الوسائل الحديثة بين فائدة الدعوة وقلق المصداقية

Consultation Image

الإستشارة
  • المستشار : د. عادل عبد الله هندي
  • القسم : الدعوة الإلكترونية
  • التقييم :
  • عدد المشاهدات : eye 43
  • رقم الاستشارة : 2706
16/09/2025

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحرص على استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة، مثل وسائل التواصل الاجتماعي، والفيديوهات القصيرة، والمقالات التربوية، والبرامج التعليمية الإلكترونية. لكن أحيانًا أشعر بالقلق: هل هذه الوسائل تحقق الهدف المرجو؟ وهل هي صالحة لنقل الدين الصحيح دون تحريف أو إساءة فهم؟ أحيانًا أرى بعض الردود الساخرة أو التعليقات السلبية، فتثقل عليّ نفسيًا، وأتساءل هل أصيب بالخطأ في اختيار الأسلوب؟ وكيف يمكن أن أوازن بين استخدام الوسائل الحديثة والتمسك بالدقة والمصداقية في الدعوة؟

الإجابة 16/09/2025

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وأهلًا بك أخي الكريم، وبارك الله في همّك وحرصك على نشر الخير بأساليب معاصرة تواكب زمنك، فهذا دلالة على فطنة وفهمك لطبيعة الدعوة الحديثة. وقد شاء الله أن تكون للدعوة في كل عصر وسيلة، وأحيانًا أداة، والقلق الذي تشعر به علامة اهتمامك بمسؤولية البلاغ والإخلاص لله.

 

الوسائل الحديثة وسنة الدعوة

 

إنَّ استخدام الوسائل الحديثة في الدعوة أمر محمود إذا ارتبط بالإخلاص، وبالعلم، وبضبط المنهج، فقد قال الله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ﴾ وليس مقصودًا تحديد وسيلة، بل المقصود استمرارية الدعوة ونشر الخير، سواء كان عبر الكلام المباشر أو الوسائل الحديثة.

 

لقد استخدم النبي ﷺ كل وسيلة متاحة له، بدءًا من الخطابة في المسجد، مرورًا بالرسائل المكتوبة إلى الملوك والزعماء، فالدعوة كانت واضحة ومبنية على الحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ [النحل: 125] فالوسائل الحديثة هي امتداد لهذه الحكمة، وفرصة لنشر الدعوة على نطاق أوسع، لكن مع مسؤولية التأكد من صحة المعلومات والابتعاد عن المبالغة أو ما قد يسيء للفهم.

 

القلق من ردود الأفعال وكيفية التعامل معها

 

القلق من التعليقات السلبية أو الردود الساخرة أمر طبيعي، ولكنه ينبغي ألا يكون سببًا للانسحاب أو تراجع الجهد. فالرسول ﷺ واجه الانتقاد والسخرية، وكان يواصل الدعوة بالحكمة والصبر، ويترك نتائج القلوب لله، ولا يثنيه استهزاء أو رفض عن واجبه، كما في قوله: (أرأيتم يسبّون مُذمّما وأنا محمد).. لذلك، ينبغي على الداعية أن يتعامل مع وسائل التواصل بحذر: تقويم المحتوى، ومراجعة ما يُنشر، والرد بالحكمة عند الحاجة، وعدم الانجرار وراء السجالات العقيمة.

 

التوازن بين الحداثة والمصداقية

 

أخي الكريم، استخدام الوسائل الحديثة يجب أن يقترن بضوابط شرعية وأخلاقية، منها:

 

- التأكد من صحة المعلومات والاعتماد على مصادر موثوقة.

 

- الابتعاد عن الصور أو الكلمات التي قد توحي بسخرية أو تحريف.

 

- مراعاة أسلوب الدعوة باللين والحكمة والرفق.

 

- والداعية إلى الله كالمجاهد في سبيل الله، فالواجب على الداعية أن يجتهد في وسيلته، وأن يحسن اختيارها، مع الأخذ بالحسبان تأثيرها على المتلقي.

 

النصائح الدعوية العلمية للتعامل مع الوسائل الحديثة

 

أخي الكريم، اجعل الوسائل الحديثة خادمة لرسالتك لا سيدًا لها. احرص على أن يكون المحتوى علميًّا موثقًا، مستندًا إلى القرآن والسنة، وابتعد عن الانفعالات أو ردود الأفعال السلبية.

 

وفي حالة التعليقات الساخرة، تعامل معها باللين والرفق، واعتبرها فرصة لتقويم الأسلوب، وليس سببًا للإحباط. وذكّر نفسك دومًا بأن أثر الدعوة قد يكون خفيًّا، وقد يصل إلى أشخاص لم تتخيلهم، وأن الله يكتب لك الأجر مضاعفًا على كل مجهود صادق، وازرع دائمًا روح التعاون بين الداعين، وشارك الخبرات، واستفد من تجارب الآخرين في إدارة وسائل التواصل، فهذا يعزز مصداقيتك ويزيد من الثقة بالنفس والرضا عن الجهد المبذول.

 

وختامًا: أيها السائل الكريم، إنّ الوسائل الحديثة أدوات عظيمة إذا أحسنت استخدامها، فلا تثقل نفسك بالقلق أو الخوف من ردود الفعل، بل اجعل قلبك معلقًا بالله، وواصل الدعوة بالحكمة والصبر والإخلاص، واعلم أن كل جهد تبذله يكتب الله لك به أجرًا، ولو لم تر نتائج ظاهرة الآن. فثبت، واطلب من الله التوفيق والقبول، واجعل أعمالك سببًا في هداية نفسك ومن حولك.

 

وأسأل الله أن يبارك في جهودك، وأن يجعلك من الدعاة الصادقين المثابرين، وأن يكتب لك الأجر العظيم والثواب المضاعف، وأن يثبت قلبك على الحق، ويبعد عنك القلق والاضطراب، إنه سميع مجيب الدعاء.

 

روابط ذات صلة:

دعوتي لا تُرى على "السوشيال ميديا".. فهل أترك المجال؟

الرابط المختصر :