السلام عليكم.. زوجي فيه عيوب كثيرة جدا وكثيرا ما أشعر أنه رجل تافه فهو ليس له كلمة ولا يفي بوعوده وكثيرا ما أشعر إنني لا أحترمه كرجل.. مشكلتي الكبرى معه أنه بيغلط في وبيشتمني وبيشتم أهلي والحل الوحيد الذي يمنعه من التمادي أن أصرخ في وجهه وأشتمه كما يشتمني ووقتها يهدأ ويصمت ويبتعد وأنا لا أحب ما أقوم به معه ولم أكن أتخيل أن أعيش هذه الحياة لكنه الحل الوحيد النافع معه لو تركته قد يتمادى ويصل الأمر للضرب لا أنكر إنه رجل كريم يصلي ويقرأ القرآن ولكنني تعبت منه ومن هذه الحياة التي أعيشها معه.
أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا بك على بوابة استشارات المجتمع...
كنت أتمنى أن تذكري بعض التفاصيل عنك وعن زوجك كعمرك وعمره ودرجة التعليم ووجود أولاد من عدمه، لكن على أي حال أنا أشعر بك، وأشعر بمدى الإحباط من هذه الحياة التي تعيشينها والتي لم تكوني تتخيلين أن تصبحي طرفًا فيها.
أختي الكريمة، الله سبحانه وتعالى يقول: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) [النساء: 34]...
يقول ابن كثير عن هذه الآية: "الرجل قيم على المرأة، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها إذا اعوجت"، أي أن الرجل له تقديره ومكانته التي تشبه منزلة الرئيس أو الأمير، وأنت فقدت هذا الشعور فقدت شعور التقدير والاحترام، وهو أمر كارثي لا بد أن نعمل على تداركه وذلك لمصلحتك أولا؛ ففطرة المرأة السوية لا تستقيم مع غياب هذا التقدير والاحترام؛ فالتقدير لا يمثل حاجة للرجل فقط وإنما هو يمثل حاجة للمرأة أيضا، ولا أظنني أبالغ إن قلت إن الاحترام أهم من الحب في الحياة الزوجية.
أختي الغالية، دعينا نناقش الأسباب الذي أدت لغياب شعورك بالتقدير تجاه زوجك، وفي الحقيقة هي مجموعتان من الأسباب:
الأولى: هي مجموعة الأسباب المرتبطة بالسمات الشخصية لزوجك كون أنه لا يفي بوعوده أو ليس له كلمة كما تقولين، وهي الأمور التي أشعرتك أن زوجك "تافه".
الثانية: هي مجموعة الأسباب المتعلقة بالعلاقة بينكما خاصة أسلوبه في سبك وسب عائلتك وتماديه حتى يصل الأمر ما لم توقفيه بسبه هو الآخر والصراخ في وجهه، وهو الأمر الذي يزعجك نفسيًّا.. أن تضطري لشتمه وسبه حتى توقفي أذاه، وكنت أتمنى سؤالك: هل هو كذلك من بداية زواجكما أو هو أمر استجد عليه؟
عزيزتي نحن تحدثنا عن المشكلة وعن أسباب المشكلة، دعينا قبل أن نبحث عن الحل نبحث عن أي نقاط مضيئة في شخصيته أو في علاقتكما معًا، وأنت ذكرت إشارتين مضيئتين:
الأولى: مرتبطة بسماته الشخصية فهو يصلي ويقرأ القرآن، ويبدو أنه يُكثر من العبادات عمومًا.
الثانية: مرتبطة بعلاقته بك، فهو كريم لا يبخل عليك في شيء.
وقبل أن أغادر هذه النقطة بحثًا عن الحل المنشود أريد أن أطلب منك طلبًا، أريدك أن تبذلي قصارى جهدك في تحقيقه وتقدحي زناد فكرك في البحث عنه ألا وهو: ألا يوجد لدى زوجك أي مميزات أخرى سواء على المستوى الشخصي أو على مستوى علاقتكما؟ أريدك أن تفكري جيدًا، فنحن في وقت الغضب لا نتذكر إلا ما يضايقنا ويؤلمنا ونتجاهل النقاط المضيئة ونبخسها حقها.
