السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أم شابة لدي طفل رضيع عمره سنة ونصف، وأمر حاليًا بفترة فطامه، ولكنني أعاني معه ومع نفسي كثيرًا. طفلي يبكي بشكل مستمر، ويبدو عليه التوتر والقلق، وأنا أشعر بالذنب والحزن الشديد لأنني لا أعرف كيف أتعامل معه. حاولت أن أستخدم بعض النصائح التي سمعتها من الأكبر سنًا، مثل وضع سائل الصبار على الثدي ليكره الرضاعة، لكنني أشعر أن هذا يؤلمه ويؤلمني نفسيًا أكثر. أخشى أن تترك هذه الفترة ترسبات نفسية سلبية عليه، وأنا نفسيًّا في حالة من الإرهاق والبكاء، ولا أعرف كيف أتصرف. هل كان من المفترض أن أبدأ بالتمهيد له قبل الفطام؟ وكيف يمكنني أن أمر بهذه المرحلة بسلام دون أن أؤذيه نفسيًا؟ أرجوك ساعديني، فأنا في حيرة كبيرة وأشعر بالعجز.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
حبيبتى الأم الصغيرة، أود بداية أن أطمئنك وأقول لك: أنتِ أم رائعة، وما تشعرين به من قلق وحزن هو دليل على حبك الشديد لطفلك وحرصك على راحته النفسية.
وبالطبع فإن فترة الفطام من المراحل الصعبة التي تمر بها الأمهات والأطفال، ولكنها أيضًا مرحلة طبيعية وضرورية لنمو الطفل واستقلاليته.
وفترة الفطام أو الـWeaning ليست مجرد تغيير في النظام الغذائي للطفل، بل هي تغيير عاطفي ونفسي أيضًا، فالطفل يعتاد على الرضاعة كمصدر للغذاء والأمان العاطفي أو الـ Emotional Security، لذا فإن البكاء والقلق الذي يظهر عليه هو رد فعل طبيعي لفقدان هذا المصدر الذي ارتبط به.
ومن المهم أن نتعامل مع هذه المرحلة بحكمة وحنان؛ لأنها قد تؤثر على نفسية الطفل على المدى الطويل إذا لم تتم بشكل صحيح. ومن الناحية النفسية، يُفضل التمهيد للطفل قبل الفطام، بدلًا من الفطام المفاجئ، حيث يتم تقليل عدد مرات الرضاعة تدريجيًّا مع استبدال بها وجبات غذائية مناسبة لعمره.
* وبشكل عملي مبسط أستطيع نصيحتك بالآتي:
1- ضرورة التمهيد التدريجي للرضيع.. ابدئي بتقليل عدد مرات الرضاعة تدريجيًّا، واستبدلي بها وجبات مغذية أو حليبًا صناعيًّا إذا لزم الأمر.
2- كوني حريصة على التفاعل العاطفي.. وذلك بتعويض طفلك بالأحضان والقبلات واللعب، حتى يشعر بالأمان العاطفي دون الحاجة للرضاعة.
3- تجنبي الأساليب المؤلمة بقدر المستطاع.. وخاصة العنف سواء بالضرب أو العصبية والصراخ منكِ كأم.
وتجنبي أيضًا وضع بعض المواد الملونة أو ذات الطعم الشاذ، مثل البُن أو أي مواد مُرّة على الثدي أو حتى الصبار بكميات كبيرة ومؤذية، فهذا قد يسبب صدمة نفسية للطفل؛ لذا يُفضل تجنب هذه الأساليب، وإن كان ولا بد من وضعها فتكون مسحة خفيفة جدًّا من قلب الصبار بعد تنظيفه والتأكد من عدم تلوثه، وذلك لتنفره فقط بعض الشيء من موضع الرضاعة، دون أن تؤذيه صحيًّا.
وقبل هذه الخطوة لا بد من التمهيد له بأن مكان الرضاعة مصاب، وذلك باستخدام أي مصطلح عودتِه على استخدامه وقت الإصابة لا قدر الله.. وهنا سيقتنع بضرورة الابتعاد عن الثدي لأنه مصاب والدليل الطعم المر، فسيضطر وقتها للاستسلام لرغبته هو لعدم الرضاعة دون بكاء بسبب المنع من الأم (وهذه الطريقة عملية وناجحة ومجربة على عدد كبير جدًّا من الرضع وقت الفطام).
٤- تحلي بالصبر والاحتواء.. كوني صبورة، واستمري في احتواء بكاء طفلك بحنان، فالبكاء هو وسيلته الوحيدة للتعبير عن حاجته.
٥- واعلمي عزيزتى الأم الصغيرة بأن فترة الرضاعة والفطام هي مرحلة مؤقتة، وأن الله تعالى قدّرها بحكمة لتنتهي بسلام إن شاء الله تعالى، وليست ممتدة لسنوات طويلة مرهقة للأم، ولقد قال الله تعالى فيها ما يؤكد ذلك: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}.
- ولتتذكري أيضا أن ثواب الرضاعة عظيم، وكل معاناة أو ألم وضعف للأم منها لها أجرها عند الله تعالى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يُصيبُه أذىً من مرضٍ فما سواه إلا حطَّ الله به خطاياه، كما تحط الشجرة ورقها".
*همسة أخيرة للأم الصغيرة:
أنتِ تقومين بدور عظيم، وكل ما تمرين به الآن هو جزء من رحلة الأمومة الجميلة. ثقي في نفسك، واستعيني بالله، واعلمي أن هذه المرحلة ستمر بسلام إذا تعاملتِ معها بحكمة وحنان. لا تترددي في طلب المساعدة من زوجك أو أفراد العائلة لتخفيف الضغط عنك.
ولا بد أن تكوني قوية، فأنت اليوم في أول الطريق مع طفلك الأول، وغدا بإذن الله تعالى ستصبحين أُمًّا لعدد من الأبناء، وعليك أن تتحلي بالحكمة والصبر والصحة النفسبة والبدنية حتى تستطيعي مواجهة كل تلك التحديات الجميلة.. فأنتِ الآن تبنين شخصية طفلك، وكل خطوة تخطينها بحب وصبر ستؤتي ثمارها في المستقبل، فكما قال أمير الشعراء أحمد شوقي:
الأم مدرسة إذا أعددتها ** أعددت شعبًا طيب الأعراق
وتذكري أيضا أنكِ لستِ وحدك، فمعظم الأمهات مررن بتلك التجربة الرائعة، وخرجن منها أقوى وأكثر حكمة وخبرة.
أسأل الله تعالى أن يمنحكِ الصبر والقوة، وأن يجعل هذه المرحلة سهلة عليكِ وعلى طفلك وأن يحفظه ويبارك لك فيه.