السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا أم لابنة تبلغ من العمر 15 عامًا، وقلبي يكاد ينفطر من شدة القلق والحزن! اكتشفت منذ فترة أن ابنتي تأخذ أشياء ليست لها، سواء من المنزل أو من الخارج، حتى من أقاربنا وزميلاتها في المدرسة! في البداية ظننت أنها مجرد تصرف عابر، ربما لجذب الانتباه، لكنني تفاجأت أن الأمر يتكرر، رغم أننا لسنا فقراء، بل نوفر لها كل ما تحتاجه وزيادة. واجهتها أكثر من مرة، وكانت تبرر تصرفها بأعذار واهية، وأحيانًا تنكر، وأحيانًا تعترف وتعدني بعدم التكرار، لكنها تعود لفعلها دون أي شعور بالندم! بل لاحظت أنها أحيانًا تسرق أشياء لا تحتاجها أصلاً، وكأنها تفعل ذلك بلا سبب واضح. دكتورة حقيقي أنا في حالة نفسية سيئة، أشعر أنني فشلت في تربيتها، وأخشى أن يتطور الأمر للأسوأ إذا لم أجد حلاً. أريد أن أفهم لماذا تفعل ابنتي ذلك؟ وكيف أتعامل معها بطريقة تجعلها تتوقف عن هذا السلوك نهائيًا؟ أرجو توجيهًا دقيقًا ينقذها وينقذني من هذا الكابوس.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أختى السائلة، أولًا، ورغم أن ما تمرين به صعب بلا شك وكما وصفتِ في رسالتك بأنه يشبه الكابوس.. لكن أود طمئنتك بأنه أمر يمكن التعامل معه بحكمة وعلم؛ فابنتك ليست حالة ميؤوسًا منها، بل تحتاج إلى فهم أعمق للمشكلة وعلاج تربوي ونفسي دقيق.
ولذلك سوف أشرح لك أسباب السرقة عند المراهقين بشكل مبسط حتى نستطيع أن نضع أيدينا على المشكلة ويسهل علاج ابنتك ويتم تعديل سلوكها بإذن الله تعالى.
1- هناك بعض الأشخاص يعانون من اضطراب نفسي قهري يجعلهم يشعرون برغبة لا تقاوم لأخذ أشياء ليست لهم، حتى لو لم يكونوا بحاجة إليها وهو ما يسمى بـ Kleptomania أو هوس السرقة.
2- هناك أيضا سبب آخر يسمى باضطراب التحكم أوImpulse Control Disorder، حيث يواجه الشخص صعوبة في كبح رغباته اللحظية، ويشعر بلذة في خرق القواعد.
3- نقص الإشباع العاطفي أو Emotional Deficiency، فأحيانًا يلجأ المراهق إلى السرقة كوسيلة لملء فراغ عاطفي أو جذب الانتباه، خاصة إذا شعر بالإهمال العاطفي أو عدم التقدير، سواء من الأم والأب أو من بعض المحيطين الذين يمثلون له أهمية بالغة.
4- ولا نغفل أيضًا تأثير الأصدقاء.. فقد يكون لديها أصدقاء يشجعونها على هذا السلوك، أو ترى السرقة في محيطها كممارسة طبيعية.
5- كذلك بعض المراهقين يستخدمون السرقة كشكل من أشكال التحدي ضد السلطة الأبوية أو النظام المدرسي، وهذا السبب يوصف بالتمرد على السلطة أو Rebellion Against Authority.
6- كذلك البحث عن الإثارة أو ما يعرف بـ Seeking Thrillفبعض الحالات يكون السبب مجرد الرغبة في الشعور بالمغامرة، حيث يشعر السارق باندفاع الأدرينالين عند سرقة شيء بنجاح.
* إذًا وبعد كل ما ذكرته لك من أسباب، نأتي لكيفية التعامل مع ابنتك، وأرجو منكِ كي تساعديها على اجتياز هذه الأفة، أن تلتزمي بما سأذكره لك من نصائح:
أولا: تجنبي مواجهتها بعنف أو إهانة.. فلا تصفيها أبدًا بأنها "لصة" أو "مريضة"، فهذا قد يجعلها أكثر عنادًا وتمردًا.
