السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا إمام وخطيب في أحد المساجد، وأحاول بذل قصارى جهدي في الدعوة إلى الله تعالى، وتقديم كل ما أستطيع لخدمة الناس وتعليمهم أمور دينهم. إلا أنني أواجه أحيانًا مشاعر الغيرة أو المنافسة من بعض زملائي في حقل الدعوة، وقد يصل الأمر إلى النقد غير البنّاء أو محاولة التقليل من جهودي. كيف أتعامل مع هذه المواقف؟ وكيف أحافظ على صفاء قلبي تجاه زملائي، وأبقى مركزًا على رسالتي الدعوية؟ وما النصيحة لمن يقع في الغيرة أو الحسد تجاه إخوانه من الدعاة؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الحمد لله القائل: (وما بكم من نعمة فمن الله) والصلاة والسلام على سيد الدعاة وإمام الهداة، وبعد:
فنرحب بك أيها الإمام الكريم، ونقدّر حرصك على أداء رسالتك الدعوية بإخلاص وجهد واضح.
وما ذكرته من مشاعر الغيرة بين الدعاة والمنافسة غير الشريفة هو أمر موجود في كل بيئة عمل، لا ينكره إلا من وضع على عينه غشاوة، والغيرة تكون أشد وقعًا وأعظم خطرًا في مجال الدعوة لما يتطلبه من صفاء نية وإخلاص لله تعالى.
لذلك يسعدنا أن نقدم لك توجيهات تجمع بين الهدي القرآني والسنة النبوية وعلوم التربية لتحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي في هذا المجال الشريف.. وذلك على النحو التالي:
أولًا: الغيرة بين الدعاة في ضوء القرآن والسنة
إنّ الغيرة التي تتحول إلى حسد أو رغبة في زوال النعمة من الآخرين مذمومة في الإسلام. قال الله تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) [النساء: 54]. وينبغي للداعية أن يستحضر أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وأن النجاح في الدعوة نعمة يُسأل الداعية عن شكرها، لا عن الافتخار بها. وقد ثبت عن سيدنا النبي ﷺ: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا» (رواه مسلم).
واعلم أخي الكريم: أنّ من أعظم أسباب الثبات في الدعوة أن يستحضر الداعية أن عمله لله وحده، لا طلبًا للشهرة أو المنافسة مع زملائه. قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى) [سبأ: 46].
ثانيًا: توجيهات تربوية للتعامل مع الغيرة بين الدعاة، وهي نصائح لي ولك ولغيرنا، ومن بين تلك التوجيهات اللازمة ما يأتي:
- تطوير الوعي الذاتي: تأمل في مشاعرك إذا تأثرت بنقد أو غيرة زميل، واسأل نفسك: "هل أعمل لله أم لأجل رضا الناس؟". ومن بين التقنيات التربوية المعاصرة المفيدة: كتابة قائمة بالأهداف الدعوية وقراءتها عند الشعور بالضغوط لتذكير النفس برسالتك الحقيقية.
- إعادة صياغة المشاعر السلبية: حوِّل الغيرة إلى دافع إيجابي لتحسين أدائك وتطوير مهاراتك الدعوية، وبدلًا من التنافس السلبي، اعمل على التعاون وتبادل الخبرات مع زملائك.
- تقدير جهود الآخرين وتشجيعهم: امدح زملاءك بإخلاص عندما يحققون نجاحًا؛ فالكلمة الطيبة تقوي الروابط وتكسر حدة الغيرة. قال النبي ﷺ: «من لا يشكر الناس لا يشكر الله» (رواه أحمد).
- تجنب الانشغال بانتقادات الآخرين: إذا كان النقد بناءً فاستفد منه، وإذا كان غير بناء فاصبر واحتسب. قال الله تعالى: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ).
- الاستفادة من الدعم الاجتماعي: فإنّ كونك إمامًا لا يعني العزلة؛ احرص على تكوين شبكة من الزملاء المخلصين الذين يدعمونك نفسيًّا ومهنيًّا.
- التركيز على النتائج الدعوية وليس الشهرة: واعلم بأنّ النجاح الحقيقي في الدعوة يُقاس بعدد القلوب التي تهتدي إلى الله، لا بعدد المتابعين أو المدح.
ثالثًا: نصائح لمن يقع في الغيرة بين الدعاة
وأنصح دعاتنا الكرام جميعا بالآتي:
1- تجديد النية: ذكِّر نفسك دائمًا بأن الدعوة عمل لله تعالى، وأن نجاح أي داعية هو نجاح للإسلام وليس منافسة شخصية.
2- الدعاء للأقران: من أعظم وسائل تطهير القلب الدعاء لمن تغار منهم، فقد قال النبي ﷺ: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (رواه البخاري).
3- التذكير بالجزاء الأخروي: تذكر أن الله لا ينظر إلى المناصب بل إلى الإخلاص في العمل. قال الله تعالى: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ).
4- تعزيز مفهوم التعاون: فالدعوة إلى الله مسؤولية جماعية، والنجاح يتحقق بتضافر الجهود.
وختامًا:
اجعل شعارك في الدعوة قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)، واقبل الاختلافات بينك وبين زملائك بصدر رحب، واعتبرها تنوعًا يُثري العمل الدعوي، كما لا تنس الدعاء لله أن يرزقك الإخلاص ويبعد عنك فتنة الشهرة والغرور.
ونسأل الله أن يوفقك لكل خير، وأن يجعلك مفتاحًا للخير مغلاقًا للشر، وأن يُصلح بين الدعاة ويوحد كلمتهم لنصرة دين الله.