Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. أميمة السيد
  • القسم : تربوية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 183
  • رقم الاستشارة : 1125
27/02/2025

تقدَّمتُ لخطبة فتاة تبلغ من العمر تسعة وعشرين عامًا، وهي – بلا مبالغة – غايةٌ في الجمال، تمتلك قوامًا ممشوقًا، وطولًا فارعًا، وملامح تأسر القلوب، بل إنها – في نظري – أجمل من جميع الممثلات اللاتي يظهرن على شاشات التلفاز، وأبهى من كثيرٍ من الفتيات في مقتبل العشرينيات، إذ تبدو أصغر منهن عمرًا وأكثر جاذبية.

هذه الفتاة جارتي، وقد تقدم لها العديد من الرجال، لكنها رفضتهم جميعًا، كما رفضتني عندما تقدَّمتُ إليها، وأوضحت لي أنها لا تفكر في الزواج، لأنها لا تحب تحمُّل مسؤولية أحد، وترغب في أن تعيش لنفسها. ورغم أنني أتمتع بوضعٍ ماليٍّ جيد، ومظهرٍ مقبول، ووظيفةٍ مرموقة، وأكبرها بعامين فقط، وعرضتُ عليها أن أحقق لها جميع متطلباتها دون قيد أو شرط، فإنها لم تتراجع عن رفضها.

أُفَكِّر كثيرًا في أسباب رفضها لي، وأتساءل: هل لديها أهداف أخرى في حياتها تجعلها ترفض فكرة الزواج؟ أم أنني شخصٌ غير مناسب لها، فلم تجدني جذابًا أو جديرًا بها؟ أم أنها ترى، بحكم جمالها الفائق، أن من حقها الارتباط برجلٍ أكثر تميزًا؟

المشكلة الكبرى أنني أصبحتُ متعلقًا بها تعلقًا مرضيًا، وأجد نفسي أراقبها باستمرار، غير قادرٍ على صرف تفكيري عنها، وقد حاولتُ التعرف إلى فتياتٍ أخريات، لكنني لم أجد في أيٍّ منهن ما يجذبني أو يشدني كما فعلت هي، رغم محاولاتي العديدة للتخلص من هذا التعلق.

ومما زاد من قلقي أنني سمعتُ بعض الأحاديث غير المؤكدة عن نيتها السفر إلى خارج البلاد، ولا أعلم مدى صحة هذا الأمر. ولكن إن صحَّ، لا أعلم كيف سأتحمل هذا الفراق! فماذا أفعل؟ وهل أعيد المحاولة معها أم أنه لا جدوى من ذلك؟

الإجابة 27/02/2025

عزيزي السائل، أسأل الله أن يفرج همك ويهدي قلبك إلى ما فيه الخير لك. لقد قرأتُ كلماتك بعناية، وأتفهم جيدًا حجم المشاعر التي تجتاحك، ومدى تأثير هذه العلاقة العاطفية في نفسك. سأحاول أن أقدم لك رؤية متزنة، تستند إلى مبادئ علم النفس التربوي، والنظرة الدينية الحكيمة، مع لمسات من التراث الشعري الذي يعبر عن مكنونات النفس البشرية.

 

لكن أولًا، لا بد من فهم دوافع الفتاة وحقها في اختيار مسار حياتها.. ولقد أخبرتك الفتاة صراحة أنها لا تفكر في الزواج، وليس هناك أي تصريحٌ منها بأنها ترفضك لشخصك أو تنتظر فرصةً أفضل، بل يبدو أنها تنتمي إلى فئة من الأشخاص الذين يفضلون العيش باستقلالية دون الارتباط العاطفي أو تحمل مسؤولية أسرة. وفي علم النفس التربوي، نجد أن هناك مفهوم "Self-Determination Theory"، أي "نظرية تقرير المصير"، والتي تنص على أن لكل فرد الحق في اختيار المسار الذي يناسبه وفقًا لحاجاته النفسية العميقة.

 

والزواج ليس مجرد قرار عاطفي، بل هو مسؤوليةٌ والتزام، وهي صرّحت بأنها لا ترغب في ذلك، فليس من العدل أن نحاسبها على اختيارها، بل علينا أن نحترمه كما نحب أن تُحترم اختيارنا.

 

الأمر الثاني، يجب أن نبحث عما إذا كانت المشكلة فيك أم في اختيارك..

