أنا بنت عمري 28، جميلة وعلى خلق بشهادة الجميع، بس كل ما أحد يتقدم لي، بعد ما نتفق، ونبدأ في التجهيز يصلي استخارة ويحس إنه ما في نصيب! وهالشي تكرر أكثر من مرة. مع إني محافظة على صلاتي وذكري، أشعر بانكسار قلبي. تتوقعون يكون السبب حسد أو مس؟
ابنتي الكريمة، سلام الله عليكِ ورحمة منه وبركات، وأسأله –سبحانه- أن يعين قلبكِ على ما تجدين.
أعلم أن تأخر الزواج رغم توفر أسباب القبول قد يكون مؤلمًا، وأن كل مرة يقترب فيها الحلم ثم يتلاشى تترك في قلبكِ غصة جديدة. لكن ثقي –يا ابنتي- بأن الله لطيف بعباده، ولا يمنع عنهم شيئًا إلا لحكمة، ولا يقدِّر لهم أمرًا إلا وفيه خير ولو لم يدركوه في لحظته.
أتفهَّم أن يكون أول ما يتبادر إلى ذهنكِ هو أن هناك سحرًا أو حسدًا يمنع إتمام الزواج، وهذا احتمال وارد بالطبع؛ لكنه ليس الوحيد. فقبل أن نستعجل في نسبة الأمر إلى الحسد أو المس، يجب أن ننظر إليه بنظرة إيمانية أشمل، فنحن نعلم أن الأرزاق مقسومة، والزواج أحد الأرزاق التي قسمها الله بقدر معلوم. قال الله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات: 22].
وحتى لو كان هناك حسد أو سحر بالفعل، فهو لا يخرج عن كونه ابتلاء، والابتلاء من سنن الله في الحياة، يُطهّر به القلوب ويرفع به الدرجات. ومع ذلك فاطمئني؛ لأن الله يقول: ﴿وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَىٰ﴾ [طه: 69]. وكذلك يقول: ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا﴾ [التوبة: 51].
أما بالنسبة لكلام خُطَّابك عن الاستخارة، وعدم راحتهم بعدها، ومن ثم فسخ الخطبة، فهذا لا يعني –مطلقًا- أنكِ لستِ صالحة، ولا يعني –أبدًا- أن بك عيبًا؛ لكنه ببساطة قد يكون لحكمة مخفية من الله. ربما لو تم الزواج من أحد هؤلاء لما كنتِ سعيدة، وربما يهيئ الله لكِ في الغيب نصيبًا أفضل مما كنتِ تتوقعين.
إن الله لا يمنع عن عبده إلا ليعطيه، ولا يؤجل له إلا لحكمة. ألم تقرئي قوله تعالى: ﴿وعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ واللَّهُ يَعْلَمُ وأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 216].
ومن ناحية انكسار قلبك، فإني أعلم يا غالية أن الانتظار ثقيل، وأن تكرار التجارب دون نتيجة مُرضية يشعركِ بالإحباط، ولكن انكسار قلبكِ الآن قد يكون سببًا في أن يكون أقوى وأطهر عندما يأتيكِ نصيبكِ الحقيقي. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرًا كثيرًا، وأن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا» [رواه الترمذي وأحمد].
أريدك أن تطمئني إلى أن الله يراكِ ويسمع دعاءكِ، وهو أرحم بكِ من نفسكِ. قد يكون في الأمر اختبار لصبركِ، وقد يكون تمحيصًا لكِ حتى لا تتعلقي إلا بالله وحده، فتأتيكِ النعمة وقد أصبح قلبكِ أكثر يقينًا بالله، وأقوى في مواجهات الحياة.
تسأليني الآن: ماذا أفعل؟ فلأخبرك...
1- استمري في الدعاء، وخصوصًا دعاء الاستخارة، واليقين بأن الله سيختار لكِ الأفضل.
2- داومي على الرقية الشرعية، فهي نافعة سواء كان هناك حسد أم لا.
3- جددي نيتكِ دائمًا، واجعلي هدفكِ رضا الله قبل أي شيء آخر.
4- انشغلي بتنمية ذاتكِ وتطوير مهاراتكِ، فالزواج ليس غاية وإنما وسيلة لحياة طيبة.
5- تفاءلي، فالله لا يضيع أجر المحسنين.
وختامًا ابنتي الغالية، لا تجعلي تأخر الزواج يُنسيكِ كم أنتِ غالية عند الله، ولا تنظري للأمر على أنه تعطيل، بل هو ترتيب. قد يكون نصيبكِ في رجل لم يأتِ بعد، أو في قصة لم تكتمل فصولها.
فلا تجعلي الحزن يُطفئ نور قلبكِ، بل كوني واثقة بأن الله يخبئ لكِ خيرًا يليق بكِ، وإذا جاءكِ النصيب، فستدركين لماذا تأخر كل هذا الوقت!
وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم: «عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن؛ إن أصابته سرّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرّاء صبر فكان خيرًا له» [رواه مسلم].
والحمد لله رب العالمين، وتابعينا بأخبارك.