Consultation Image

الإستشارة 12/05/2025

أقبلت علينا عشـر ذي الحجة، ونسمع كثيرًا عن فضلها، فكيف يمكن للمسلم أن يستثمرها؟ وهل هناك دور يمكن للآباء والأمهات أن يقوموا به مع أبنائهم في هذه الأيام؟ وهل هناك حكمة شرعية أو عقلية من تعظيم هذه الأيام؟

الإجابة 12/05/2025

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فنشكرك أخي السائل الكريم على سؤالك الواقعي المتصل بمناسبات المسلمين التي يجب أن نتوقف عندها كثيرًا لنتعلم ونعمل، واعلم أخي الكريم بأنّ العشـر الأوائل من ذي الحجة هي أيام عظيمة اختصها الله بمزيد من الفضل والبركة، بل وصفها النبي ﷺ بأنها "أفضل أيام الدنيا"، ففي صحيح البخاري قال ﷺ: "ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام"، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، فلم يرجع من ذلك بشيء".

 

وهذا الحديث يُظهر شرف هذه الأيام ومكانتها، ويُعلِّمنا أن الفرص الإيمانية لا تقتصر على الزمان الرمضاني، بل تتجدد في أيام المعلومات، كما سمّاها الله: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ} [الحج: 28].

 

والملاحَظ أن هذه الأيام تجمع بين أركان الإسلام الكبرى؛ ففيها الصلاة والصدقة والصيام (في يوم عرفة) والحج، مما يدل على شمولها لمعاني الإسلام، وهي فرصة دورية تربوية ربانية لتجديد الإيمان وشحن القلوب، كما أنها تعمل على إعادة ترتيب الأولويات؛ فالعاقل لا يُفرّط في موسم ربحه مضمون بإذن الله.

 

ومن أهم ما ينبغي معرفته هنا كيفية استثمار العشر الأوائل إيمانيًّا، وإليك الآتي:

 

1) إحياء القلب بالنية الصالحة: فالمحروم من حُرم نية الخير، فلنستفتح العشر بنية إحياء القلب، والتوبة النصوح، والإقبال على الله.

 

2) الإكثار من الطاعات: كالصلاة، وقراءة القرآن، والذكر، والتكبير، والصدقة، وصيام تسع ذي الحجة، خاصة يوم عرفة.

 

3) ذكر الله والتكبير المطلق والمقيد: فقد قال ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما: "كانا يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما".

 

4) الدعاء والابتهال: خاصة في يوم عرفة، فهو "خير يوم طلعت فيه الشمس"، والدعاء فيه لا يُرد بإذن الله.

 

وينبغي على رب الأسرة استثمار العشر الأوائل في التربية والدعوة الأسرية، من خلال الآتي:

 

1) حوار أسري يومي: اجعل في كل يوم من العشر مجلسًا مختصرًا (10 دقائق) حول فضيلة من فضائل هذه الأيام أو قيمة تربوية.

 

2) برنامج تطبيقي عملي للأبناء: صيام بعض الأيام، خاصة يوم عرفة، التصدق اليومي، ولو بشيء يسير، حفظ أذكار التكبير، ومشاركة في ذبح الأضحية لمن استطاع.

 

3) صناعة القدوة داخل البيت: ليكن الأب والأم هما أول من يُقبِل على العبادة في هذه الأيام، فإن الولد لا يسمع مثلما يُقلّد.

 

4) ربط الأحداث بالواقع: حدث أبناءك عن معاني الفداء في قصة إبراهيم، والوفاء في قصة إسماعيل، والإيمان والتسليم في قصة هاجر، فهذه ليست قصصًا بل دروسًا لصناعة الإنسان المؤمن.

 

نفع الله بك أخي الكريم، وأنصحك بألا تستكثر ما فات، بل عُد إلى الله ولو في اليوم الأول، واصنع لك برنامجًا يوميًّا، واجعل فيه عبادة قلبية وجسدية، واجعل نيتك الدعوة إلى الخير، لا الاقتصار على العمل الفردي، ولا تنس الدعاء لأهلك، وأمتك، ولنفسك في هذه الأيام، ولا تحرم نفسك من أجر الحج إن لم تستطع الذهاب؛ فالحج الأكبر هو حج القلب إلى الله، والنية قد تبلّغك ما لم تبلغه الأقدام، واصحب الصالحين، أو تابعهم، فالقلوب تحيا بالصحبة الطيبة.

 

وختامًا، فإن هذه الأيام هي محطات نفخ الروح، وتجديد المعنى، وصناعة الإيمان، فاغتنموها، واغرسوا فيها الخير في أنفسكم وأهلكم، لتكونوا ممن قال فيهم الله: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} [الحج: 28]، ومنافع هذه الأيام تتجاوز المال والزمان، لتصل إلى القلوب والأجيال والأمم.

الرابط المختصر :