<p>السلام عليكم، أنا تزوجت منذ 3 سنوات، وسافرت مع زوجي لبلد عربي للعمل، واستمرت علاقتي بزوجي لمدة 9 شهور، وحملت منه، وفي هذه الفترة كانت بيننا مشاكل كثيرة، أحيانا أكون أنا سببها، وأحيانا يكون هو سببها، وأحيانا يكون أهله سببها. وتعبت نفسيا جدا من كثرة المشاكل ومن الغربة، وكدت لا أحتمل.</p> <p>فطلبت منه أن أعود إلى بلدي حتى أضع ابنتي، ثم أعود حتى أستريح نفسيا، فوافق، ثم استشار أمه وإخوته فلم يوافقوا، فرجع في وعده، وحاولت معه كثيرا، فكدت أموت من التعب النفسي، ولم يوافق، فعدت إلى بلدي بدون إذنه، فلم يسأل عني، فحاولت أنا الاتصال به، وتكلمت معه، فقال لي: «كلمى أهلي، ولو أهلي وافقوا إني أرجعك هرجعك» فكلمت أخته، وبعدين أخوه، وبكيت لهم، وندمت على نزولي من غير إذنه، لكن هم ما رضيوش، وقعدوا يذلوني، وفى الآخر قالوا لي: «ما تتصليش بينا تاني، انت مش هترجعيله تاني»، وهو انضم لهم وقاطعني تماما، واتصل على أمي وشتمها بأقذر الألفاظ، وبعث رسائل على الموبيل قذفني فيها، وقال: إن بنته بنت حرام ومش بنته.</p> <p>وبعد ذلك وضعت ابنتي، وأخذت العفش من الشقة، ورفعت قضية نفقة لي ولبنتي، وبعد سنة ونصف عاد في أجازة، وجاء لي في عملي، وتكلمنا سويا، ومن أول لحظة وهو بيتكلم معايا إنه عايزني وعايز بنته، وتركنا بعض على أنه سيرجع لي ولابنته، إلا أنه ذهب وانقطعت أخباره ثانية، فأخذت ابنته وذهبت له عند أمه، وقابلتني أمه بالسب، وبرضه قالت لي: “انت جاية ليه؟ أنا مش عايزاكي، ومش هتكوني له زوجة تاني”، ولما قلت لها: “أنا هتنازل عن كل حقوقي بس خلي ابنك يصرف على بنته”، قالت لي: “كفاية اللي انت أخذتيه، أخذت العفش والشبكة يكفوا بنتك لما يبقى عندها 20 سنة، وانت زوجه ناشز ومالكيش أي حق، وربنا يعلم كده”!!.</p> <p>وهو مع أمه في كل كلمة تقولها، ومشيت من عندهم وبعدين حكمت المحكمة لي ولبنتي بنفقة كبيرة، على الرغم إنه قدم مستندات مزورة فيها مرتب ضعيف جدا.</p> <p>وبعد كدة أنا عملت حادثة، وانقطعت أصابع يدي، على الرغم إني تبت لربنا عشان نزلت من وراه، واتصلت عليه هو وأهله وبكيت وندمت.</p> <p>هل أنا اللي ظالمة؟ هل هذا جزائي لأني زوجة ناشز ومش من حقي إني آخذ الشبكة والعفش؟ وهل بنته مش من حقها إن أبوها يوفر لها شقة وعفش؟ هل ربنا قطع لي أصابعي عشان أنا ظلمته؟ وأنا ناشز وأرجع له الشبكة والعفش والنفقة بتاعتي أنا وبنتي؟ هل ربنا ماقبلش توبتي عشان نزلت من وراه؟ وأعمل إيه عشان ربنا يقبل توبتي؟ مع العلم أنا لسه زوجة؟ لو ماكانش ده سبب ابتلاء ربنا لي فما هو السبب؟</p> <p>أنا أحاسب نفسي من يوم الحادثة، وأحاول التخلص من أي ذنب كنت بعمله، فأنا كنت بلبس بنطلونات فبطلت الآن خالص، وكنت حافظة القرآن كله، لكني انشغلت في الدنيا، وابتديت أنساه، فأحاول الآن أن أعيد حفظه، وبحاسب نفسي في كل شيء، بس برضه خايفة أكون غافلة عن سبب ابتلاء ربنا لي؟</p> <p><span dir="RTL">أرجوك أفدني، وإذا كان رضى الله في أن أرجع الشبكة والعفش لزوجي، فسأفعل</span>.</p>
أختي الفاضلة، وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، وأشكرك على ثقتك بنا، وأسأل الله -عز وجل- أن يوفقنا لمساعدتك، وبعد...
فيبدو أن هناك تفاصيل كثيرة خلف هذه القصة الموجعة التي سقتِها لنا في رسالتك، تفاصيل لو عرفناها لفكت طلاسم تلك الألغاز التي تستعصي على الفهم، ولا يكاد يقبلها عقل!!
كيف تعرفت على زوجك؟ وكيف نشأت العلاقة بينكما؟ وهل تبعية زوجك (غير المنطقية) لأهله وجبروتهم وطغيانهم العجيب –بحسب ما رويت لنا– لم تكن ظاهرة قبل الزواج؟ وإن كانت ظاهرة فكيف قبلت بهذا؟ وكيف مضى الزواج؟ وأين أهلك الذين لم تذكريهم في قصتك مطلقًا وكأنهم غير موجودين ولا يشعرون بك، أو أنهم تخلوا تمامًا عن مسئوليتهم تجاهك؟!!
