شوقًا للأمومة.. هل تتزوج الرويبضة؟

أنا يا سيدتي فتاة بلغت عامي الرابع والثلاثين منذ بضعة أيام.. أنا فتاة على درجة عالية من الجمال وتلقيت تعليما راقيا ومن عائلة ذات مكانة عالية كما أنني ذات خلق ودين كما يشهد لي الجميع ولا امتدح في نفسي لكن حقيقي لا يوجد لدي عيب جوهري وكان من المفترض أن أكون زوجة وأم منذ بضع سنوات مضت والحقيقة أنه تقدم لي الكثير والكثير من الرجال ولكنني وجدت في كل منهم عيبا جوهريا فهذا أكبر مني بكثير وهذا تعليمه أقل مني وهذا ظروفه الاجتماعية منخفضة وهذا يعاني ماديا وهذا لا يحمل أي قدر من الوسامة وهذا بالغ القصر وهذا والدته ذات شخصية مسيطرة.. اعترف إنني رفضت الكثيرين فلقد كنت أرى دائما إنني استحق الأفضل وشجعني والدي على ذلك فهو لم ير فيمن تقدم لي من يناسبني ومضت السنوات وبعد أن كان كل عام يحمل عدد من العرسان أصبح يمر العام ولا يأتي إلا عريسين أو ثلاثة ثم أصبح هناك عريس كل عام وها قد مر عامين دون أن يتقدم أحد وبعد أن كان يتقدم من يقاربني إلا قليلا أصبح من يتقدم ذو عيوب جسيمة.. الآن يا سيدتي أدركت إنني أكاد أودع حلم الأمومة أيضا وأنا اقترب من منتصف الثلاثينات وقررت يوم أتممت عامي الرابع والثلاثون أن أصبح أما في عامي الخامس والثلاثين وبالتالي أنا قررت أن أقبل أول خاطب يتقدم لي مهما كان عيبه أو سنه أو ظروفه أو شكله حتى لو تطلقت بعد ذلك لا يهم بل إنني أخبرك سرا إنني أنتوي الطلاق فعلا فغالبا سأتزوج ممن لا أرضاه ولا أقبله المهم أن يحدث الحمل واحصل على حلم الأمومة.. لم أخبر أحدا بما انتويته بعد لكن هذا ما أنا عازمة عليه حتى إنني أفكر في البحث عن عريس من المنتديات والصفحات المتخصصة في التوفيق بين الرجال والنساء فأنا في سباق مع الزمن.. حتى إنني أفكر أيضا في البدء في زيارة طبيبة أمراض نساء من الآن حتى أطمئن على نفسي وأبدأ في تناول الأدوية والمنشطات حتى إذا تزوجت لا أضيع الوقت في العلاج.. أريد منك كلمات تدعمني فيما انتويته وقررته.

أختي الكريمة، أهلاً وسهلاً ومرحبًا على بوابة استشارات المجتمع.. غاليتي، حلم الأمومة حلم مشروع تمامًا كحلم الزواج وكثيرًا ما تتغلب مشاعر الأمومة على مشاعر الأنوثة لدى النساء؛ لذلك فأنا متفهمة تمامًا الدافع الذي جعلك تفكرين على هذا النحو، ولكن حنانيك يا عزيزتي فما هكذا تدار الحياة.. أنا لن أناقشك فيما مضى من رفض لطالبي الزواج، فما مر صفحة وطويت ولو أردنا أن نأخذ منها درسًا وعبرة فهو أن نتريث قبل القبول أو الرفض ونمنح أنفسنا فرصة كي ندير الأمر من كل جوانبه.

 

أختي الكريمة، عندما أقول لك إن الزواج رزق وإن الأمومة رزق فلا أردد لك مجرد كلمات تعرفينها وتتردد كثيرًا.. مجرد كلمات إنشائية تفتقد الروح والوهج تقال على سبيل التسكين والتهدئة فهذه نظرة سطحية لهذه المعاني الأساسية في الحياة.. للرزق أسبابه وأدواته نعم ولكنه في النهاية يخضع لإرادة الله وقدره فاهدئي (واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك، وما أَصابك لم يكن ليخطئك) رواه أحمد.

 

دعينا نتفق أن نتقبل اللحظة الراهنة ومهما اختلف تحليلنا لما حدث في الماضي وأوصلنا لهذه النقطة أن ننحيه جانبًا ونكتفي بالقبول والرضا لما نعيشه الآن.. الآن أنت تريدين أن تكوني أُمًّا وفي سبيل ذلك قررت الزواج بأول من يتقدم لك مهما كان.. هل نسيت أن هذا الرجل سيمنح ابنك نصف جيناته وسيكون مسئولاً معك عن تربيته حتى لو تطلقت (وسأعود للنقطة هذه لاحقا)، وأن ابنك سيحمل اسمه فلو كان شخصًا سيئ السمعة مثلا فسيرث ابنك هذه الوصمة، فهل هذا ما تريدينه لطفلك الذي تتشوقين لإنجابه؟

 

