Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : أ. عزة مختار
  • القسم : أسرية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 279
  • رقم الاستشارة : 1540
07/04/2025

أنا طالب جامعي في احد كليات القمة وأصغر أخواني، والدي طبيبين معروفين، نشأنا أنا واخوتي الاثنين وبينهما مشاكل عديدة، تربينا على خلافاتهما ورحيل أمي عن البيت كثيرا، لكنها كل مرة كانت تعود كانت تقول من أجل أبنائي ليتربوا في حضن أبيهم وأمهم وسأتحمل من أجلهم، كانت دائما شديدة الغضب، لا نسمع إلا صوتها، وأما والدي فكان هادئا، لم نعرف من منهما المخطئ، لكننا لم نكن نرى منها إلا الغضب، كنا نفرح برجوعها من المنزل لعملها بالمستشفى صباحا، لأنها أغلقت عيادتها الخاصة لتتفرغ لنا،

 

تزوج إخوتي ولم يعد سواي وما زلت أدرس بالجامعة، ولم يكن مفاجأة لنا أن تطلب والدتي الطلاق من والدي، ولأنه رفض فلجأت للمحكمة ورفعت قضية خلع وكسبتها، وردت لوالدي كل ما أخذته منه وهي سعيدة، وخيرتني بين الذهاب معها لبيت أهلها أو البقاء مع والدي، وللحق كنت حزينا وأنا أختار صحبة والدي مع الوعد بزيارتها كل أسبوع مرة أو مرتين حسب ظروف دراستي التي تحتم عليا التأخر بالكلية لجزء من الليل.

 

بعد عدة أشهر صارحنا والدي برغبته في الزواج بممرضة معه في عيادته الخاصة، وبالرغم من غضبنا في البداية، إلا أن حال البيت لم يكن يسر أحد، ورأينا أنه في حاجة فعلا لمن تنظم حياته في البيت، وكان الاعتراض على الاختيار، باعتبارها ممرضة تعمل لديه، فهي لا تليق بمستوى عائلتنا، لكن للحق، كانت تقدره وتحترمه وتدلله كما رأينا قيما بعد، بل كانت تدللنا نحن أيضا كلما زار إخوتي بيتنا، وظللت مع والدي بالرغم من وجود زوجته الطيبة التي تفرغت لخدمته وخدمتي.

 

بعد مرور سنة على زواج أبي فوجئنا بشروع والدتي في الزواج من زميل لها طبيب في نفس المجال، وبالرغم من اعتراضنا الشديد وحربنا لمجرد الفكرة كانت مصممة على التنفيذ ومن ورائها أخوالي الذين شجعوها على المضي قدما على الزواج، وأنه حقها وهي لا تفعل حراما، هددتها أنا واخوتي بمقاطعتها، فلم تعبأ بنا، بل وقد قامت بطردي من بيت خالي حين تطاولت عليها في بعض الألفاظ السيئة، قال لي خالي إن والدك تزوج ومن حقها أن تتزوج خاصة أنك سوف يكون لك بيتك كما لإخوانك بيوتهم، وكل منكم سوف ينشغل في حاله ويتركها.

 

حاولت أن أعدها بأنني سأعيش معها ولن أتركها ما حييت شرط أن تترك الفكرة، لكنهم رفضوا، وما زلت أحاول منعها من تنفيذ الفكرة، فماذا أفعل كي أثنيها وأمنعها من هذا التفكير قبل أن توقعنا في فضيحة كبرى أمام الناس؟

الإجابة 07/04/2025

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق أجمعين، ثم أما بعد:

 

فأهلاً بك -يا بني- على موقع استشارات مجلة المجتمع، ومرحبًا بك في كل وقت، أقول وبالله التوفيق:

 

رعاك الله يا ولدي وقد تربيت في وقت صعب، وفي مجتمع أقرب ما يكون بالجاهلية التي تزيف المفاهيم وتبدل الحقائق، تحارب الفطرة السوية التي خلق الله عز وجل الإنسان عليها وفي أحسن وأعلى وأطهر صورها؛ فحرمت الحلال، وحللت الحرام والتمست له آلاف الأعذار، وبدلت الفطرة فلم تعد تميز بين الغث والصالح، ليبحث أهل الحق عن مبررات تبرر إتيانهم المعروف، ولا يخش أهل الباطل طغيان باطلهم؛ لأن المجتمع سوف يمرر أخطاءهم متعللاً بالكثير من العلل والمبررات فيعفو عنها ويسامح.

 

وأنت -يا بني- وجيلك قد تربوا في بيئة معدومة الهوية والثقافة المختلطة بين الأصول والموروثات التي ترتكز على الدين والتي صارت رمزًا في نظركم للتخلف والظلامية، وتلقوا ثقافتهم الوافدة دون وعي ودون قدرة على التمييز والاختيار، فضاعت منكم الحقيقة، وعجزنا نحن كآباء وأمهات أن نغرس غيرها في نفوسكم، وقد وقعنا نحن أيضًا كفريسة في نفس الإشكالية، فتخلينا عن جملة من الثوابت مختارين خوفًا من المجتمع، وتجملا كاذبًا كي نرضي الناس، وقد كان الله عز وجل أولى أن نرضيه.