ما الحل إذن؟
ينقسم الحل إلى جزئين أيضًا.
الجزء الأول: يمكننا أن نطلق عليه أنت ونفسك، في هذا الجزء من الحل أنت بحاجة أن تجلسي مع نفسك في مكان هادئ لأنك ستعقدين اجتماعًا مع نفسك لعله يكون أهم اجتماع في حياتك، ومحور الاجتماع قضية واحدة فقط أو سؤال واحد فقط، وهو: هل من مصلحتي أن تسيطر عليّ مشاعر الاشمئزاز وعدم التقدير التي أُكنها لزوجي؟ إذا كان عليّ أن أستمر في هذا الزواج (بإمكانك ذكر الأسباب التي تدفعك للاستمرار)، فهل من مصلحتي أن أستمر وأنا نافرة محبطة لا أعيش شخصيتي كما فطرها الله؟
تعلمين بالطبع إجابة السؤال، وهي أن مصلحتك تقتضي أن تُكني لزوجك مشاعر التقدير والاحترام، لكن سوء سلوكه يحول بينك وبين تحقيق مصلحتك، وأنا أدعوك ألا يحول شيء دون تحقيق مصلحتك، فبإمكانك أن تعيدي صياغة أفكارك تجاهه.. أن تعيدي تأويل سلوكياته.. أن تعيدي برمجة عقلك باستخدام تقنيات اللاوعي.. أن تصنعي التفاؤل وتفرضيه على واقعك، وسأشرح لك بعضًا من ذلك:
ـ ونبدأ بصناعة التفاؤل، وأدعوك لقراءة هذه الاستشارة ففيها الكفاية في هذه القضية عقولنا تحتاج إلى التفاؤل.
أنت الآن متفائلة ومستعدة أن تري نصف الكوب المملوء، وهو هنا كرمه، وكم من استشارة تأتينا تشكو فيها الزوجة مر الشكوى بخل زوجها أو جشعه في الحصول على مالها.. أيضًا صلاته وقراءته للقرآن الذي يدل على حبه للدين وفطرته الطيبة التي يمكن استثمارها.
ـ الآن نحن بحاجة إلى إعادة برمجة العقل، وهي عملية بالتأكيد لا يمكنك القيام بها في جلسة واحدة ولكن ستأخذين القرار في هذه الجلسة الواحدة، ومن نماذج البرمجة.. البرمجة بالكلام فبدلا من قولك "زوجي تافه".. "زوجي لا كلمة له"، وتكرار هذا الكلام على نفسك، سوف نستبدل به جملاً أخرى صادقة وحقيقية مثلا "زوجي رجل متدين".. "زوجي رجل كريم"، وسوف تكررين هذا الكلام لنفسك ولغيرك وله هو شخصيًّا، وهذا سيجعل شعورك تجاهه يتحسن بالتدريج.. عندما تذكرين عيوبه تقولين لنفسك لا يوجد إنسان كامل كل منا لديه عيوبه.. إننا نريد بناء مشاعرك تجاهه.
ـ إعادة تأويل سلوكياته.. غاليتي، كل سلوك إنساني قابل للقراءة بأكثر من طريقة، فالرجل المستبد المتحكم يمكن إعادة قراءة سلوكه مثلا بأنه رجل غيور وشتان ما بين المعنيين، والعكس صحيح الرجل الهادئ الرصين يمكن إعادة قراءة سلوكه بأنه شخص بارد لا مبال.. لا توجد حقيقة واحدة اتفق عليها البشر في تفسير السلوك الإنساني، فليس معنى أن زوجك أخلف كلمته عدة مرات أن نعمم الحكم بأنه ليس له كلمة.. قد يكون جدّ جديد منعه من إنفاذ كلمته أو رأى فيها ضررًا أو وجد ما هو أفضل منها (سنأتي في النقطة التالية لموضوع السب والشتيمة).
