الاختلاط بين الجنسين أثناء التعليم

الإستشارة 08/01/2025

هل يجوز للرجال والنساء أن يختلط كل منهما بالآخر أثناء العملية التعلمية ؟ وما الدليل على هذا الجواز ؟

الإجابة 08/01/2025

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فالاختلاط بين الجنسين أثناء العملية التعليمية، أو غيرها جائز من حيث الأصل إذا روعيت الضوابط التي وضعتها شريعتنا الغراء لهذا الاختلاط، فإن لم تراع صار محرمًا بسبب مخالفة الضوابط وليس بسبب الاختلاط نفسه.

ونستطيع أن نحصر الصور المحتملة للاختلاط بين الجنسين أثناء التعليم فيما يلي، أن يقوم الرجل للتدريس للنساء، أو العكس، أو يدرس أحد الجنسين للرجال والنساء معًا.

ونستطيع أن نقول: إن هذه الصور الثلاث جائزة إذا روعيت الضوابط والآداب التي سنتحدث عنها لاحقًا، وذلكم الدليل على ما نقول.

أولا: العلاقة بين الجنسين في ضوء القرآن الكريم:

يقول الله تعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ (التوبة: 71).

وموضع الشاهد في هذه الآية أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ـ وهو فريضة على كل مسلم ومسلمة ـ يطلب من الرجال والنساء رؤية كل منهما الآخر، ويجيز للرجل أن ينكر على المرأة إن وجدها على منكر، ويجيز للمرأة أن تنكر على الرجل إن رأته على منكر، وقد حدث هذا في عهد النبي ﷺ وعهد الصحابة بغير أن ينكر أحد.

ويقول الله تعالى في آية الدين وهي أطول آية في كتاب الله تعالى عنيت بتوثيق الحقوق، وكيفية كتابتها والإشهاد عليها ﴿...وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ.... ﴾ (البقرة: 282).

وفي هذه الآية جواز شهادة المرأة على العقود، وهي لا تشهد على عقد إلا إذا رأت طرفي العقد (البائع والمشتري مثلا) وكاتب العقد، ويرونها وتعرفهم ويعرفونها.

وهذه المرأة المجادِلة، أو المجادَلة التي خلّد الله ذكرها في القرآن الكريم وجعل صفتها اسمًا لسورة من سوره، تجادل رسول الله وتشكي إليه زوجها، فتقول إن زوجي نثرت له بطني فلم كبر سني ظاهر مني، فيجيبها النبي ﷺ ما أراك إلا حرمت عليه، فتقول يا رسول الله ما ذكر طلاقًا، اللهم إني أشكو إليك شدة وجدي وما شق علي من فراقه، اللهم أنزل على لسان نبيك ما يكون فيه فرج فأنزل الله صدر سورة المجادلة يقول الله تعالى: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ...﴾ (المجادلة: 1).

ثانيًا: العلاقة بين الجنسين في السنة المطهرة:

الذي يقرأ ويتابع ما حدث في عهد النبي ﷺ يتأكد من الأمر كان غاية في السهولة واليسر، وكان غاية في الانضباط والحيطة أيضًا، وتلك هي المعادلة الصعبة التي يعجز كثير من المسلمين عن تحقيقها، فيجنح بهذا العلاقة ناحية اليمين أو اليسر بين إفراط أو تفريط وكلاهما بعيد عن منهج الإسلام في العلاقة بين الجنسين.

فالنساء في عهد النبي ﷺ وصحابته الكرام خرجن للصلاة في المسجد خلف الرجال في مكان واحد، سواء في صلوات الفرائض اليومية، أو في صلاة الجمعة، أو في العيدين، أو الكسوف أو غير ذلك.

كما خرج النساء مع رسول الله ﷺ في الغزو وكنّ مع الرجال في مكان واحد، يسقين العطشى ويداوين الجرحى، ويباشرن أعمال القتال إذا تحتم عليهن ذلك كما فعلن في غزوة أحد دفاعًا عن رسول الله ﷺ.

وخرج النساء طلبًا للعلم مع الرجال في مكان واحد، ثم طلبن من الرسول ﷺ أن يخصهن بيوم يكون خاصًّا بهن دون الرجال ففعل النبي ﷺ.

وكانت النساء يدخلن مع الرجال من باب واحد حتى خصص لهن النبي ﷺ بابًا يدخلن منه .

وهذه بعض النصوص من السنة المطهرة نذكرها على سبيل المثال لا سبيل الحصر ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى كتب الحديث.

