ماذا أفعل مع زوجي البخيل؟

<p>عمري 24 سنة، لدي ولد وبنت وقد تزوجت شابا يكبرني بأربع سنوات، شاب كانت تتمناه أي فتاة، ملتزم، ابن ناس، والديه مربين أجيال، اعتمد على نفسه في تعليمه الجامعي فكان يدرس ويعمل، ثم في زواجه، كان كريما فوق ما تحلم أي فتاة، ساعده والدي وتعاطف معاه بشكل كبير في التجهيز على أساس أنه شاب في بداية حياته ويستحق بشهادة الجميع أن ندعمه.</p> <p>حرصت أثناء فترة الخطوبة المحدودة بعدة أشهر، أن أختبر كرمه أو بخله، فكنت أرى هداياه من الورود والشيكولاته تنبئ عن شخص كريم، لا يفكر في الأشياء المادية بقدر ما كان يفكر فيما يسعدني كفتاة ما زالت بالجامعة (فترة الخطوبة)، حتى تم الزواج بالفعل لأكتشف أنني تزوجت شخصا آخر غير الذي عرفته تماما، سقطت كافة الوعود وتبدلت.</p> <p>ومع أنني أدرك تماما صعوبة الحياة في هذا الوقت بالنسبة لشاب في مثل عمره، ومع أنني راعيت في طلباتي أن لا أكلفه فوق ما يطيق، إلا أن زوجي الذي لم أعرفه حقا، واكتشفت شخصيته توا، كان حريصا على إخفاء دخله الحقيقي عني، وقام بفتح حسابات في بنكين مختلفين كي لا أعرف ما يملكه، ويدعي دائما أن لا مال لديه، كان يعد الأرغفة التي أتناولها، ويرسلني لأهلي إذا مرضت حتى لا يتكلف نفقات الطبيب مدعيا أن الأدوية تؤثر سلبا في المناعة فلا داعي لها.</p> <p>وحين رزقنا الله بابنين يسعدوا أي إنسان، كان يقوم بالفصال مع الأطباء على الدواء، وحتى مع الصيدليات، ويكتفي بنصف الروشتة، أما الملابس والخروجات فقد تلاشت تماما من حياتنا، وعلى أهلي أن يكسوني، ويقوموا بكسوة أولادي، ودائما ما يتهمهم بالإسراف، كنت أذهب لبيت أهلي لأقضي فيه الشهور كي يوفر ولا ينفق علينا.</p> <p>تعبت من تلك الحياة، وسقط من نظري، وأعرضت عنه، ومنعته من حقوقه الشرعية، فما عدت أطيق صورته، بالرغم من أنه يعاملني معاملة مثالية طالما أن الأمر لا يتعلق بالإنفاق، وأهله يتعاملون معي أفضل معاملة، قولوا لي ماذا أفعل، وكيف أصلحه وأصلح حياتي خاصة أنني لا أريد أن أحرم أبنائي من أبيهم وأربيهم كالأيتام في حياته؟</p>

بعد الحمد لله، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أقول وبالله التوفيق: بدايةً أهلاً بك على صفحة استشارات بمجلة المجتمع، أهلاً ومرحبًا في كل وقت، جعلنا الله عند ثقتك في إيجاد حل لمشكلتك التي حازت اهتمامنا جميعًا.

 

مشكلة معقدة تقع فيها كثير من الأسر نتيجة لسوء التقدير، وعدم التأكد من صلاحية من يريد الزواج من ابنتهم، والمؤمن يُخدع بالله، خاصة مع وجود مظاهر الالتزام عند المتقدم تخدع أولياء الأمور، مثل التزامه وحسن خلقه الظاهر، والاعتماد على شهادة المحيطين به دون التأكد من صدق تلك الأخلاق في واقعه المعيش، لتكون الضحية في نهاية الأمر ابنتهم المصون، فإما أن تتقبل الوضع وتحارب لتعيش بين زوجها وأبنائها بالرغم من سوء خلقه المكتشف، وإما أن تحمل أثقالها الجديدة عائدة لبيت أهلها نادمة مدمرة نفسيًّا على ما آلت إليه حياتها نتيجة خطأ ليس لها فيه يد.

