الإستشارة - المستشار : أ. فاطمة عبد الرءوف
- القسم : أسرية
- التقييم :
- عدد المشاهدات :
219 - رقم الاستشارة : 1916
13/05/2025
أنا رجل مطلق منذ عامين بعد زواج دام أقل من عام وأنا من أخذت قرار الطلاق، ولكنني لا أتوقف عن تذكر طليقتي وأشعر بغيرة قاتلة عندما علمت أنه تمت خطبتها مرة أخرى.. لقد كانت شخصية عنيدة مرهقة أخرجت أسوأ ما فيّ من صفات، وعلى الرغم من ذلك فأنا غير قادر على تجاوزها.. فهل من نصيحة؟
أخي الكريم، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على صفحة الاستشارات الإلكترونية الخاصة بمجلة المجتمع..
أحزنتني رسالتك وشعرت بما تعاني منه من ألم جعلك عالقًا في هذه التجربة غير قادر على تخطيها على الرغم من مرور عامين كاملين، وهذه المدة كانت أكثر من كافية حتى تستطيع استئناف حياتك من جديد لو أنك أدرت أزمة ما بعد الطلاق بشكل سليم، وللأسف فمن الواضح أن هذا لم يحدث.
بين العقل والقلب
أخي الكريم، أنت من أخذت قرار الطلاق، وهذا يعني أنك عقليًّا كنت مقتنعًا تمام الاقتناع أن هذه العلاقة تستنزفك ولا تضيف لك أو تسعدك، ومعنى أن الطلاق قد تم منذ عامين كاملين وأنت لم تحاول أن تراجع زوجتك أنك عقليًّا مقتنع تمامًا أن هذه العلاقة فاشلة، وعلى الرغم من ذلك أنت لا تزال تعيش في تفاصيل الذكريات وهذا يعني أن مشاعرك منفصلة عن عقلك، وعلى الرغم من أنك انحزت لعقلك فإن مشاعرك لم تسلم لعقلك ولم تقبل بحكمه.
وليس معنى هذا أيضًا أنك ما زلت تحبها بل قد تكون مشاعرك هي مشاعر تملك فتكون غيرتك الشديدة نابعة من أنها سوف تصير لآخر، وقد تكون مشاعر غضب أنها استطاعت التعافي والتخطي بينما أنت ما زلت عالقًا في دائرتها، وقد تكون مشاعرك لونًا من الحنين للماضي وللتجربة الأولى التي لا يفتأ عقلك الباطن يعرض لك صورًا جميلة منها بينما تقبع الذكريات السيئة في جزء مظلم من نفسك فلا تكاد تتذكرها.. وقد يكون لديك بعض مشاعر ندم، فقد يكون لديك شعور أنك ظلمتها أو تعسفت في التعامل معها.
قد تكون أيضًا غاضبًا من نفسك، فمعنى أنها أخرجت أسوأ ما فيك أنك قمت بسلوكيات وممارسات سيئة أنت تعترف بها وإن لم تذكرها في رسالتك.
والآن نحن سنحاول تفكيك مشاعرك نحو هذه العلاقة حتى تستطيع استئناف حياتك.
مشاعر الحزن
من الطبيعي جدًّا الشعور بالحزن بعد الطلاق فبينما يمنح المجتمع المرأة الحق في إعلان حزنها بقدر ما شاءت ويسمح لها بأن تقوم بعملية تفريغ نفسي لما تحسه وتعانيه عن طريق البكاء والدموع والحديث والحكي، فإنه يضرب على مشاعر الرجل قبة حديدية فلا يستطيع التعبير ولا يستطيع الحزن ولا يقوم بأي صورة من صور التفريغ الانفعالي الصحية، فعليه أن يبتلع الحزن داخله ولا يتكلم.
وأنا على يقين أن هذا ما قمت به أنت، ولربما عندما كانوا يسألونك لماذا لا تتزوج مرة أخرى، كنت تقول أي إجابة، بدءًا من كرهتني في النساء جميعا مرورًا مشغول بالعمل، انتهاء أبحث عن عروس لها مواصفات خاصة، ولكنك لن تقول أبدًا ما زلت أشعر بالحزن.