الهدف من إعادة تأويل سلوكه الذي لا يعجبك وبرمجة عقلك حتى يرى مميزاته وأن تشيعي في حياتك وعقلك التفاؤل، أن تعيدي لنفسك الإحساس به وتقديره كرجل وكزوج، فهذه نقطة مركزية في إنقاذ حياتك الزوجية التي قررت أن من مصلحتك استمرارها.
الجزء الثاني: أنت وهو، نجاح هذا الجزء مبني على نجاحك مع نفسك في الجزء الأول، فلا شك أن شعوره بأنك تحترمينه وتقدرينه سيصله، ففي اعتقادي أن جزءًا كبيرًا من غضبه وثورته التي تصل للشتم لك ولعائلتك يحدث لتعويض شعوره أنه غير مقدر منك وأنك لا تحترمينه بالقدر الكافي، فلو تغير عنده هذا الشعور سينعكس عليه ويهدئ من روعه سيمنحه جزءًا من الأمان النفسي، فلا شيء يزعزع أمان الرجل النفسي أكثر من إحساسه أن حاجته للتقدير مهدرة وأنه كرجل غير مرئي لزوجته (والكارثة لو شعر أنه في المقارنة مع آخرين لا محل له من الإعراب).
لا يعني هذا بالطبع أنه لن يخطئ ولن يتجاوز فمن السذاجة تصور ذلك، ولكن قد يقلل هذا من نوبات غضبه، وقد يقلل أيضًا من حدتها إلا أنه لن ينفيها؛ لذلك أنصحك بأمرين:
الأمر الأول خطوة استباقية: أن تجلسي معه وتتحدثي إليه بعد أن تكوني قد قمت بالخطوة الأولى مع نفسك، وإياك والنقد والتجريح حتى لو سخر من محاولتك هذه، احتفظي بابتسامتك واحرصي على التواصل البصري معه والقرب المكاني منه، وقولي له إن علاقتنا تستحق فرصة وإنك معجبة به في كثير من الأمور ولكن غضبه الذي يخرج عن حدود السيطرة يجرحك ويوجعك ولا يليق برجل مثله يصلي ويعبد الله.
حاولي أن تحصلي منه على وعد ألا يلجأ لهذا الأسلوب واستمعي لكل شكواه، فغالبا سيقول لك إنه يقوم بهذا الفعل كرد فعل على بعض الأمور التي تستفزه، فلا تنكري ما يقوله ولكني ابحثي معه عن طرق أخرى صحية ينبهك فيها إلى ما يغضبه.
الأمر الثاني: عندما يحدث ويثور ويغضب ويبدأ في شتمك لا بد أن توقفيه لكن بطريقة صحيحة وليس بالصراخ وتبادل الشتائم معه، فيمكنك أن تنظري لعينيه بقوة (وليس بحدة) وتقولي له توقف، ويمكنك أن تصمتي ثواني حتى تجذبي انتباهه وأن تقولي له هل هذا ما اتفقنا عليه؟ ويمكن أن تقولي له يمكنني الرد لكني لن أفعل لأنني أحترم ما اتفقنا عليه، ويمكنك إن لم يفلح هذا كله الانسحاب وأن تنتظري فترة حتى تهدئي ويهدأ قبل أن تعاتبيه، ولا تتركيه إلا بعد اعترافه بالخطأ صراحة أو ضمنًا وتجديد لوعد بعدم التكرار، المسألة بحاجة للصبر بل للاصطبار لأنها تستحق فجاهدي عزيزتي لإنقاذ حياتك الزوجية.. يسر الله أمرك وأصلح بالك وألّف بين قلبك وقلب زوجك، وتابعيني دائما بأخبارك.