 

والحقيقة -يا بني- أن والدتك ووالدك لم يكونا على وفاق منذ البداية، غضبها الدائم وصوتها المرتفع ليس من باب عدم الاحترام والتقدير، بقدر ما كان عدم توافق وعدم قدرة على الاستمرار لأسباب لا تعرفونها أقلها عدم التفاهم واختلاف الشخصيات، وقد تحملت والدتكم هذه الحياة في سبيل تربيتكم حتى انتهى بها المطاف لطلب الخلع، وهو ما يوضح استحالة الحياة بينهما وهي طبيبة ولها مكانتها الاجتماعية، أي أنها تدرك تبعات الخطوة التي أقدمت عليها، ومع ذلك فعلتها.

 

وحين تزوج والدكم الطبيب من ممرضة لم تقبلوا الأمر، لكنه في الحقيقة وجد في هذا الممرضة ما لم يجده في الطبيبة، وجد فيها الأنوثة والقبول والحب والتقدير ما لم يجده مع غيرها وهي التي تقف في أعلى السلم الاجتماعي؛ فالحقائق كاملة ليست لديكم، ولذلك فأنتم تقفون موقف المعارض العنيف في كل مرة يكسر أحد والديكم القواعد التي تربيتم عليها، تلك القواعد التي لا تنتمي لنا كمسلمين نملك شريعة من أعظم شرائع الدنيا.

 

تزوج والدكم ووقفتم له، لكنكم تقبلتم أخيرًا الأمر باعتباره رجلاً يفعل ما يريد، ولن يسبب لكم (فضيحة)، كما وصفتها بنفس اللفظ، ثم أنتم ترفضونها بالكلية لوالدتكم، باعتبارها "امرأة"، ولا يصح لها ما يصح للرجال، تعاملتم مع ما أحله الله بنفس منطق المجتمع الذي يحل للرجل الحرام ويسميه نزوة، مجرد نزوة، ويحرمه على المرأة ويسميه خيانة، فقبلتم على مضض زواج والدكم، ورفضتم بعنف زواج والدتكم الذي هو بنفس المنطق، ونفس الحق، ونفس الواجب عليكم وعلى المحيطين في وجوب إعانتها على ما تريد من عفة نفسها وصونها من الوقوع فيما يغضب الله عز وجل.

 

لست أقاضيك -يا بني- وأنت واحد من هذا الجيل المظلوم الذي لم يجد آباء يعينونه على معرفة دينهم حق المعرفة، وأن موازين القياس لأي فعل هو ميزان الحلال والحرام.

 

وقد رغَّب الإسلام -يا بني- في الزواج، فقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72]، وجعله نعمة من النعم، وظاهرة للتفكر والتدبر في خلق الله سبحانه، فيقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، وارتضاه الله لأنبيائه ورسله؛ فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38].

 

والنبي صلى الله عليه وسلم تزوج من المؤمنات البكر والثيب، فإن كان زواج الثيب عيبًا ما فعله النبي وهو سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام لمن رفض الزواج بحجة التعبد: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" (متفق عليه).

 

أعلم أن التأصيل الشرعي للمسألة ربما لا يعنيك، لكن يجب أن تعلمه كمسلم قبل أن تكون ابنًا لأم تسعى للحلال والإحصان، وعليك أن تعلم أن الزواج في هذه السن وقد أدت والدتك مهمتها كأم ليس رغبة في الإنجاب مثلا، وإنما رغبة في الإحصان والتعفف في مجتمع مليء بالفتن، رغبة في اتخاذ ونس بعدما تزوج أبناؤها وأنت نفسك ستتزوج يوما ولن تراك إلا في مناسبات مهما أقسمت على غير ذلك، فتلك طبيعة الحياة.

 

والمرأة كالرجل تحتاج لمن يؤنس وحدتها، ويزيل عنها وحشة الأيام والليالي الطويلة بعدما يذهب كل منكم إلى حاله، فكيف تنكر عليها أقل حق إنساني أنت وإخوتك، عليك انت أولاً باعتبارك السائل، وربما ما دفعك للسؤال هو بعض يقظة لضميرك الذي يجعلك تقف موقف الحائر بين القبول والرفض رغم رفضك الظاهر، لكن عليك أنت أولا أن تؤمن بحقها، وأن تنظر إليها بعين متجردة من البنوة والأمومة، باعتبارها إنسانة لا أُمًّا.

 

ولا تقل لنفسك لو أنني مكانها ما فعلت، فأنت لست مكانها ولن تكون، فكل إنسان له خصوصيته، منهم من يقدر على إكمال الطريق وحده، وقليل منهم من يقدر، فتعيش وحدها تلعن الدنيا وتلعن خلق الله الذين ظلموها ومنعها خوفها منهم، ومنهم من يكون صادقًا مع نفسه فيواجه الجميع ويكمل طريقه بمن يراه صالحًا لتلك المهمة.

 

عليك أن تتجرد لله أولاً وأخيرًا، وسوف تعرف بنفسك أنه حقها، بل وتشجعها عليه وتؤازرها وتثق بقدرتها على اتخاذ القرارات الخاصة بها وحدها.

 

هدى الله قلبك وقلوب إخوانك إلى ما فيه صالحكم جميعًا، فتكون وإخوتك في بيوتكم ومصالحكم وحياتكم وأنتم مطمئنون على والدتكم غير حاملين لوزر مقاطعتها ومنعها مما أحل الله.

الرابط المختصر :