مشكلات من كل جانب.. هل من سبيل للتفاؤل؟

كيف لي أن أكون متفائلة وكل شيء حولي يبدو صعبًا؟ وضعي في الدراسة يزداد تعقيدًا، وأحلامي تصطدم بالواقع، وأحوال البلاد لا تبعث على الأمل، والمشاكل تحيط بي من كل جانب... كيف أجد النور وسط كل هذا الظلام؟ هل هناك سبيل يجعلني أتمسك بالأمل رغم كل هذه التحديات؟

مرحبًا بك أختي الفاضلة، ونشكرك على ثقتك بنا وتواصلك معنا، وبعد...

 

فالحياة –لا شك- رحلة مليئة بالتحديات، وهي دار البلاء والاختبار، ليست دار جزاء؛ ولكنها أيضًا –مع ذلك- مليئة بالفرص وبالرحمات من الله، التي قد تخفى علينا وسط المحن.

 

قد يبدو العالم مظلمًا من حولك، والمصاعب تحيط بكِ من كل جانب، لكن تذكِّري أن بعد العسر يسرًا، وأن نور الله لا ينطفئ أبدًا مهما اشتدت ظلمة الواقع.

 

إن التفاؤل ليس تجاهلًا للصعوبات؛ بل هو يقين بأن الله معكِ، وأنه يدبِّر لك الخير حتى في أصعب اللحظات.

 

وتعالي نناقش ما طرحته في استشارتك نقطة نقطة:

 

أولًا- التفاؤل في ظل التحديات الدراسية

 

قد تشعرين أن الأمور تزداد تعقيدًا في دراستك، لكن تذكَّري أن النجاح يأتي بعد السعي والمثابرة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه» [رواه البيهقي]. فلا تيأسي من التعثر؛ بل اعتبريه جزءًا من رحلتك نحو النجاح. حاولي تقسيم أهدافكِ إلى خطوات صغيرة، وخذي بكل الأسباب المتاحة.

 

سلي الله العون والتيسير، واستعيني به –جل وعلا- دائمًا، وادعي بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلًا» [رواه ابن حبان].

 

وتذكَّري أن التحديات تصقلكِ، وتجعل منكِ شخصية أكثر نضجًا وقوة.

 

ثانيًا- عندما تصطدم الأحلام بالواقع

نعم، أحلامكِ قد تواجه صعوبات، وهذا أمر طبيعي فكل الناجحين مرُّوا بمحطات شك وتحديات؛ لكنهم استمروا ولم يتخلوا عن أحلامهم. لا تجعلي العقبات سببًا للتخلي عن طموحاتكِ، بل اجعليها دافعًا لإيجاد طرق بديلة للوصول.

 

وتأملي في قصة نبي الله يوسف -عليه السلام- الذي انتقل من قاع البئر إلى عرش مصر، رغم كل التحديات التي واجهها. فقد قال الله تعالى: (إِنَّهُۥ مَن یَتَّقِ وَیَصْبِرْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لَا یُضِیعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِینَ) [يوسف: 90]. فضعي في قلبك يقينًا بأن الله يختار لك الأفضل، حتى وإن بدت الأمور صعبة الآن.

 

ثالثًا- حين تبدو الأوضاع العامة محبطة

 

ربما تنظرين إلى أحوال بلادك العامة فتشعرين بالحزن، لكن تذكَّري أن كل محنة يعقبها فرج. والتاريخ شاهد على أن الأزمات الكبرى كانت مقدمة لانفراجات عظيمة. قال الله تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ( [النور: 11].

 

فتفاءلي بأن الله يدبر الأمور بحكمته، وقد يكون ما نراه اليوم ألمًا هو مقدمة لخير لم يتضح لنا بعد.

 

رابعًا- كيف أجد النور وسط هذا الظلام؟

 

تجدينه -إن شاء الله تعالى- بالآتي:

 

1- القرب من الله:

 

عندما تشتد ظلمة الحياة، ويضيق الأفق أمامنا، فإن أعظم طريق للنور هو اللجوء إلى الله، والثقة بأنه –سبحانه- لا يضيِّع عباده. فالنور الحقيقي لا يأتي من الظروف الخارجية، بل ينبع من القلب المؤمن المطمئن بذكر الله والتوكل عليه.