بالطبع لا أدعوك لإعلان حزنك للعالم أو أن تكون مثيرًا للشفقة، ولكن بينك وبين نفسك عليك أن تعترف بحزنك ولو متأخرًا، فكلما أنكرت الحزن لن يعالج أو يداوى بل سيظل الجرح ينزف داخلك حتى لو تم غلق الجرح خارجيًّا؛ لذلك عليك أن تفتح الجرح ثانية وتقوم بتطهيره.
اسمح لنفسك بالحزن فالتجربة كانت مؤلمة، لذلك فمن الطبيعي أن تتألم.. اقضِ بعض الوقت وحدك في هدوء تام واسمح لمشاعرك أن تطفو للسطح.. لا تقاومها.. لا تحكم عليها فقط راقبها وتقبلها، وردد في قلبك واهمس بلسانك "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها".. ثم قم وصلّ ركعتين وردد في سجودك "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله ولا تكلني لنفسي طرفة عين".. إذا شعرت بحاجتك للبكاء ابكِ.. كرر هذه الجلسات كلما شعرت بالحزن يطفو على قلبك.
تفريغ الانفعالات
عندما قلت لك صل وادع وأخرج ما في قلبك فإن الهدف من هذا هو تفريغ الانفعالات المؤذية وطلب المدد من الله أن يشفي قلبك، وعليك بعدها أن تأخذ بالأسباب التي تساعدك على تفريغ هذه الانفعالات، ومن ذلك ممارسة الرياضة فأنت تُخرج مشاعر الغضب ومشاعر الحزن والضيق مع الحركة وبذل الجهد.. كما أن المجهود البدني يجعل المخ يفرز هرمون الأندروفين أحد هرمونات السعادة الأربعة الرئيسية.. والرياضة تشعرك بقدرتك على التحكم في حياتك.. مارس الرياضة وتنفس بعمق وأخرج مشاعر الحزن من قلبك.
أخي الكريم، كما تقبلت حزنك عليك أن تتقبل خسارتك.. أنت خسرت هذه المرأة وخسرت هذه العلاقة فتقبل هذا الفقد"، وقل "إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها" (أنا أكرر هذه النقطة وأدعوك لتكرارها كلما داهمتك نوبة من نوبات الحزن)، ليس من المهم أن تبحث مرة أخرى لتقييم هذه العلاقة، فالمرأة قد خُطبت بالفعل فلا توجد أهمية لمن أخطأ أولا؟ أو من كان منكما الضحية؟
ربما تحتاج فقط أن تتذكر بعض المواقف الحاسمة التي أدت بك لاتخاذ قرار الطلاق حتى لا يقوم العقل الباطن بالتشويش عليها وقد يجعلك تشعر بحالة من الندم والألم.
بداية جديدة
أخي الكريم، اهتم بعملك بشكل إيجابي.. لا تدفن نفسك في العمل لتنس وتكبت مشاعرك وإنما اهتم بعملك كي تفتح لنفسك آفاقًا عالية في الحياة.. اهتم بعملك جنبًا إلى جنب مع تفريغك الانفعالي وتقبل خسارتك برضا، وعندما تشعر أن الحزن الحار في قلبك قد هدأ والجرح المتقيح قد شُفي ولم يترك سوى ندبة وقتها يمكنك التفكير في بداية جديدة تمامًا وزوجة جديدة وتجربة جديدة.
أنت الآن لم تعد مهتمًا بمتابعة أخبارها أو الدخول على صفحاتها في مواقع التواصل.. أنت الآن تعتبرها مجرد ذكرى مرت في حياتك.. لكن من المهم في هذه اللحظة أن تقوم بتقييم التجربة كي تتعرف على أخطائك.. خاصة تلك الأخطاء التي أفسدت هذه العلاقة.. سواء كانت هذه الأخطاء عيوبًا شخصية أم ردود فعل..
أنت بحاجة لتقييم موضوعي حتى تعمل على عيوبك وتصلحها قبل أن تبدأ علاقة جديدة، فمثلا لو أنت شخصية عصبية فلا تقل سأبحث عن زوجة هادئة كي لا تستفزني فأتحول لإنسان فاقد السيطرة على نفسه.. بل عليك أن تمارس تدريبات نفسية تجعلك قادرًا على التحكم في غضبك خاصة في لحظات الاستفزاز، وهذا لا يتعارض مع البحث عن عروس هادئة أيضًا، وهكذا تأخذ بكل أسباب النجاح الممكنة.. أصلح الله لك حالك، وأسعد قلبك، وأراك الحق حقًّا ورزقك اتباعه.