 

اسمعي يا ابنتي، الله عز وجل يقول في سورة النساء الآية 34: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ)، فغضبك، وحزنك، وامتناعك عن زوجك حقك بقول الفقهاء، بأن القوامة تسقط بالامتناع عن الإنفاق، وأن أفضلية القوامة ليست أفضلية تشريف بقدر ما هي قوامة مسئولية، وهي ليست متروكة للزوج إن شاء فعل، وإن لم يشأ يتنصل، بل هو تكليف شرعي مطلوب على سبيل الوجوب، وبهذا، فمن حقك الامتناع عنه إذا توقف عن النفقة،،، ولكن ...

 

في سياق سؤالك وجدت أن لك عقلا رجحت به الإصلاح وليس القطع وهدم البيت، وأنك رجحت مصلحة أبنائك وتبحثين عن حل لإصلاح زوجك (البخيل)، وشخصيًّا أحييك على هذا الاختيار بالرغم من الآلام النفسية التي تتعرضين لها، نعم هناك بديل، لكنه ليس مأمون العواقب، فالبديل الطلاق، ثم الزواج مرة أخرى كزوجة ثانية لرجل عنده أبناء آخرون، فأين سيكون أبناؤك؟ وما موقف الزوج الثاني من النفقة عليهم وأبوهم على قيد الحياة؟

 

ستقولين إنك لن تتزوجي وسوف تتفرغين لتربية أبنائك، وأنت ابنة الأربعة وعشرين عامًا، ما زلت فتاة صغيرة في مقتبل العمر، فهل تتخيلين كم الفتن والأزمات المادية والنفسية التي يمكن أن تتعرضي لها؟ لقد اخترتِ إذن الصواب وهو الإصلاح ولو كان نسبيًّا لتستمر الحياة مع الرضا بقضاء الله، لعله اختبار يكون سببًا لرضاه ومعيته وعونه، وهو كذلك بإذن الله.

 

والآن دعينا نفند المشكلة:

 

أولا: هناك نقاط قوة في الإشكالية التي تعيشين فيها يمكننا البناء عليها لإصلاح الأمر بنسبة جيدة.

 

زوجك ليس سيئًا كليًّا، هو يحبك، ويحب أولادكما، ويريد الاحتفاظ بكم، لكن في أضيق حدود من الإنفاق، فامتناعه عن (الإنفاق الكافي) عليكم، ليس رفضًا لكم، وليس استغناء عنكم، وليس لإنفاقه المال في منفذ آخر غير بيتك، وإنما هو لابتلائه بداء البخل، هو بخيل بطبعه، والنبي صلى الله عليه وسلم نصح هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان حين اشتكت له بخل زوجها (وهو سيد قومه ومن أكبر التجار أي أنه موسر وليس فقيرا) فقالت: (يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بني إلا ما أخذت من ماله بغير علمه، فهل علي في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك)، أي أن البخل ذاته ليس موجبًا للطلاق طالما يمكن علاجه ولو جزئيًّا لتستمر الحياة طالما أن هناك أبناء صغارًا لا ذنب لهم ولا جريرة.

 

وأما نقطة القوة الثانية، فهي أهلك المتفهمون للمشكلة، وأهله المتعاطفون معك، والذين يمكن أن يكونوا عاملاً مهمًّا في الحل.

 

إن الحياة بينكما يمكن أن تستمر بشكل شبه طبيعي طالما أنك قد قررت الاستمرار، ولن أخفي عليك أن الأمر لن يكون سهلاً دائمًا، وإنما ستكون هناك مناوشات ومشاكسات بينك وبين زوجك، لكن هذه المناوشات لن تختفي إذا كان بدلاً منه زوج آخر، فالحياة طبيعتها الكبد والمعاناة، ولا يوجد إنسان كامل، ولا سعادة كاملة على الأرض.