تلك الأسئلة وغيرها ثارت في ذهني وأنا أقرأ رسالتك، ولم أجد لها إجابات، ولكني على قدر ما رويتِ، وبحسب قولك، وعلى قدر ما استطعت أن أجمعه من خيوط، أقول:
إن القضية يا أختي ليست في رجوعك إلى بلدك بدون إذنه –مع رفضنا لهذا الفعل وإنكارنا له، فما كان لك أن تسافري رغمًا عنه، وكان يجب عليك الصبر حتى تقنعيه– وليست في أخذك لأثاث منزلك أو ذهبك، أو في مطالبتك بالنفقة لك ولابنتك، فهذا حقك حسب ما يقضي به الشرع والعرف، ولكن القضية في تبعية زوجك لأهله على هذا النحو الغريب، والأغرب موافقتك له على هذا وسيرك وراءه وقبولك لهذه التبعية، واستسلامك لأهله ورضاك بإهاناتهم المتكررة لك، إلى درجة اتهامك في عرضك، والتي كان يجب أن ترفضيها منذ البداية وأن تقفي منها موقفًا واضحًا، إلا إذا كانت هناك تفاصيل لم تذكريها كما قلت، وأيًّا كانت التفاصيل، فلا أحد يقبل بهذا على نفسه أو على ابنته أو على أخته.
إن وقوع الخلافات بين الزوجين –أي زوجين– أمر طبيعي، وقد حدثت خلافات وتحدث في أطهر البيوت وأزكاها، لكن هذه الخلافات لا بد أن تدار وفق ما أمرنا به الشرع، من احترام كل من الطرفين للآخر ولحقوقه، ومحاولة الإصلاح على أساس من العدل والإنصاف، وهذا عكس ما حدث معك أختي الفاضلة.
وإن كان الشرع قد أمر حين تعقد الخلاف بين الزوجين وخوف الشقاق، باستدعاء حكمين أحدهما من أهل الزوج والآخر من أهل الزوجة، فإن داعي ذلك هو سعيهما للإصلاح بينهما، لا نصرة أحدهما على الآخر، أو إذلال أحدهما للآخر، (وإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا) [النساء: 35].
لقد أخطأتِ في لجوئك إلى أهله وتذللك لهم كي يوافقوا على أن يرجعك زوجك إليه، ووضع مصيرك ومصير ابنتك في أيديهم، وكان يجب عليك –رغم خطئك– أن تترفعي عن هذا وأن تصوني كرامتك.
أختي الكريمة، لا أعتقد أنه يمكن أن تقوم حياة صالحة بين زوجين على ما بينك وبين زوجك وأهله، وأرى (لو الأمور فعلًا بهذه الصورة التي رويتِها، ولم تكن هناك تفاصيل أخرى مؤثرة لم تذكريها) أن الفراق بالمعروف أفضل لك، وهذا ما أنصحك أن تسعي إليه، إما بشكل ودي بتدخل عائلتك أو معارفك، وقد يؤدي تدخلهم إلى الصلح وإعادة الأمور لنصابها، وإما برفع أمرك إلى القضاء، مع مطالبتك بحقوقك كاملة من مسكن ونفقة لك ولابنتك.
ثم إني -أختي الفاضلة- لا أريدك أن تفسري أي أمر يحدث لك بقدر الله -عز وجل- على أنه عقاب لك على أمر ما، فكل بلاء ينزل بالعبد قد يكون اختبارًا له، وقد يكون تكفيرًا للسيئات، وقد يكون رفعًا في الدرجات، وليس بالضرورة أن يكون عقابًا، وإن كنت أخطأت في حق زوجك فلم يرحمك ولم يغفر لك، فرحمة الله -عز وجل- ومغفرته أوسع وأرحب وأكرم، فالجئي إليه سبحانه ولوذي بجنابه تجدي الطمأنينة والسرور في رحابه، فاستكملي شرائط توبتك، بالعزم على عدم العودة للمعصية، والندم عليها، والإصلاح فيما بقي من عمرك، بعمل الخيرات والتزام الطاعات.
ولا تنسي في خضم هذه الأزمات أن تعتني بابنتك، وبتربيتها على الدين والخلق الحسن، وتنشئتها على طاعة الله عز وجل.
سيدتي، دعي الماضي، وانظري إلى مستقبل حياتك، وما أنت فاعلة فيه، وأشغلي وقتك بالمفيد والنافع، وما يصلح لك أمر دينك ودنياك، وعليك بالصحبة الصالحة، ولزوم القرآن والصلاة والدعاء أن يصلح الله -عز وجل- لك شأنك كله، وألا يكلك إلى نفسك أو إلى أحد من خلقه طرفة عين، وأكثري من الاستغفار، ومن قول «حسبي الله ونعم الوكيل»، و«لا حول ولا قوة إلا بالله».
رزقنا الله وإياك الصبر والتوفيق، وأعانك على ما أنت فيه، وتابعينا بأخبارك.