"الست أمينة" وبنك الحب

السلام عليكم .. أنا فتاة مخطوبة كنت قد أرسلت لكم استشارة من قبل أطلب نصائح كي أعيش حياة زوجية سعيدة وجاء في الرد أن من أهم الأمور التي تحقق السعادة طاعتي لزوجي وأنا أريد أن أعرف حدود هذه الطاعة وهل يلزمني موافقته في كل أمر.. يعني مثلا لو طلب مني أخدم أسرته هل أطيعه؟ لو طلب مني ذهبي هل أعطيه؟ أيضا ألا تبدو الحياة الزوجية مملة جدا وأنا بلا رأي وأطيعه في كل أمر؟ ألا يمكن أن يمل مني ويبحث عن أخري لها رأي وتعارضه؟ أعذروني على كثرة أسئلتي فهذه الأفكار تلح على رأسي.

وعليكم السلام ورحمة الله ابنتي الحبيبة صاحبة استشارة لكل فتاة مقبلة على الزواج.. روشتة للسعادة الزوجية.. بارك الله فيك يا ابنتي وبارك في أسئلتك، وليت كل الفتيات مثلك يسألن ويفكرن ويبحثن.

 

وردًّا على سؤالك فطاعة الزوجة لزوجها بالمعروف واجب عليها وهو من الأمور التي تحقق السكن والرضا والسعادة،  أو كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن ماجة "ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله تعالى خيرًا من زوجة صالحة، إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته أو حفظته في نفسها وماله".

 

لكن يا ابنتي هذه الطاعة ليست مطلقة بل لها ثلاثة ضوابط:

 

الأول: الطاعة في المعروف فقط، أو كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"، فلو دعاك مثلا لخلع الحجاب أو تأخير الصلاة لا تستجيبي له، نفس الأمر ينطبق لو دعاك لصورة من صور العلاقات الحميمة غير الشرعية ارفضي، فلا طاعة له في ذلك.

 

الثاني: أن تكوني قادرة على ما يأمرك به (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة: 286]، فلا تكلفي نفسك ما لا تطيقين، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: 78].

 

وبالتأكيد ألا تمثل طاعتك له ضررًا لك لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا ضرر ولا ضرار"، والمسألة هنا تقديرية -ابنتي الحبيبة- مثلا لو طلب منك خدمة والدته المريضة لانشغاله بعمله وأنت كنت في حالة صحية جيدة تسمح لك بذلك، فافعلي ذلك حتى لو لم يكن واجبًا عليك، واعتبري ذلك من المعروف أو اعتبريه رصيدًا تضعينه في بنك الحب الخاص بك وبزوجك..

 

أما إذا طلب منك مثلا خدمة والدته السليمة جسديًّا والقادرة على خدمة نفسها وكنت أنت حامل وحالتك الصحية ليست على ما يرام، فهنا ترفضين لأنك تضرين نفسك، وهكذا لا توجد قواعد صارمة تحكم المسألة أكثر من تقوى الله عز وجل التي هي في الصدور.

 

الثالث: أن وجوب طاعته تكون فيما يتعلق بالحياة الزوجية، فلا يجب عليك طاعته في المجال العام كأن تُدلي بصوتك لناخب معين لا تريدينه  أو تشاركي في نشاط اقتصادي لا ترغبينه أو تبيعي ذهبك وتعطيه إلا إذا رغبت عن طيب نفس فعل ذلك لمصلحة ترينها راجحة، هل تفهمينني ليس له ذلك، فإن لك ذمة مالية خاصة بك، ولكن الشورى خير يا ابنتي، والحوار يبني جسور الود والتفاهم حتى في المسائل التي لا يجب عليك فيها طاعته، خاصة لو كان زوجك ذا رأي وصاحب خلق ودين.

 

بهذه الضوابط -ابنتي الحبيبة- تدركين  أن لك رأيًّا كبيرًا ورأيًّا معتبرًا أيضًا، انظري لأمنا خديجة وهي تحادث النبي عند بدء الوحي كيف لعبت دورًا في غاية الأهمية في طمأنته.. انظري لأمنا أم سلمة وهي تشير على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية فيستجيب لها، ولولا مشورتها لهلك الناس يومئذ.. فمن قال إن الزوجة المسلمة لا رأي لها ولا مشورة؟ لا يوجد تناقض بين طاعة الزوجة لزوجها وبين أن يكون لها رأي تشاركه إياه.

 

وأنا متفقة معك أن امرأة لا تتكلم ولا رأي لها هي امرأة في غاية الملل كما صور نجيب محفوظ شخصية "الست أمينة" في روايته الشهيرة "بين القصرين"، لكن "الست أمينة" كانت تجسيدًا لواقع يجسد التراجع الحضاري ولا علاقة له بالإسلام الصحيح.

 

و"السيد أحمد عبد الجواد" لم يبحث عن امرأة أخرى بحثًا عن رأي معارض وإنما بحث عن امرأة تشبع احتياجاته كرجل، ولا أتحدث بالطبع عن مجونه أو تدينه الناقص وإنما أقصد  إشباع غريزة هي في قاعدة هرم الحاجات الأساسية للإنسان؛ لذلك شدد الدين على قضية طاعة المرأة في أمر العلاقة الزوجية فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء لعنتها الملائكة حتى تصبح"، وما يستتبع ذلك من اهتمامها بمظهرها وزينتها كما بينت لك من قبل.. أسعد الله قلبك، وبارك لك، ولا تترددي في طرح أي سؤال آخر.