الإستشارة - المستشار : د. رجب أبو مليح محمد
- القسم : العادات
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
440 - رقم الاستشارة : 2424
23/08/2025
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. في الآونة الأخيرة، انتشرت على مواقع التواصل مقاطع لشباب (ورجال ونساء أحيانًا) يتظاهرون بالموت أو الحوادث الخطيرة لمفاجأة أحبائهم، ثم يظهرون فجأة أمامهم بعد تصوير ردود أفعالهم الصادمة. بعض هذه المقاطع تحقق ملايين المشاهدات، ويبدو أن أصحابها يستغلونها للشهرة وجني الأرباح من الإعلانات.
لكن لفت نظري أن بعض ردود الأفعال تكون مؤلمة جدًا، خاصة إذا كان الشخص يحب "الميت المزيف" لدرجة أنه قد يُصاب بصدمة أو حتى يفقد وعيه من شدة الحزن! فمثلًا، تخيلوا فتاة رأت حبيبها "ميتًا" ثم اكتشفت أنها خدعة، قد يتأثر قلبها بشدة.
سؤالي هو: هل هذا الفعل (التظاهر بالموت لإثارة المشاهدات) حرام شرعًا؟ خاصة أنه يتضمن كذبًا وإيذاءً نفسيًا للآخرين. ما الحكم إذا كان الهدف هو كسب المال والشهرة من خلال هذه المقالب؟ كيف يمكن التوجيه لمن يقومون بمثل هذه الأفعال؟ وجزاكم الله خيرًا.
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فلا شك أن هذه الأمور كلها محرمة شرعًا، فقد نهت الشريعة الإسلامية عن إرهاب الناس وتخويفهم بغير حق، فقد نهى النبي ﷺ عن ذلك كله فيقول: "لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادًّا ولا لاعبًا، وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه)، ويقول ﷺ "لا يحل لمسلم أن يروع مسلمًا"، ويقول ﷺ "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى يدعه وإن كان أخاه لأبيه وأمه".
ومن تسبب في قتلٍ أو ضرر لإنسان نتيجة هذا الفعل فهو ضامن، يأثم شرعا ويحاسب قضاء العمد بعقوبة العمد والخطأ بعقوبة الخطأ.
وقد سيطر هوس جمع المشاهدات وتحصيل الأموال على الناس بشكل أضاع مقاصد الشريعة الكلية من حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وعلى الجهات المسئولة منع هذه الأفعال ومعاقبة فاعلها.
وعلى المشاهدين مقاطعة هذه المشاهد حتى ينتهي أصحابها عن تقديم هذا المحتوى الرخيص الذي يضر بالأخلاق والدين.
والشريعة الإسلامية قد سبقت النظم الوضعية في المحاسبة على الجناية بالتسبب، فقد عرفت الشريعة الإسلامية الجريمة بالتسبب، كما عرفت الجريمة بالمباشرة، والأصل أن يقدم المباشر على المتسبب، لكن في بعض الحالات لا تنفذ الجريمة إلا عن طريق التسبب، كمن حبس إنسانًا ومنع عنه الطعام والشراب حتى مات، وكمن وضع له السم في الطعام، أو ألقاه في البحر وهو يعرف أنه لا يستطع السباحة، وكل من فعل هذا عاملتهم الشريعة على الرأي الأرجح عند جمهور الفقهاء كمعاملة القتل العمد.
وعرفت الشريعة الإسلامية أيضًا ما يسمى بالجريمة السلبية وإن كانت لم تسمها بهذا المصطلح القانوني المعاصر، ولكنها سمتها الامتناع عن الفعل، فلو حضر المريض أمام الطبيب وامتنع عن علاجه حتى مات وكان قادرًا على علاجه يعامل معاملة القاتل العمد، وكذلك لو وجد سباحًا أو منقذًا أحد الناس يغرق فتركه حتى مات غرقًا وكان قادرًا على إنقاذه يضمن ويعامل معامل القتل العمد.
والجريمة السلبية في الشريعة الإسلامية هي الامتناع عن فعل واجب شرعًا، أو ترك ما أوجب الله على العبد فعله. وتعتبر هذه الأفعال جرائم يعاقب عليها الشرع، سواء كانت عقوبة حدية أو تعزيرية، بالإضافة إلى المسؤولية المدنية في التعويض عن الأضرار الناتجة عن هذا الترك.
والله تعالى أعلى وأعلم.