دعينا نعدل هذه الجملة (أنا قررت أن أقبل أول خاطب يتقدم لي مهما كان عيبه أو سنه أو ظروفه أو شكله)، ونجعلها هكذا (أنا قررت أن أقبل أول خاطب يتقدم لي يمتلك الحد الأدنى المقبول من الصفات وبشرط أن يكون ذا خلق ودين)؛ فلا تتنازلي أبدًا عن صاحب الخلق والدين، ولا أعني أن يكون شيخًا أو فقيهًا وإنما الحد الأدنى أن يكون مقيمًا للصلاة، فلا تتزوجي برجل لا يصلي ولا تتزوجي برجل بذيء اللسان فهذا هو الحد الأدنى في الخلق وبعد ذلك ستكون المساحة واسعة في القبول، فقد تقبلين برجل يكبرك بسنوات أو متزوج بأخرى أو لا يمتلك حظًّا من الوسامة أو ظروفه المادية محدودة بشرط ألا تكون نيتك الطلاق أو الخلع لأنك هكذا كأنما تستأجرين رجلاً للتلقيح.

 

الزواج يا عزيزتي في الشريعة الإسلامية مبني على نية التأبيد، أي أننا نتزوج وفي نيتنا أن يكون هذا الزواج للأبد.. تحدث مشكلات بعد ذلك فهناك تشريع الطلاق حينئذ.. أما أن نتزوج وفي نيتنا أنه زواج محدد المدة أو حتى يحدث الحمل ونحو ذلك ثم ننهي الزواج فهذا الزواج غير شرعي وهذه نية بالغة السوء، وإنما الأعمال بالنيات، والله سبحانه وتعالى يعلم ما تسرين وما تعلنين، فحتى لو لم تعلني ذلك فالله سبحانه وتعالى يعلم نيتك ويجازيك عليها.

 

وبمناسبة النوايا فكلما صفت نية الإنسان ورقت مشاعره حسن ظنه بربه، وكما جاء في الحديث القدسي الذي رواه أحمد (أنا عند ظنِّ عبدي بي فليظُنَّ بي ما شاء)، فأنت أختي الحبيبة بحاجة لإحسان الظن بالله فيرزقك ما تتمنين وأكثر.

 

وقد يبدو في الظاهر أن الرجل الذي تقدم أقل بكثير مما كنت تطمحين إليه لكن بعد عشرتك له تنجذبين له وتحبينه.. اسمحي لي أن أخبرك قصة حدثت بالفعل لفتاة تقريبًا في نفس عمرك تقدم لها رجل أرمل لديه طفلان.. الفتاة رفضت لكن والدتها طلبت منها فقط أن تقابله وطفليه مرة واحدة فقط.. تخيلي أن الفتاة تعلقت باليتيمين منذ وقع نظرها عليهما، وانظري لكرم الله كان الرجل حسن الخلق لين العشرة رزقها الله منه الأطفال، والواقع مليء بحكايات يملؤها لطف الله.. كانت نظرتها قاصرة وهي تقيم الأمر من الخارج فرأت رجلاً أرملاً يبحث عن مربية لأطفاله.. رجل هزمته السنون مثقل بالأعباء لم يعد في قلبه مكان للحب.. هل تفهمين مقصدي البشر ليسوا سلعًا مادية لها مواصفات قياسية فافتحي قلبك لمن يتقدم وأنت تحسنين الظن بالله تعالى.

 

لا أرى مانعًا من الذهاب للطبيبة النسائية وإجراء الفحوصات وتلقي النصائح المناسبة، ولا أرى مانعًا من اللجوء للصفحات المتخصصة للتزويج، بشرط أن تكون صفحات موثوقًا منها وهي قليلة جدًّا، والأفضل اللجوء للطرق التقليدية فهناك أشخاص لديهم دائرة معارف واسعة ويسعون في هذا الأمر ويمكنك التلميح لهم أو تقوم والدتك بالتلميح أو حتى التصريح.. لا أرى أي مانع من الأخذ بالأسباب كلها وأنت تحسنين الظن بالله تعالى وتحسنين التوكل عليه.. لكن لا داعي للسباق مع الزمن فهذا سيشعرك بمروره بطريقة قاسية قد تؤثر على نفسيتك وعلى حالتك الصحية العامة.

 

بقيت جملتك (وقررت يوم أتممت عامي الرابع والثلاثين أن أصبح أُمًّا في عامي الخامس والثلاثين) كل أمر غاليتي معلق بمشيئة الرحمن ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا* إِلَّا أَن يَشَاءَ اللَّهُ﴾ (الكهف: 23 - 24).

 

الأمومة حبيبتي ليست قرارًا بل هي رزق كما أوضحت لك ومن أفضل ما يستجلب به الرزق الاستغفار ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا﴾ (نوح: 10- 12).

 

وأنصحك بأن تستغفري كل يوم 1000 مرة بنية الرزق بالزوج الصالح والذرية الطيبة وأن يبسط الله لك رزقه ويفتح لك أبواب رحمته، يقول ابن تيمية: "إن المسألة لتغلق عليّ، فأستغفر الله ألف مرة أو أكثر أو أقل، فيفتحها الله عليّ".. أكثري من الدعاء.. الصدقة.. الصلاة على النبي.. أن تسبحي بحمد ربك فهذا كله سيرزقك السكينة وراحة البال ويفتح لك أبواب الرزق والخير.. يسر الله أمرك ورزقك الزوج الصالح والأبناء الذين تقر عينك بهم، وفي انتظار أخبارك المشرقة.