحياته انقلبت رأسًا على عقب ولم يعد يجد الحد الأدنى من الأنس وهو لا يفهم لماذا يحدث هذا كله له هو بالذات..
ابنتي، أنا أحاول شرح وجهة نظره فحاولي تمثلها والشعور بها ولا تقولي لماذا لا يحدث العكس؛ لأننا في هذه الحال سندور في دوائر فارغة بلا جدوى.. أنت خذي هذه الخطوة وثقي أن الخير سيعم عليك بأكثر مما تتصورين ولن تكسبي فقط أن يكف عن تعليقاته السلبية عنك بل ربما تندهشين من دعمه العملي عندما تستطيعين فقط التعامل مع هذه النقطة الحساسة...
حاولي ممارسة تمارين التنفس، احصلي على حمام ساخن للاسترخاء.. استعملي زيوتك العطرية التي تجعلك مزاجك أجمل (طفلك قد أخذ حمامه وعملت له مساجا خفيفا يساعده على النوم.. تناول رضعته.. ملابسه جافة) حتى لو بكى لا تهرعي إليه.. كوني هادئة فبعض البكاء لن يضره شيئًا، والبكاء لا يعني دائما الغضب أو الألم فبعضه يشبه الملل وبعضه يشبه اللعب، فحافظي على ثباتك الانفعالي، وتنفسي بعمق إذا شعرت ببعض التوتر واحتسبي ما تقومين به من جهد عبادة لك.
ابنتي الحبيبة.. العبادة في رمضان ليست صلاة التراويح في المسجد ومعنا طفل صغير سيؤرق صلاتك وصلاة من حولك.. هذه ليست صورة العبادة الوحيدة الممكنة التي لو فقدتها فقدت رمضانك أبدا.. فالعبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.. فإشباع زوجك كما شرحت لك عبادة تؤجرين عليها.. وإدارتك لشئون بيتك عبادة تؤجرين عليها.. ومداعبتك لطفلك الصغير وقراءة القرآن والأذكار له عبادة تؤجرين عليها.. كل ما تقومين به من عمل تستطيعين عن طريق النية أن تجعليه عبادة لك.
وعلى الرغم من ذلك كله فهناك عبادات سهلة يسيرة لا يلزمها أي جهد أو وقت كأن يكون لسانك رطبًا بذكر الله.. وأن تنصتي لقراءة القرآن الكريم فيكون لك ورد استماع إن لم تستطيعي أن يكون لك ورد قراءة، واحرصي ولو على ركعتين في جوف الليل بنية القيام وأكثري فيهما من الدعاء في السجود أن يريح الله قلبك ويمددك بمدد من عنده.. كتب الله لك الخير يا ابنتي، واكتبي لنا دائما، وكما ذكرت لك في بداية إجابتي إذا لم تستطيعي التعامل وحدك مع الموقف فلا تترددي في طلب المشورة الطبية.