قولي لها مثلا: "أنا أثق أنك أفضل من ذلك، وأريد أن أفهم لماذا تفعلين هذا؟."
ثانيا: استخدامي معها "CBT" أى العلاج السلوكي المعرفي..
- ساعديها على إدراك أن السرقة لن تجعلها أكثر سعادة أو قوة، بل ستؤذيها نفسيًّا واجتماعيًّا، وربما تطور الأمر وعرضها للعقاب القانوني والسجن والعياذ بالله، هذا فضلا عن العقاب الإلهي في الدنيا، حيث قال الله تعالي في حد السرقة: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا).. هذا غير عقاب الله للسارق في الآخرة إن لم يتب قبل وفاته.
- اجعليها تكتب قائمة بالأسباب التي تدفعها للسرقة، ثم ناقشي معها حلولًا لكل سبب.
ثالثا: عززي بداخلها مفهوم الأمانة والمسؤولية، بتأكيد الأمر الإلهي في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا).. كذلك ما روي عن النبي ﷺ: "آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان"، ثم وضحي لها أن الأمانة ليست فقط في الأموال، بل هي أساس الثقة بين الناس في كل شيء حتى في الكلمة.
رابعًا: تحتاج ابنتك أيضًا إلى إعادة لتأهيلها عبر التعزيز الإيجابي..
- أي بدلاً من عقابها القاسي، ركزي على مكافأتها عندما تتصرف بأمانة.
- امنحيها مسؤوليات مالية صغيرة، واجعليها تدير جزءًا من مصروفها بنفسها؛ ما يعزز إحساسها بالملكية المشروعة.
خامسًا: أشركيها في أعمال خيرية تطوعية خاصة بكم أو ببعض الجمعيات الخيرية، وعلميها كيفية وقيمة كسب المال الحلال.. ومن ثَم أيضًا يمكن أن تعطيها مهام صغيرة مقابل مكافآت مالية، لتمارس ذلك الشعور الرائع بكسب المال الحلال وبطرق صحيحة.
سادسًا: تعزيز علاقتك بها عاطفيًّا ونفسيًّا.. وهي النصيحة الأهم على الإطلاق، فعليكِ بإظهار حبك واحتوائك لها دون أن يكونا مرتبطين فقط بسلوكها، حتى لا تلجأ للسرقة كتعويض عاطفي.
اسأليها عن أحلامها، مخاوفها، وأسباب عدم شعورها بالكفاية رغم أن لديها كل ما تحتاجه؟!
- علميها معنى أن: من لا يتعلم التحكم في أفعاله فسيواجه عواقب لا يريدها.. وقد قيل في ذلك:
إذا المرء لم يدفع يد الجهل *** لم يزل يلاقِ الذي لا يبتغيه ويسمعُ
وأخيرا أهمس إليك عزيزتى الأم:
ابنتك ليست سيئة، لكنها تحتاج إلى تصحيح المفاهيم، والعلاج السلوكي، والاحتواء العاطفي.
استخدمي العقل والحب في آنٍ واحد، ولا تفقدي الأمل؛ فالكثير من المراهقين يمرون بمثل هذه التجارب ويتجاوزونها ليصبحوا أشخاصًا أفضل بعون الله تعالى ثم بمساعدة أُسرهم.
واعلمي أيضا أنك إذا أردتِ أن تنقذي ابنتك من براثن ذلك السلوك الخطير، فلا بد أن تبذلي الجهد مع الصبر ولا تملي.. قال حكيم: "العادات السيئة تبدأ كزائر، ثم تصبح ضيفًا، ثم تتحول إلى سيد في البيت"! وكذلك السرقة قد تبدأ كهواية، لكنها إذا لم تُعالج فقد تصبح عادة يصعب التخلص منها.
ثم لا تغفلي ذلك السلاح الرائع، ألا وهو الدعاء.. ادعي الله لابنتك بالتوبة والصلاح وأنت موقنة بالإجابة.
أسأل الله أن يعينك على تربيتها، وأن يجعلها من الصالحات المستقيمات.