فقدت لذة العبادة وأشعر بالفتور.. كيف أعود؟

أشعر أحيانًا بفترات من الفتور الإيماني، فلا أجد لذة في العبادة كما كنت سابقًا. أحاول قراءة القرآن، لكنني أشعر بثقل في قلبي، وأحيانًا يغلبني النوم عن صلاة الفجر رغم ضبط عدة منبهات. هذا الحال يؤلمني وأخشى أن يبعدني عن الله، فكيف أستعيد روحانيتي وقربي من ربي؟ مع العلم بأني في سن الثلاثين وغير متزوجة وأعيش مع أبي وأمي وأخي الأصغر.

أختي الكريمة، مرحبًا بك، وأسأل الله أن يشرح صدرك ويطمئن قلبك، وبعد...

 

فإن هذا الهم الذي تحملينه بسبب شعورك بالتقصير في حق الله، ورغبتك في الاستدراك، لهو في حد ذاته علامة خير وبشارة أمل، فإن القلوب التي تحزن للفتور وتسعى لاستعادة لذة العبادة هي قلوب تحب الله وتشتاق إليه، وإنه لدليل الإيمان الحق. فمن أحب الله، لا يرضى ببعده عنه، ومن تذوق حلاوة القرب، يؤلمه الجفاء.

 

إن الفتور في العبادة أمر يمر به كل مؤمن، حتى الصحابة الكرام اشتكوا منه، فقد رُوي أنَّ حَنْظَلةَ الأُسَيْديَّ -وكان مِن كُتَّابِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قال: لَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ، فَقالَ: كيفَ أَنْتَ يا حَنْظَلَةُ؟ قالَ: قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، قالَ: سُبْحَانَ اللهِ! ما تَقُولُ؟ قالَ: قُلتُ: نَكُونُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، فَنَسِينَا كَثِيرًا، قالَ أَبُو بَكْرٍ: فَوَاللَّهِ إنَّا لَنَلْقَى مِثْلَ هذا، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ حتَّى دَخَلْنَا علَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، قُلتُ: نَافَقَ حَنْظَلَةُ، يا رَسُولَ اللهِ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «وَما ذَاكَ؟»، قُلتُ: يا رَسُولَ اللهِ، نَكُونُ عِنْدَكَ، تُذَكِّرُنَا بالنَّارِ وَالْجَنَّةِ حتَّى كَأنَّا رَأْيُ عَيْنٍ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِن عِندِكَ، عَافَسْنَا الأزْوَاجَ وَالأوْلَادَ وَالضَّيْعَاتِ، نَسِينَا كَثِيرًا، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ، إنْ لَوْ تَدُومُونَ علَى ما تَكُونُونَ عِندِي وفي الذِّكْرِ، لَصَافَحَتْكُمُ المَلَائِكَةُ علَى فُرُشِكُمْ وفي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً (ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)». [رواه مسلم].

 

وقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ لكلِّ عملٍ شِرَّةٌ ولكلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فمن كانت شِرَّتُه إلى سنَّتي فقد أفلح، ومن كانت فَتْرَتُه إلى غيرِ ذلك فقد هلكَ» [رواه أحمد].

 

فما تشعرين به –أختي الكريمة- ليس دليلاً على ضعف إيمانك، بل هو جزء من طبيعة الإنسان، ولكن الأهم هو كيف نتعامل معه، ونحوله دافعًا للارتقاء لا سببًا للتراجع.

 

أولًا- لماذا نشعر بالفتور؟

 

الفتور له أسباب متعددة، منها ما هو نفسي، ومنها ما هو روحي، ومنها ما هو عملي، ومنها ما هو بدني، ومن المهم التعرف عليها حتى نتمكن من علاجها.

 

1- الاعتياد وفقدان التجديد: أحيانًا نصبح أسرى للروتين في عباداتنا، فتصبح الصلاة مجرد حركات، وقراءة القرآن عادة يومية بلا تدبر، مما يفقدها روحها.

 

2- الذنوب وإن كانت صغيرة: فالذنوب تثقل القلب وتمنعه من التلذذ بالعبادة، كما قال تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [المطففين: 14].

 

3- الانشغال بالدنيا: فحين تأخذ الدنيا كل اهتمامنا، يضعف حضور القلب في العبادة.

 

4- قلة الصحبة الصالحة: فالصحبة تؤثر على القلوب، فإذا كنتِ محاطة بمن لا يذكِّرك بالله، فقد تضعف همتك تدريجيًّا.

 

5- الإرهاق والتعب الجسدي: فالبدن يؤثر على الروح، وكثرة السهر أو قلة النوم تؤدي إلى الخمول والكسل عن العبادة.

