حبيبتي أم خطيبتي.. من أتزوج منهما؟!!

السيدة المستشارة، تحية طيبة وبعد.. أنا شاب في منتصف العشرينيات، طالب دراسات عليا وأعمل في وظيفة مرموقة، أعيش حياة طبيعية إلى أن ابتُليت بقصة حب غريبة قلبت كياني رأسًا على عقب. بدأت الحكاية حينما تعرفت على فتاة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، كانت مختلفة، تمتلك من الذكاء والثقافة ما شدني إليها، وتعمّقت العلاقة حتى شعرتُ أنها نصف روحي الآخر. لكن المشكلة أنني كنت مخطوبًا لفتاة أخرى، خطبتنا كانت تقليدية، وكانت فتاة طيبة وخلوقة لكني لم أشعر معها بهذا الشغف والانجذاب العاطفي كما شعرت مع الفتاة الأخرى. وبعد صراع نفسي طويل، قررتُ الانفصال عن خطيبتي رغم تعلقها بي وحبها وإخلاصها لي، خاصة أنني وجدت في الفتاة الجديدة التوافق الفكري والتفاهم العاطفي الذي أبحث عنه. لكن الصدمة الكبرى حدثت بعد أن قررتُ الارتباط بالفتاة التي أحببتها، إذ اعترفت لي أنها كانت متزوجة سابقًا، لكنها أخفت عني الأمر خوفًا من أن أرفضها! لم يكن زواجها طويلًا، لكني شعرت بالخيانة والغدر العاطفي، وكأنني كنت أعيش في وهم جميل. الآن، لا أعرف ماذا أفعل، فقلبي يميل إليها بشدة، لكن عقلي يصرخ بأنها خدعتني، وكسر الثقة في العلاقة قد يجعل من الصعب بناء مستقبل سليم معها. أشعر أنني فقدت كل شيء، فلا أستطيع العودة لخطيبتي التي جرحتها، ولا أستطيع أن أمضي مع من خدعتني! فكيف أتصرف؟

ابني العزيز.. قرأت رسالتك بتمعّن، وأتفهم مشاعرك المتضاربة، فالقلب يريد شيئًا والعقل يقاومه، وهذه من أصعب الصراعات النفسية التي قد يمر بها الإنسان.

 

ورغم أنني من غير المؤيدين للعلاقات والخطبة والزواج عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، حيث أننى أرى أنه عالم شبه افتراضي، ولا بد ألا نثق في كلام أو صور إلا فيمن نعرفهم عن قرب سواء الأهل والأقارب أو الجيران أو زملاء العمل والدراسة، أما فيما عدا هؤلاء فلا بد من توخي الحذر وبشدة.. رغم كل هذا فإنني كذلك لا أفضل التعميم، لما يشوبه من بعض الظلم لبعض المحترمين.

 

ولذلك دعني أحاول أن أساعدك على تفكيك هذه الأزمة بأسلوب علمي وتربوي يحقق لك وضوح الرؤية.

 

أولًا: لا بد من فهم طبيعة مشاعرك وتفسيرها نفسيًّا.. فإن ما تمر به الآن هو نتاج لعدة ظواهر نفسية:

 

1- الارتباط العاطفي القوي (Emotional Bonding) حيث أنك تعلّقت بالفتاة الجديدة لأنها قدمت لك مستوى من التفاهم والاهتمام لم تجده مع خطيبتك السابقة، وهذا أثّر على قراراتك العاطفية.

 

2- نظرية التنافر المعرفي (Cognitive Dissonance) وهي الشعور بعدم الارتياح نتيجة التعارض بين قناعاتك وقيمك من جهة، وما حدث من خداع من جهة أخرى.

 

3- انهيار الثقة  (Trust Breakdown) وهو أحد أقوى العوامل التي تؤثر على استمرار العلاقات العاطفية؛ إذ تشير الدراسات النفسية إلى أن العلاقات المبنية على الخداع يصعب ترميمها لاحقًا.