 

أعترف معك أن البخل آفة الرجال، وأن كل امرأة يمكن أن تتغاضى عن عيوب كثيرة غير بخل الزوج وتقتيره، لكن لك أن تتعاملي مع ذلك العيب على أنه مرض يمكن أن يُشفى منه بوسائل مختلفة، ووقتها يبقى لك بكامل صفاته الطيبة الأخرى، وعليك البدء بعدة خطوات يجب أن تتكرر ولا تتوقف عند نصح عابر، أو ملاحظة تمر.

 

فبالنسبة لأهله: عليكِ الاستعانة بهم خاصة والدته المربية الفاضلة، ويقع عليها جانب كبير من الحل، حيث إنها الوحيدة التي يمكن أن تستخدم معه كافة الوسائل التربوية ومنها الشدة رغم عمره في نهاية العشرينات كما أشرتِ

 

ثم والده الذي يجب أن يذكره بالله دومًا، ويخوفه من مآل البخلاء والمقترين، ويوضح له أن الإنفاق لا يتوقف عند الإطعام، وإنما يشمل المأكل والملبس والتداوي ومستلزمات الحياة الأخرى، فربما هو لا يعرف فعلاً، فهناك من الرجال من يحسب أن المسئولية ادخار وتكوين حسابات في البنوك لضمان المستقبل، وتلك مسئولية أبويه، وهما الأقرب إليه، ويمثلان الستر الجميل عليه. وأخيرًا على والده توصية الصالحين من أصدقاء ابنه بالإحاطة به لغرس مفاهيم الكرم عمليا لديه خاصة تجاه اسرته.

 

وأما الجانب الآخر فهو أسرتك، وعليها يقع جانب من الحل، على والدك أن يرفع يده تمامًا من المساعدة؛ لأن تلك المسألة تدفع زوجك للاتكالية عليه، ومن ثم يرسلك في كل مرة تحتاجين فيها للتداوي أو الكساء إليهم، على والدك أن يضعه أمام المسئولية، وأن يضغط عليه في تلك النقطة، وإن أراد مساعدتك ماديًّا فليكن بغير علم زوجك، وليكن في بيته في مسائل لا يلاحظها، لأنه بمرور الوقت سيعتبره حقًّا مكتسبًا.

 

عليهم أن يضعوه أمام مسئوليته، وأن يحذروه إذا قصر في مسائل أساسية كالطبيب مثلا فإنك لن تعودي إليه مرة أخرى، وأنهم سيتركون له أبناءه (وشدي على قلبك ولا تخافي فلن يقبل ولن يحرمك منهم كما تظنين، تجلدي قليلا كي نحل المشكلة).

 

عليكِ أن تعلمي أن البخيل خائف من المستقبل، ناقص الإيمان، طمئنيه أن الرزاق هو الله وأنه سبحانه لا يغفل ولا ينام، ذكريه بالجواد وحاولي إحياء الإيمان في قلبه بخطب العلماء وكتبهم وذكر مواقفهم، استثمري حبه لك ولأبنائكما وحاصريه بالنصح من الجميع.

 

وأما بالنسبة لكِ حبيبتي، فأنصحك بتنمية قدراتك الخاصة، ودراسة تخصص ما لتعملي ولو من البيت، لتكون لك ذمتك المالية الخاصة، تستطيعين من خلالها تغطية جانب من احتياجاتك، خاصة أن تلك الأعمال أصبحت متاحة اليوم وبيسر ولها دخل معقول، واحرصي كل الحرص، أن تغرسي كافة المعاني التي تفتقدينها في ولديكِ كي لا يتكرر المرض وينتقل لجيل آخر.

 

وفقك الله لما يحب، ويسر لك أمرك، وهدى الله قلب زوجك، فالقلوب بين إصبعيه يقلبها كيف شاء، وبالصبر والرضا والسعي سوف يعوضك ربك خيرًا.