 

ثانيًا- كيف أستعيد روحانيتي وأشعر بلذة العبادة؟

 

أختي الكريمة، العلاج يكمن في خطوات متكاملة بعضها مع بعض، سأذكر لكِ منها ما يفتح الله عليَّ به:

 

1- تجديد النية واستشعار القرب من الله:

 

ذكِّري نفسكِ دائمًا بأن العبادة ليست واجبًا فقط، بل هي فرصة لقاء مع الله، هي لحظة صفاء، هي حديث مع من لا يملُّ سماعكِ. اجلسي مع نفسكِ بصدق واسألي: لماذا أعبد الله؟ هل خوفًا أم حبًّا؟ ثم حاولي أن تعبديه حبًّا ورغبةً، وستجدين فرقًا كبيرًا.

 

2- الدعاء الصادق والاستغاثة بالله:

 

قفي بين يدي الله واطلبي منه لين القلب، وقوة النفس، ورهافة الحس، ولذة العبادة، والهمة العالية.

 

وكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو: «اللهمَّ إني أعوذُ بكَ من العجزِ والكسلِ» [رواه مسلم]، فاسألي الله أن يرزقكِ النشاط في العبادة.

 

3- قراءة القرآن بتدبر لا بكثرة:

 

إذا شعرتِ بثقل في القراءة، فلا تجبري نفسكِ على الكم، بل ركزي على الكيف. اقرئِي ولو خمس آيات، لكن بتدبر وتأمل، ابحثي عن معانيها، واسألي نفسك: ماذا يريد الله مني في هذه الآيات؟

 

4- معالجة مشكلة صلاة الفجر:

 

- نامي على وضوء، وادعي الله قبل النوم أن يعينكِ.

 

- اجعلي المنبه بعيدًا عنكِ، بحيث تضطرين للقيام لإغلاقه.

 

- استعيني بأحد من أهلك لإيقاظكِ، فالدعم العائلي يعين على الطاعة.

 

- احرصي على الأذكار قبل النوم.

 

5- الصحبة الصالحة والمجالس الإيمانية:

 

حاولي أن تجدي صديقة أو مجموعة تشجعكِ على الطاعة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «المرءُ على دينِ خليلِه فلينظرْ أحدُكم مَن يُخاللُ» [رواه أحمد].

 

6- التغيير في أسلوب العبادة:

 

- جربي أن تصلَّي في مكان جديد في البيت ليكسر الروتين.

 

- غيّري من قراءتكِ للقرآن، استمعي إلى مقرئ مختلف، أو طالعي تفسيرًا جديدًا.

 

- اجعلي لنفسكِ وردًا من الذكر في وقت لم تعتادي عليه من قبل.

 

7- الصدقة والإحسان للغير:

 

أحيانًا يكون سبب الفتور هو أن العبادة أصبحت فردية شخصية، بينما الدين قائم في كثير من أركانه على المشاركة والجماعية والإحسان إلى الغير. فجربي أن تعطي صدقة سرًّا، أو أن تساعدي شخصًا محتاجًا، أو تعيني أختًا لك على طاعة، وستجدين أثر ذلك في قلبكِ فورًا.

 

8- تقليل الذنوب والاستغفار المستمر:

 

الذنوب تقسي القلب وتميته، والاستغفار يرققه ويحييه، فلا تتركي يومكِ دون ورد استغفار، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وهو المعصوم، وهو مَن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يقول: «واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّةً» [رواه البخاري].

 

ختامًا -أختي الكريمة- تذكَّري أن الله لا يبتعد عنك أبدًا، وأنه –جل وعلا- ينتظركِ في كل سجدة، يسمعكِ في كل دعوة، يحبكِ رغم فتوركِ، يريد لكِ الخير، بل ويشكر لكِ كل خطوة تقطعينها نحوه، ويسارع إليك بأضعافها، فقد قال في الحديث القدسي: «أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بي، وأنا معهُ إذا ذَكَرَنِي، فإنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي، وإنْ ذَكَرَنِي في مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ في مَلَإٍ خَيْرٍ منهمْ، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ بشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ ذِراعًا، وإنْ تَقَرَّبَ إلَيَّ ذِراعًا تَقَرَّبْتُ إلَيْهِ باعًا، وإنْ أتانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً» [رواه البخاري].

 

فحاولي أن تقتربي ولو بخطوة صغيرة، وستجدين الله يفتح لكِ أبواب الرحمة واللذة في عبادته من جديد.

 

وأنصحك بمطالعة الاستشارات التالية:

 

- لا أبكي رغم تأثري.. هل هذه قسوة قلب؟

 

- أعبد الله على حرف.. كيف أنجو من السقوط؟

 

- لماذا لا أشعر بأثر القرآن والذكر.. خطوات عملية لإحياء القلب

 

- شعور البعد عن الله.. أسبابه وعلاجاته العملية

 

- 15 خطوة لإعلاء الهمة وتقوية الإرادة

 

أسأل الله أن يملأ قلبكِ بنور الإيمان، وأن يرزقكِ حلاوة الطاعة، وأن يرزقكِ الثبات حتى الممات، اللهم آمين. وتابعينا بأخبارك.