كيف نستثمر حادث تحويل القبلة دعويًّا؟

<p>لقد سعدنا بانطلاقتكم المباركة، نراسلكم ونحن مجموعة من الدعاة والمعلمين والآباء، نرغب في استثمار حادث تحويل القبلة في الدعوة والتربية، خاصة مع الأبناء والبنات، وكذلك مع جماهير المسلمين في المساجد. كيف يمكننا تقديم هذا الحدث العظيم بأسلوب يجمع بين الأصالة والمعاصرة، ويجعل منه وسيلة لتغيير واقع المسلمين إلى الأفضل؟</p>

أيها الأحبّة الكرام: بارك الله فيكم على هذه الهمة الدعوية والتربوية، فإن تحويل القبلة لم يكن مجرد حدث تاريخي؛ بل كان نقطة تحول كبرى في تربية الأمة، وبناء شخصيتها، وتجديد ولائها لله تعالى، كما أنّه لم يكن مجرد تحوّل في الاتجاهات فحسب؛ بل كان تحوّلا في المفاهيم، ونقلة إيمانية، وخطوة جادّة على طريق تحوّل النوايا والسلوك نحو قبلة الطاعة والإصلاح والبناء...

 

ومن هنا، فإن استثماره في الدعوة والتربية يحتاج إلى رؤية متكاملة تجمع بين التأصيل الشرعي والتطبيق العملي، وبين الفهم العميق والتوظيف الواقعي.

 

واسمحوا لي أن أُقدّم لكم بين يدي هذه الاستشارة ما يأتي:

 

أولًا: الدروس الدعوية والتربوية في حادث تحويل القبلة

 

- الطاعة المطلقة لله ورسوله (صلى الله عليه وسلّم) فيمكن غرس هذه القيمة في نفوس الأبناء من خلال بيان أن الصحابة لم يترددوا لحظة عندما جاءهم الأمر الإلهي، بل تحوّلوا في صلاتهم وهم في ركوعهم، مما يرسّخ قيمة الامتثال لأوامر الله دون تردد، وكمثال عمليّ أنصح بتدريب الأبناء على سرعة الاستجابة للخير دون تأجيل، كالمسارعة إلى الصلاة أو برّ الوالدين فور سماع التوجيه.

 

- الاختبار والابتلاء في طريق الحق: فلقد كان تحويل القبلة امتحانًا لصدق الإيمان، فثبت من ثبت، وارتد من في قلبه مرض. وهذا درس مهم لتعليم الأبناء أن الحق قد يواجه تحديات، لكن الثبات عليه هو طريق النجاح في الدنيا والآخرة، فاعملوا على تحفيز الأبناء والجماهير المسلمة على الثبات على المبادئ الإسلامية في بيئات متغيرة، مثل المدارس أو المجتمعات المختلطة، وتعليمهم كيف يواجهون الاستهزاء أو السخرية بثقة وإيمان.

 

- التجرد لله ونبذ التعصب: فلقد كان بعض الصحابة يحبون التوجه إلى بيت المقدس، لكنه لم يكن حبًّا قائمًا على العناد، بل على الطاعة، فلما جاء الأمر من الله تحولوا مباشرة إلى الكعبة. وهنا نتعلم أن الولاء الحق يكون لله وليس للعادات أو التقاليد أو الآراء الشخصية، ويمكن غرس هذا المعنى في الأبناء بتعليمهم أن اتباع السنة والتزام أحكام الإسلام يجب أن يكون مقدمًا على العادات والتقاليد المخالفة للشرع.

 

- التغيير الإيجابي وتجديد العهد مع الله: فكما تحول الصحابة في صلاتهم، فإن المسلمين اليوم بحاجة إلى تحويل قلوبهم إلى قبلة الطاعة، وتحويل واقعهم إلى قبلة الإصلاح والبناء، ويمكن استثمار هذا المعنى في المساجد من خلال خطب ودروس تدعو إلى تحويل حياة المسلمين نحو الأفضل، سواء في الالتزام الديني، أو تطوير الذات، أو المساهمة في بناء المجتمع.

 

ثانيًا: وسائل عملية لتوظيف حادث تحويل القبلة دعويًّا وتربويًّا

 

- في البيوت مع الأبناء والبنات: إقامة جلسة حوارية أسرية حول تحويل القبلة وربطه بواقع حياتهم اليومية (ما الذي نحتاج إلى تغييره للأفضل؟) فعليكم العمل على تشجيع الأبناء نحو اتخاذ "قرار تغيير إيجابي" في حياتهم، مثل المواظبة على الصلاة في وقتها، أو تحسين علاقتهم بالقرآن، ومن الأمثلة التطبيقية المفيدة: تمثيل القصة بطريقة تفاعلية، كأن يقف الأبناء في اتجاه ثم يُطلب منهم التحول للقبلة الجديدة فور سماع "وأنتُم راكعون!"، لتعميق الإحساس بمعنى الامتثال لله.

 

- في المساجد مع المصلين وجماهير المسلمين: من خلال تقديم خطب ودروس تربط حادث تحويل القبلة بأهمية تحويل القلوب إلى الله، وتحويل حياتنا إلى ما يرضيه، وأقترح عليكم إطلاق مبادرات دعوية بعنوان "حوّل قبلة حياتك"، تحث المسلمين على اتخاذ خطوات عملية في التغيير نحو الأفضل، سواء في العبادة، أو الأخلاق، أو طلب العلم، أو العمل، كما يمكن تنظيم ورش عمل للأئمة والدعاة حول كيفية استخدام هذا الحدث في التوعية الدينية والإصلاح المجتمعي.

 

- في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي: ومن بين ما يمكن القيام به في هذا الإطار إعداد مقاطع فيديو قصيرة توضح كيف أن تحويل القبلة يعلمنا التحول نحو القيم الإسلامية الأصيلة، بالإضافة إلى نشر رسائل دعوية تفاعلية تدعو المسلمين إلى اتخاذ قرارات تغييرية مستوحاة من هذا الحدث المبارك، فضلا عن إعداد مسابقات ثقافية حول دروس تحويل القبلة، وربطها بالواقع الحالي.

 

وختامًا:

 

فإن حادث تحويل القبلة ليس مجرد تاريخ يُروى، بل هو منهج حياة يمكن أن نستلهم منه قيمًا عظيمة في الطاعة، والثبات، والتجرد لله، والتغيير الإيجابي. فليكن هذا الحدث منطلقًا لتجديد علاقتنا بالله، وتصحيح مساراتنا، وصناعة نهضة إسلامية تبدأ من الأفراد وتمتد إلى المجتمعات. ونسأل الله أن يوفقنا جميعًا لنكون دعاة خير وإصلاح، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.