 

فكلما اشتدت عليكِ الدنيا، اقتربي من الله أكثر، فهو الذي يبدِّل الضيق فرجًا، والحزن سعادة. ويكون هذا بشتى القربات، من عبادات محضة -كالصلاة والصيام والزكاة والحج- ونوافلها من السنن الرواتب، وقيام الليل، والذكر، وتلاوة القرآن، وصوم النافلة، والصدقات، والاعتمار، إلى العمل الصالح بمفهومه العام، وخدمة المجتمع من حولك، والإعانة على الخير.

 

يقول ربك جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل: 97].

 

وروي أن أحد الناس ‏سأل الإمام الشافعي، رحمه الله: إن كان ربك يرمينا بسهام القدر، فتصيبنا، فكيف لي بالنجاة؟ فقال: «كن بجوار الرامي، تنجو»!

 

والله ربي وربك ورب العالمين يقول: (أَمَّن يُجِيبُ ٱلْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَیَكْشِفُ ٱلسُّوٓءَ) [النمل: 62]. فأفرغي قلبكِ في السجود، وناجي الله بكل ما في نفسكِ، فهو أقرب إليكِ مما تتخيلين. وقد وعد سبحانه بأنه لا يخذل عباده أبدًا.

 

2- الامتنان بالنعم:

 

فعندما تشعرين بالضيق، حاولي أن تتذكري النعم التي تحيط بكِ، فالشكر يفتح أبواب الخير. قال الله تعالى: (لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم: 7].

 

والنبي –صلى الله عليه وسلم- علَّمنا أن ننظر إلى النعم الحاضرة بدلًا من الشكوى من النعم المفتقدة، فقال: «انظروا إلى من هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقَكم، فإنه أجدَرُ أن لا تزدَروا نعمةَ اللهِ عليكم» [رواه الترمذي].

 

فمارسي عادة الامتنان يوميًّا، اكتبي ثلاثة أشياء تشعرين بالامتنان بها، حتى لو كانت صغيرة: صحتكِ، عائلتكِ، فرصة التعلم، لحظة هدوء... فستجدين أن حياتكِ أصبحت أكثر إشراقًا، رغم الصعوبات.

 

3- صحبة الإيجابيين:

 

إن من أكبر أسباب الإحباط هو البقاء وسط أشخاص يبثون السلبية، ويجعلونكِ ترين الجانب المظلم فقط. لذا، كوني قريبة ممن يذكّركِ بالله، ويبعث فيكِ الأمل، ويعينكِ على الصبر. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنِّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ وجَلِيسِ السُّوءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ إِمَّا أنْ يَحْرِقَ ثَيابَكَ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبيثَةً» [متفق عليه].

 

فابحثي عن الصحبة التي ترفعكِ وتشجعك وتبث فيك الأمل، لا التي تحبطك وتثقل كاهلكِ بالهموم. وإن لم تجديها من حولكِ، فابحثي عنها في الكتب، أو المحاضرات الملهمة.

 

4- التوكل على الله والثقة في تدبيره:

 

والتوكل لا يعني الاستسلام؛ بل يعني العمل بكل جهد، ثم ترك النتائج لله. حين تكونين واثقة بأن الله يدبّر أموركِ بحكمة، فلن تخافي من المستقبل، قال الله تعالى: (وَمَن یَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق: 3].

 

وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم من رجل جاءه ومعه ناقته: يا رسول الله، أعقلها وأتوكل، أم أطلقها وأتوكل؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «اعقلها وتوكل» [رواه الترمذي].

 

أي أن علينا الأخذ بالأسباب، ثم نترك الأمر لله، ونثق أنه –سبحانه- سيختار لنا الخير، حتى لو بدت الأمور صعبة الآن.

 

وختامًا –أختي العزيزة- التفاؤل هو إيمان عميق بأن الغد سيكون أفضل، حتى لو كان اليوم صعبًا. فلا تستسلمي لليأس؛ بل استمدي قوتكِ من إيمانكِ بأن الله معكِ، وأن كل شيء يحدث لحكمة. استمري في السعي، وثقي بأن الله سيجعل لكِ نورًا وسط هذا الظلام. فكوني صابرة، متفائلة، مستبشرة بأن الله لن يخذلكِ أبدًا. وتابعينا بأخبارك.