روى البخاري ومسلم بسندهما عن جابر بن عبد الله قال: قام رسول الله ﷺ يوم الفطر، فصلى فبدأ في الصلاة، ثم خطب، فلما فرغ نزل فأتى النساء فذكرهن، وهو يتوكأ على يد بلال، وبلال باسط ثوبه يلقي فيه النساء الصدقة.

فهنا يدخل النبي ﷺ ومعه بلال في مصلى النساء ويجمع بلال الصدقة بين يدي رسول الله ﷺ.

والمرأة تصلي مع النبي ﷺ الصلوات المكتوبة، بما فيه صلاة الصبح التي يتأخر عنها الآن بعض الرجال، روى البخاري ومسلم بسندهما عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ﷺ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس)، وهنا إشارة واضحة أن النساء كنّ ـ كلهن أو بعضهن ـ سافرة الوجه إذ لولا الغلس لعرفن، ولو كنا منتقبات ما عرفن في الغلس أو غيره.

والمرأة كانت في عهد النبي ﷺ وما زالت حتى يوم الناس هذا تطوف بالبيت مع الرجال وتسعى بين الصفا والمروة، وتؤدي كافة المناسك ولم يعترض أحد من الفقهاء القدامى أو المحدثين على هذا.

روى البخاري ومسلم بسندهما عن أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت شكوت إلى رسول الله ﷺ أني أشتكي (أي من المرض) فقال: (طوفي وراء الناس وأنت راكبة)، فطفت ورسول الله ﷺ إلى جنب البيت يقرأ بالطور وكتاب مسطور.

ورويا بسندهما عن سهل الساعدي ـ رضي الله عنه ـ قال لما عرّس أبو أسيد الساعدي دعا النبي ﷺ وأصحابه فما صنع لهم طعامًا ولا قربه إليهم إلا أم أسيد بلت تمرات في ثور من حجارة فلما فرغ النبي ﷺ من طعامه أماثته (أي أذابته) له فسقته تتحفه بذلك .

فانظر ـ وفقنا الله وإياك للصواب ـ كيف كان مجتمعًا سهلاً لا تعقيد فيه !!

وروى مسلم بسنده عن أم عطية الأنصارية ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت غزوت مع رسول الله ﷺ سبع غزوات أخلفهم في رحالهم فأصنع لهم الطعام، وأداوي الجرحى وأقوم على المرضى.

ورأى الصحابة عائشة رضي الله عنها وأم سليم مشمرتين في غزوة أحد يقومان على المرضى ويسقيان الصحابة رضوان الله عليه أجمعين .

وروت النساء السنة عن رسول ﷺ قال الحافظ الذهبي: (لم يؤْثر عن امرأة أنها كذبت في حديث).

وقال الشوكاني: لم يرد عند أحد من العلماء أنه رد خبر امرأة لأنها امرأة؛ فكم من سُنة تلقتها الأمة عن امرأة واحدة.

وروت عائشة وحفصة وأم سليم وزينب بنت جحش وغيرهم من أمهات المؤمنين ومن نساء الصحابة أحاديث عديدة عن رسول الله ﷺ وعندما تحدث علماء الجرح والتعديل عن العدالة لم يفرقوا بين الذكورة والأنوثة؛ فكل الصحابة عدول رجالا ونساء، بل كثيرا ما كانت تنتقد عائشة رضي الله عنها روايات الرجال وتقدم فهمها الذي فهمته من الحديث على فهم الصحابي، كحديث عذاب الميت ببكاء أهله، فعارضت أبا هريرة رضي الله عنه، وفي مسألة بول النبي ﷺ واقفًا، عارضت عليًّا، وفي حديث قطع المرأة للصلاة وغير ذلك كثير ومعروف ومشهور بين العلماء.

وكان النساء يحرصن على العلم، وقد طلبن من النبي ﷺ يومًا حتى لا ينفرد الرجال به دونهن ففعل النبي ﷺ ذلك وتحاورن معه وسألنه وأجاب ﷺ.

فهذا وغيره يؤكد على جواز تعليم كلا الجنسين للآخر إذا روعيت الضوابط العامة، ومنها:

1. الالتزام بغض البصر من الفريقين.

2. الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم.

3. الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال في الكلام والمشي والحركة.

4. أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية.

5. الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم.

6. أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة.

والله تعالى أعلى وأعلم.

الرابط المختصر :