الفتوى والعمل بالقول المرجوح وترك الراجح

هل يجوز للمفتي أن يفتي بالقول المرجوح وترك الراجح إن كانت هناك حاجة أو ضرورة؟

بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

 

فالمراد بالأخذ بالقول المرجوح: هو إعمال المفتي قولا مرجوحًا، وترك الراجح لمقتضٍ شرعي من ضرورة أو حاجة، وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة إلى عدة أقول وما نرجه للفتوى هو جواز الإفتاء بالقول المرجوح وترك الراجح من عالم ثقة إذا اقتضت الحاجة إلى هذا.

 

وقد اختلف العلماء في الأخذ بالقول المرجوح في الفتوى على ثلاثة أقوال، هي:

 

القول الأول: منع الأخذ والعمل بالقول المرجوح ولو كانت هناك حاجة أو ضرورة.

 

وعللوا بما يأتي:

 

- أن للضرورة حكمها وهي مبينة عند الفقهاء، فمتى وقعت عولجت بما يقتضيه الحال، وقرِّر لها الحكم الكلي الملاقي لها.

 

- أن في فتح هذا الباب فتحًا لباب اتباع الهوى من غير ضرورة ولا حاجة؛ ما يؤدي إلى الحكم بالتشهي، ويخرم الانضباط في الأحكام.

 

- أن ذلك يؤدي إلى انسلاخ الناس من الدين بترك اتباع الدليل والانسياق وراء ضعيف الأقوال وشاذها، وربما أدى إلى خرق الإجماع بالتلفيق بين الأقوال.

 

- أن ذلك يؤدي إلى الاستهانة بالدين؛ إذ يصير بذلك سيالاً لا ينضبط.

 

القول الثاني: للمفتي الأخذ بالقول المرجوح في خاصة نفسه ولا يجوز ذلك في الفتيا.

 

وعللوا بما يأتي:

 

بأنه لا يصار إلى العمل بالقول الضعيف إلا عند الضرورة، والمفتي لا يتحقق الضرورة بالنسبة لغيره كما يتحققها من نفسه، فالمنع لأجل ألا تكون الضرورة محققة، لا لأجل أنه لا يعمل بالضعيف إذا تحققت الضرورة.

 

القول الثالث: جواز الأخذ والعمل في الفتيا بالقول المرجوح عند الاقتضاء من ضرورة أو حاجة بشروط.

 

وعللوا بما يأتي:

 

1- أن للضرورة والحاجة حكمها، وتقدر بقدرها عند وقوعها.

 

2- أن المكلف وافق دليلاً في الجملة.

 

3- أن دليل المرجوح أقوى في مراعاة الحال التي استدعته. أ . هـ باختصار وتصرف من كتاب الفتوى في الشريعة الِإسلامية" للشيخ عبد الله آل خنين.

 

وما نرجحه للفتوى هو الأخذ بالقول الثالث، وهو الفتوى بالقول المرجوح عند الاقتضاء من ضرورة أو حاجة لما يلي:

 

1- أن أدلة الترجيح نفسها اجتهادية تختلف من مذهب إلى مذهب، ومن فقيه إلى آخر، وبالتالي يمكن للمفتي أن يعيد النظر في أدلة الترجيح مرة أخرى ويراجعها.

 

2- هناك فرق بين الرأي المشهور والرأي الراجح، وكثير من الناس يخلط بينهما فبعض المسائل المشهورة تكون من المرجوحة، لكن شهرتها أعطتها قوة وجعلتها راجحة، وقد قام الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم بدور رائد في هذا الأمر، فقد كان الإفتاء بوقوع الطلاق الثلاث في مجلس واحد يقع طلقة بائنة، ولكنه انتصر للرأي الثاني وهو وقوعه طلقة واحدة، وهو ما كان عليه العمل في عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعهد أبي بكر وبداية عهد عمر بن الخطاب.

 

3- الفتوى ـ غالبًا ـ تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص، وبالتالي على المفتي أن ينظر في الآراء ليرجح على ضوء هذه القاعدة الرأي الذي يفتي به وقد يفتي بالرأي المرجوح لأنه يناسب الزمان والمكان والأشخاص.

 

4- المفتي الذي بلغ درجة الاجتهاد يمكنه أن يجتهد في مناقشة الأدلة التي اعتمد عليها العلماء في الترجيح، ويمكنه إحداث رأي جديد لم يقل به أحد من قبله، ما دام دليله قويًّا، وهذا يؤدي إلى رجحان المرجوح.

 

والله تعالى أعلى وأعلم