 

ومن خلال كلماتك يا عزيزي، يتضح أنك ربطتَ سعادتك بوجود هذه الفتاة في حياتك، مما جعلك غير قادرٍ على تقبُّل أي بديل. هذا يُعرَف بـ "Cognitive Fixation"، أي "التثبُّت المعرفي"، وهو عندما يركز الإنسان على فكرة واحدة فقط، فيغيب عنه إدراك البدائل والفرص الأخرى التي قد تكون أكثر ملاءمة له، وبالتالي أنت بعيد كل البعد عن المرونة العقلية، وهذا غير صحي بالمرة.

 

فالله عز وجل يرشدنا دائمًا إلى أن ما نريده قد لا يكون خيرًا لنا، قال الله تعالى: {وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ خَيْرٌۭ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا۟ شَيْـًٔا وَهُوَ شَرٌّۭ لَّكُمْ ۗ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}.

 

فقد يكون تعلُّقك بهذه الفتاة صرفك عن رؤية الخير في أخرياتٍ ربما يكنَّ أكثر توافقًا معك على المستوى الشخصي والفكري والعاطفي، ولكنك لا تمنح نفسك الفرصة لاكتشاف ذلك.

 

الأمر الثالث، أن كل ما أخشاه أن يكون تعلقك بها تعلقا مرضيًّا.. وهنا ينبغي أن تدرك كيفية التحرر منه، حيث إني ومن حديثك، أخشى عليك أيضًا أن تكون تعاني من "Obsessive Love" أو "الحب الهوسي"، وهو عندما يتحول الحب من كونه شعورًا صحيًّا إلى حالة من التعلق غير المتزن، حيث يصبح الشخص مهووسًا بالآخر، غير قادرٍ على التفكير بحياته الخاصة بدونه.

 

وهنا لا بد من اتخاذ خطوات عملية لفك هذا التعلق:

 

١- توقف فورًا عن مراقبتها.. فكلما راقبتَها، زاد تعلُّقك بها، فالمراقبة تزيد من ارتباطك العاطفي اللاواعي.

 

٢- وبعدها أعد بناء اهتماماتك.. اشغل وقتك بأمور جديدة، مارس الرياضة، تعلَّم شيئًا جديدًا، وسافر إن أمكنك ذلك.

 

٣- ثم عليك بإعادة تقييم معايير الاختيار لديك.. فلا تجعل الجمال المادي هو المعيار الوحيد، بل ابحث عن التوافق العقلي والروحي الذي يضمن لك زواجًا سعيدًا، أي من الضروري أن تفكر خارج الصندوق وبلا تسرع.

 

٤- وأوصيك بالاستخارة وألا تغفل الدعاء واللجوء إلى الله تعالى: وقد دعا النبي ﷺ: "اللهم لا تعلق قلبي إلا بما هو خيرٌ لي"، فادعُ الله أن يرزقك الخير ويصرف عنك التعلق بما ليس لك.

 

أمر رابع ومهم، ذكرته لي عن سفرها.. فماذا إن سافرت هذه الفتاة؟!

 

فإن كان سفرها صحيحًا، فربما يكون ذلك رحمةً لك، حتى تستطيع أن تتحرر من هذا التعلق وتأخذ وقتك في التعافي العاطفي، فالزمن كفيلٌ بأن يداوي جراحك، وقد قال الشاعر أبو تمام:

 

              وكمْ سائلٍ عن جُرحِهِ وَهْوَ جَاهِلٌ

 

             بأنَّ التَّداوِيَ في الزَّمَانِ وَفي الصَّبرِ

 

وأخيرًا، وعن سؤالك: هل تحاول مجددًا التقدم لخطبتها؟

 

أرى أن بعد رفضها لك أكثر من مرة، فإن المحاولة مجددًا لن تكون مجدية، بل قد تضر بصورتك أمامها وأمام نفسك؛ فالحب لا يُفرض بالإلحاح، فمن أرادك سعى إليك، ومن لم يردك، فلن تجدي معه المحاولات.

 

* وهمسة أخيرة لك عزيزي السائل:

 

لا تيأس، فما زال الخير أمامك، وأنت تستحق شريكةً تحبك وتقدّرك كما أنت.

 

ثق أن الله سيعوّضك بقدر نقاء نيتك وصبرك، فارتح، وسلم أمرك لله، وانطلق في حياتك بوعي جديد.

 

أسأل الله أن يرزقك راحة البال، وأن ينير بصيرتك لما هو خيرٌ لك في الدنيا والآخرة.

الرابط المختصر :