يا جماعة، صرت أحس إني غريبة عن نفسي! لما أشوف مشاهد الحرب والأطفال والمآسي، أحس بضيقة في صدري وتوتر، بس ما تطلع مني دمعة، إلا نادرًا، أو إذا وصلت لحالة انهيار تام. هذا الشيء خلاني أفكر: هل ممكن الله سلب مني الرحمة؟ أنا فعليًا أتأثر وأحس بثقل هالمشاهد على المدى البعيد، لكن ما أقدر أعبر عن الضيق بالبكاء، وهذا مأثر عليّ نفسيًا. هل هذا يعني إني ناقصني شيء أساسي في إحساسي كإنسانة؟ وهل عدم البكاء على مثل هالمواقف شيء ممكن يكون ما يرضي الله؟
أختي الكريمة، مرحبًا بك، ونشكرك على تواصلك معنا، وبعد...
فإن ما تشعرين به هو دليل على أن قلبك حيٌّ، وأن ضميرك ما زال نابضًا بالإحساس والشعور بمعاناة الآخرين. إنه لا يمكن قياس الرحمة ورقة القلب بدموع تنهمر أو غصة تظهر علنًا فقط؛ فالله -سبحانه وتعالى- خلق الناس بطبائع مختلفة في التعبير عن مشاعرهم، وجعل لكل قلب طريقته في التأثر والتفاعل مع الأحداث من حوله.
إن الرحمة في الإسلام ليست مجرد دموع تُسكب، بل هي إحساس داخلي بالمعاناة، يتجسد في القلب والمشاعر، وقد ينعكس في أفعال الإنسان وتفاعله مع المحتاجين والمظلومين. فالنبي -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أرحم الناس، لم يكن دائم البكاء؛ رغم أنه كان يحمل همَّ الأمة في قلبه، ويعمل جاهدًا لنشر الخير والعدل، وقد وصفه الله -سبحانه وتعالى- بقوله: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ [التوبة: 128]. فالرحمة ليست في الدموع فقط، بل في الإحساس العميق والحرص على الخير للآخرين.
وعدم البكاء على المآسي ليس بالضرورة أن يكون عدم رضا من الله! لأن الله ينظر إلى القلوب قبل الظواهر. فمن الناس من تنهمر دموعهم سريعًا، ومنهم من يشعر بالحزن العميق؛ لكنه لا يستطيع البكاء. وقد يكون شعورك بالضيق والتوتر عند رؤية هذه المشاهد علامة على رهافة حسّك وتأثرك الحقيقي، حتى لو لم تظهر الدموع.
وعندما يقول النبي النبي -صلى الله عليه وسلم- مثلًا: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [متفق عليه]، فكذلك الأمر في المشاعر الأخرى، فليس دائمًا من يبكي أكثر هو الأكثر إحساسًا؛ بل الأهم هو الأثر الذي يتركه الحزن والرحمة في قلب الإنسان وسلوكه.
إذن، كيف تتعاملين مع هذا الشعور عندما يراودك؟ أنصحك بالآتي:
1- تعزيز الرحمة بالعمل:
اجعلي هذا الشعور دافعًا لكِ لمساعدة المحتاجين، بالدعاء لهم، أو التبرع، أو حتى نشر الوعي عن قضاياهم. فالرحمة لا تقتصر على الدموع؛ بل تمتد إلى الأفعال.
2- الطمأنينة بقبول الله لحالك:
فالله يعلم ما في القلوب، وهو أرحم الراحمين، ولا يحاسب الإنسان على كونه لا يبكي تأثرًا؛ بل على تقواه وسعيه للخير.
3- الدعاء بلين القلب ورقته:
من الجميل أن تسألي الله أن يجعل قلبك أكثر رقة، فهذا كان دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن عين لا تدمع» [رواه الترمذي]. لكن هذا لا يعني أن قلبك قاسٍ؛ بل فقط لكل شخص طريقته في التعبير عن مشاعره.
وختامًا أختي الفاضلة، لا تجعلي الشيطان يُلقي في قلبك الشك في رحمة الله بكِ أو في إحساسك بالآخرين. فالرحمة ليست دموعًا فقط، بل هي فعل وتأثر داخلي وأمل في التغيير. وثقي بأن الله يعلم مكنونات قلبك، ويرى كل ذرة خير فيك. اجعلي هذا الشعور حافزًا للخير، ولا تدعي الحزن يعزلك عن العمل الإيجابي في الحياة.
أسأل الله لك ولنا التوفيق، ونرحب بالتواصل معك دائمًا.