 

ثانيًا: وهو الأهم والذي تستقيم به حياتنا، ألا وهو الحكم الشرعي والأخلاقي.. فالإسلام حث على الصدق في العلاقات، فقد قال النبي ﷺ: "إن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإن الرجل ليصدق حتى يُكتب عند الله صِدّيقًا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، وإن الرجل ليكذب حتى يُكتب عند الله كذّابًا".

 

وما فعلته الفتاة من إخفاء ماضيها عليك هو إخلال بمبدأ الصدق، وهو أمر قد يترك ندبة نفسية في العلاقة، حتى ولو أن نيتها كانت حسنة، إلا أن الحقيقة لا يجب أن تُخفى في مثل هذه الأمور الجوهرية.

 

أما عن خطيبتك السابقة فقد ظلمتها حين فسخت خطبتها بسبب عدم شعورك بالشغف، وأرى أن الأخرى كانت من الأسباب القوية لفقد شغفك بخطيبتك وصرف قلبك وعقلك عنها، مع أنك إن لم تكن ارتبطت بالأخرى وتعلقت بها، لكانت فرصة الخطيبة كبيرة في كسب قلبك؛ لأن الحب ينمو مع العشرة والمواقف الصادقة، وليس بالضرورة أن يكون من اللحظة الأولى، وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ليس كل البيوت تُبنى على الحب، ولكن العشرة والاحترام تصنعان الحب."

 

* وهنا وبعد وصيتي لك باستخارة الله عز وجل أولاً، سأشير إلى ثلاثة أمور رئيسية ومهمة، أوصيك بها لمساعدتك على اتخاذ القرار الصائب؛ لأنها أمور مبنية على علم النفس التربوي والعاطفي:

 

1- عليك بإعادة تقييم العلاقة.. وذلك من خلال عدة أسئلة تضعها لنفسك مواجهًا بها ذاتك:

 

- هل يمكنك تجاوز الكذب الذي حصل؟

 

- هل ستظل شكاكًا تجاهها؟

 

- هل قامت بخداعك في أمر واحد فقط أم هناك تفاصيل أخرى مخفية؟ فربما ما خفي عنك كان أعظم، وربما تزوجت أكثر من مرة والله تعالى أعلى وأعلم!

 

2- أنت تحتاج يا ابني أيضًا لإعادة بناء الثقة (Trust Reconstruction) فالثقة مثل الزجاج، إذا انكسر يصعب إصلاحه دون ترك أثر، فهل يمكنك التعايش مع حقيقة أنها لم تكن صادقة معك في البداية؟ أو كونها كانت متزوجة من غيرك؟

 

3- والأهم أتمنى أن يكون لديك المرونة العقلية والتفكير بعقلانية بدلاً من العاطفة (Rational Decision-Making) فلا تتخذ قراراتك بناءً على مشاعر اللحظة، بل على أسس متينة؛ لأن الحياة الزوجية تحتاج إلى استقرار نفسي أكثر من العاطفة العابرة.

 

وبناء على ما سبق وذكرته لك، تستطيع أن تتخذ القرار المناسب لك، وتتحمل وحدك نتائجه.

 

- فإن كنت تشعر أن الشك سيسيطر عليك في العلاقة الجديدة، فالأفضل أن تبتعد عنها؛ لأن الزواج لا يقوم إلا على الثقة المتبادلة بين الطرفين.

 

- كذلك إن كنت تشعر بندم حقيقي تجاه خطيبتك السابقة، فيمكنك أن تحاول إصلاح الأمر، ولكن بعد أن تتأكد أنك قادر على تعويضها عما فعلته.

 

* وهمسة أخيرة:

 

اعلم يا بني.. أن الكرامة والصدق أساس أي علاقة ناجحة، فلا تبنِ مستقبلك على أرض رخوة، قراراتك اليوم ستحدد سعادتك غدًا، فاختر بعقل متزن وقلب واعٍ.

 

فكما قال الشاعر:

 

                           إذا المرء لم يدنُ بنفسٍ كريمة ** فحبُّه للعيشِ ليس يدومُ

 

وتذكر أيضًا، أن الحياة تجارب، وما تمر به اليوم سيجعلك أكثر نضجًا غدًا إن شاء الله تعالى، فلا تتسرع في اتخاذ قرارك.

 

أسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير وما يحب ويرضى.